جاء قرار إدراج الجناح العسكري ل "حزب الله" على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية في أعقاب انعقاد جلستين على مستوى السفراء على مدار الأسبوعين الماضيين وبعد عقد اجتماعين سابقين لمجموعة العمل الفنية الخاصة ب"الموقف الأوروبي المشترك لمكافحة الإرهاب 931" والتي يطلق عليها اسم "سي بي 931". وتُعطى أهمية خاصة لهذا الحظر لأن "حزب الله" كان قد استأنف عملياته الإرهابية في أوروبا بعد قيامه بتقديم الدعم المالي واللوجستي هناك لفترة دامت سنوات. وقد نشر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" تقريراً ذكر فيه بعض التفاصيل عن كواليس اتخاذ هذا القرار. سير عملية اتخاذ القرار لدى تقديم بريطانيا اقتراحاً رسمياً لفرض الحظر على حزب الله من قبل الدول الأوروبية، اجتمعت لجنة "سي پي 931" للتشاور حول ما إذا كانت تتوافر الشروط اللازمة في الجناح العسكري للحزب لإدراجه على اللائحة، وتوصلت إلى أن تلك الشروط تتوافر فيه بالفعل. وعلى الرغم من أن اللجنة توصلت إلى استنتاج بأن الجناح العسكري ل"حزب الله" قد تورط بالفعل في أعمال إرهابية، إلا أن نتائج "سي پي 931" لا تؤدي تلقائياً إلى فرض حظر إجباري من قبل الاتحاد الأوروبي. وحتى الأيام القليلة الماضية، لم يكن هناك إجماع بين الدول الأعضاء حول ما إذا كان إدراج تلك المنظمة يمثل سياسة جيدة. النقاش يقول تقرير معهد واشنطن إن الدول الأوروبية تجنَّبت على مدار سنوات إجراء أي مناقشات حول إدراج "حزب الله" على لائحة المنظمات الإرهابية. وأثارت بعض هذه الدول حقيقة عدم تنفيذ الجماعة لأي هجمات إرهابية في القارة الأوروبية منذ ثمانينات القرن الماضي، في حين أبرزت دول أخرى أنشطة الرعاية الاجتماعية التي تقوم بها الجماعة ومكانتها باعتبارها الحزب السياسي المهيمن في لبنان. ووفقاً لبعض زعماء الاتحاد الأوروبي، فإن استهداف الأجنحة العسكرية والإرهابية ل"حزب الله" من شأنه أن يزعزع استقرار لبنان حتى لو لم يتم تصنيف الجناح السياسي للجماعة ككيان إرهابي. وانتاب الحكومات الأوروبية القلق أيضاً من تعرض قوات حفظ السلام للخطر- تلك القوات التي كانت قد ساهمت فيها هذه الحكومات في نطاق "قوة الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان" - وأن "حزب الله" قد يقوم بأعمال انتقامية ضد المصالح الأوروبية، فضلاً عن أن حظر الجناح العسكري قد يعيق إلى حد ما التواصل السياسي مع القيادة السياسية الحالية للمنظمة والقدرة على التأثير عليها. كما أثار آخرون حقيقة أنه ليس هناك جناح عسكري منفصل ل"حزب الله"، وتساءلوا كيف ستستطيع أوروبا فرض حظر محدود على جزء واحد من منظمة موحدة (رغم رفضهم تأييد الخطوة المنطقية التالية وهي حظر "حزب الله" برمته). إلا أن قرار الإدراج بمقتضى قواعد "سي پي 931" يخول فقط تجميد الأصول المحظورة للجماعة - بينما لا يمنع الاتصال مع أعضاء الحزب، كما أنه لا يشمل حظراً على السفر. التبعات المحتملة على الرغم من التركيز الواضح على تجميد الممتلكات والأرصدة، إلا أن التأثير الأكثر أهمية للحظر الأوروبي سيكون ملموساً في جوانب أخرى. أولاً، سيمكِّن ذلك الحكومات الأوروبية من بدء عمليات استخباراتية استباقية بخصوص الأعمال التي يمكن ربطها بأية طريقة بالجناح العسكري ل"حزب الله". وبالفعل أجرت ألمانيا وعدد محدود من البلدان الأوروبية الأخرى تحقيقات كهذه، إلا أن قرار الإدراج سيحفز العديد من الدول الأخرى على اتخاذ قرارات مماثلة. ويشكل ذلك وحده تغييراً هائلاً ينبغي أن يجعل أوروبا مكاناً أقل جاذبية بكثير لعناصر "حزب الله". ثانياً، إن الحظر هو وسيلة قوية لإخبار "حزب الله" بأن أعماله الحالية غير مقبولة وأن الاستمرار فيها ستصحبه تكلفة عالية. وسابقاً، كان قد سمح للجماعة بمزج أنشطتها السياسية وتلك المتعلقة بالرفاه الاجتماعي مع أنشطتها الإرهابية والإجرامية، الأمر الذي منحها وسيلة فعالة لجمع وغسل الأموال إلى جانب قدر من الحصانة لأنشطتها المسلَّحة. إن الإدراج الذي صدر في 22 يوليو يجعل من الواضح ل"حزب الله" أن عمليات الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة وعمليات المليشيات سوف تعرض شرعية الجماعة إلى الخطر كلاعب سياسي واجتماعي. أما بالنسبة للناحية المادية، فإن مصادرة مبالغ طائلة من أموال "حزب الله" تعد أمراً بعيد الاحتمال، حيث إن الحسابات الخاصة بالمنظمة من المحتمل أن تكون مسجلة بأسماء أشخاص لا ينتمون إلى الجناح العسكري. ولكن الحظر سوف يعمل على الأرجح على تقييد أعمال جمع الأموال ل"حزب الله". وقد يتم منع بعض أعضاء الجماعة من السفر إلى أوروبا إذا أصبحت الحكومات أكثر جرأة في فتح تحقيقات جديدة، وقد يقلص قادة "حزب الله" بعض الأنشطة التي تقوم بها الجماعة في أوروبا خلال تقييمهم تأثير الحظر الكامل. الخاتمة على مدى السنوات القليلة الماضية، استأنف "حزب الله" أعماله الإرهابية في أوروبا بطريقة لم نرها منذ الثمانينات. فبالإضافة إلى بورغاس وقبرص، قامت الجماعة بتنفيذ عمليات المراقبة والتخطيط والأنشطة ذات الصلة في اليونان وغيرها من البلدان، وشاركت في مجموعة واسعة من الجرائم المنظمة في جميع أنحاء القارة، وزادت مشاركتها العسكرية في الأماكن التي تكون فيها المصالح الأوروبية على المحك، مثل سورية. وهذا التزايد في العمليات الإرهابية يثير قلقاً كبيراً بين الوكالات الأوروبية المعنية بإنفاذ القانون والاستخبارات. وكما أشار منسق وزارة الخارجية الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب في العام الماضي، "سوف يواصل كل من "حزب الله" وإيران الحفاظ على مستوى عال من النشاط الإرهابي في عملياتهما في المستقبل القريب، وتقييمنا هو أن "حزب الله" قد يقوم بعمليات هجومية في أوروبا أو في أي مكان آخر وفي أي وقت مع القليل من الإنذار أو دون سابق إنذار". ولهذه الأسباب، فإن قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج الحزب ضمن المنظمات الإرهابية أمر بالغ الأهمية، سواء من ناحية بعث رسالة إلى "حزب الله" أو منح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأساس القانوني والحافز لبدء أعمال التحقيق.