اطّلعت على مقال الكاتب القدير سليمان الهتلان، وعنوانه «كلٌّ يبحث عما ينقصه» بتاريخ 25 شعبان 1433ه (15/7/2012). إذ يرى الكاتب أن كلاً منا يبحث عما ينقصه بهدف أن يجلب له ذلك الشيء السعادة. ولكنني بعد أن قرأت كتاب الأرض الجديدة (New Earth...) وصلت إلى قناعة مختلفة، مفادها أنه لكي نحصل على السعادة فإن ما ينقصنا حقاً –وليس وهماً– هو التعرف على ذواتنا. وهذا ملخّص للكتاب الذي أهداني لتلك الحقيقة. يَخلص صاحب كتاب الأرض الجديدة (New Earth...) إكهارت تولي (Eckhart Tolle) إلى أن السبب وراء مشكلات بني البشر مع أنفسهم ومع بعضهم البعض وتدمير الإنسان لكوكب الأرض والمخلوقات الأخرى التي تعيش عليه، هو أن هناك خللاً في طريقة التفكير الإنساني، إذ إن التفكير الحالي في الإنسان الذي يقود عواطفه وتصرفاته هو تفكير غير واعٍ/ لا شعوري. يعرّف الكاتب الذات الإنسانية («الأنا» – Ego) بأنها ليست سوى التوحد مع الأفكار. أما الأفكار التي يتوحد معها الإنسان فهي من قبيل: أنا أفكر، جنس الشخص، ممتلكاته، جنسيته، عرقه، دينه، مهنته، كونه أباً أو أماً، كونه زوجاً أو زوجة، معلوماته، آرائه، ما يحب، ما يكره، الأشياء التي حدثت له في الماضي، ذكرياته. تتوحد «الأنا» مع الصوت الذي في الرأس، هذا التفكير الإجباري اللاإرادي المستمر والعواطف التي تصاحبه، فيصبح كما لو كان الإنسان قد تلبسه عقله. وتكون نتيجة التوحد مع الأشياء/ الأفكار أن الإنسان ينسى نفسه الحقيقية، أي وجوده وكينونته. يبدأ الإنسان يتعلق بالأشياء –التي يتوحد معها في كبره– منذ الطفولة. إذ إنه في طفولته المبكرة لا يعرف حتى نفسه، فإذا شاهد نفسه في الصورة أعطاها اسماً لآخر، ثم لاحقاً يتعرف على نفسه وتبدأ تسمع منه كلمات: أنا وحقي ولعبتي… إلخ. فيما يخص «الأنا» فإن اللعبة تمثل محتوى «الأنا»، وأما بنية «الأنا» فتتمثل في ياء المتكلم، الملكية كما في لعبتي وسيارتي، وهي التي تتسبب في كل المعاناة. أما ما يجبر الإنسان ليتوحد مع الأشياء فهو كونها تحدد كيف نرى أنفسنا وكيف يرانا الغير، لأن «الأنا» تساوي بين ما أملك (having) وأنا أكون (كوني موجود – being). من صفات عقل «الأنا» –المتوحد مع الأشياء التي في الأساس عبارة عن أفكار- أن تكون الأفكار التي تشغله وبطريقة مبرمجة كلها لها علاقة بالماضي، كذلك من أنماط الأفكار التي يتميز بها هذا العقل هي: أن يجعل نفسه (صح) و»الآخرين» خطأ، وهذا واحد من أشكال اللاوعي لدى الإنسان. لا يمكن لأي أنا أن تستمر فيما هي عليه بدون الحاجة للمزيد، فإذا لم يتحقق ما تريد يصاب الإنسان بعدم الراحة، بعدم الرضا، بالملل والقلق. وبما أن الأفكار والعواطف زائلة فإن «الأنا» تحتاج للآخر، لعدو كي تبقى حية، ولهذا السبب تجد أن عقل «الأنا» كثير التذمر والشكوى ودائم الانتقاد للآخرين، لأنه عندما أنتقد وأنتقص «الآخرين» فهذا يجعلني أكثر شأناً منهم. كذلك فإن الامتعاض والتظلم يشكلان جزءاً مهماً من «الأنا» لدى عديد من الناس. «الأنا» تأخذ كل شيء شخصي لأنها تخلط بين الفكرة ووجهة النظر من جهة والحقيقة من جهة أخرى، ولهذا فهي تدافع عن وهم. ومن ثم يقدم الكاتب الحل، الذي يجعله هدفاً وغاية لحياة الإنسان عليه أن يسعى لتحقيقه، وهو أن يحدث تحول في هذا التفكير: من تفكير غير واعٍ/ لا شعوري (unconscious) كما هو الحال الآن، إلى تفكير واعٍ (conscious). يسمي الكاتب هذا التحول ب»عملية الاستيقاظ – awakening». إن الجزء المهم من عملية الاستيقاظ هذه هو إدراك الإنسان للتفكير غير الواعي فيه، الذي يقود عواطفه وتصرفاته، وذلك من خلال إدراك ما يسمى ب»الأنا» (Ego)، على أن تتم عملية الإدراك هذه أثناء ما تفكر وتتكلم وتتصرف هذه «الأنا»، وكذلك إدراك طبيعة آلية التفكير المبرمج التي تسير جموع البشر. يعدّ إدراك الإنسان بأنه متوحد مع الأشياء/ الأفكار بداية التحول في الوعي. وبإمكان الإنسان التخلص من التوحد مع الأشياء عندما يكفُّ عن أنه يجد نفسه فيهم. كذلك فإن الإدراك عبارة عن طاقة مختفية في اللحظة الراهنة، لذا يمكننا أن نطلق عليه أيضاً: الحضور (Presence)، والحضور أي العيش والتركيز على اللحظة الراهنة، هو الذي سيخلِّص الإنسان من «الأنا» (Ego) ومنذ هذه اللحظة.