يرى مؤلف كتاب: الأرض الجديدة (إكهارت تولي) أن "الأنا" الإنسانية هي السبب الرئيسي للمشاكل التي يعانيها جميع البشر. ويعرف "الأنا" بأنها التماهي مع الأفكار. هذا التماهي هو المسؤول عن كون تفكيرنا في معظم الأحيان تفكير غير واع، وهو الذي يقود تصرفاتنا وعواطفنا. وإن وظيفة الشخص (مهنته) هي مما يتم التماهي معه، ومع الوقت تزداد حدة التماهي هذه إلى أن تصبح الوظيفة كدور يلعبه يصاحبها. عادة ما يكون الناس غير واعين البتة للدور الذي يلعبونه، لأنهم بأنفسهم هذه الأدوار. تلعب "الأنا" الأدوار بسبب فكرة لا واعية، وهي: أنا لست بكاف، وهذه تتبعها أفكار أخرى لا واعية، مثل، أحتاج إلى لعب دور ما لكي أحصل على ما أحتاج إليه وأكون ذاتي بالكامل، ومثل، أحتاج إلى المزيد لكي أكون أكثر. ولأن الرئيس اليمني المخلوع (صالح) كان متماهيا إلى أبعد حد مع وظيفة الرئيس فإنه بادئ ذي بدئ قاوم حركة الثوار التي رمت الإطاحة بحكمه، وبرغم أن المبادرة الخليجية قد أعطته الكثير وبرغم أنه التزم بكل بنودها، برغم كل ذلك فإنه عمد إلى إفشال حكم هادي بكل ما أوتي من قوة، عن طريق عرقلة سير الحكومة في البرلمان، وعن طريق إخراجه للدبابير من أعشاشها، أي الحوثين والقاعدة، ثم بعد أن رأى أن قادة دول العالم ودول الخليج يشيروا بأصابع الاتهام إليه مباشرة أرسل ابنه إلى الرياض يفاوض من أجل أن يتولى الابن حكم اليمن خلفا لوالده وأن يتم رفع التجميد عن أمواله، وآخر تصرفاته الهوجاء غير العقلانية وغير الواعية، هو تحرضيه لليمنيين للتصدي ل"عاصفة الحزم"، حتى لو اقتضى الأمر التضحية بآخر يمني. كل ذلك، التضحية باليمن وباليمنيين، يجب أن يحدث من أجل "أنا" الرئيس وكرمال عيونها. إنه لمن المستحيل أن يثوب الرئيس المخلوع وأمثاله إلى رشدهم، لأن ما لديهم من العماء يعمل على تطويق وعيهم بالكامل، وبالتالي فكل ما تصوره له "الأنا" بأنه انتصار وعزة وكرامة، لا يغدو أن يكون انتحارا، وهو مآل الرئيس المخلوع، مثلما كان مآل القذافي، وسيكون مآل بشار الأسد. هناك أمل بأن المستقبل يحمل لنا الخير الكثير، فبنهاية الرئيس المخلوع وبشار الأسد ستطوى صفحة المستبدين الذين لم يسهموا في تطور الإنسان العربي وتنمية بلدانه، وإنه لمن المؤمل أن يضع الاتفاق النووي الأخير حدا لتدخلات إيران السافر في شؤوننا ولأطماعها في بلداننا. وكذلك، فإن من شأن الاهتمام بالتعليم والثقافة خلق جيلا خاليا من العقد، وقبل كل ما سبق، ولأن ديننا الإسلامي الحنيف دين الفطرة، فإن الرجوع إليه سيخلق منا مسلمين سليمي الفطرة نحب الخير ونساهم في ما يفيد البشرية جمعاء. لقد كانت قصة أبينا آدم مع إبليس بداية التحذير لنا منه ومن المتسبب في عصيانه للمولى عزل جل. "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين". وكذلك فإن سرد القرآن لقصص الأمم السابقة الذين حاربوا أنبياء الله وهدايته كان بهدف تبيان ما لديهم من خطاب غير عقلاني وغير منطقي وغير واع، وهذا من شأنه أن يحفزنا لاكتشاف ما لدينا من أفكار غير واعية، أي أن هدف القصص القرآني هو أن يحصل فينا ما يسميه إكهارت تولي "عملية الاستيقاظ". فجواب قوم نوح على دعوته لهم كان ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا هم أراذلنا. وعاد قوم هود كان ردهم "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء". وثمود قوم صالح أجابوا ب"أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب". أما فرعون فقال عن موسى "أم أنا خير من هذا الذي مهين ولا يكاد يبين". أما جواب قوم لوط فيصدم كل من لديه حتى ولو ذرة من عقل واع، "قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".