لا شك أن حفظ حقوق الشركات المبدعة والمخترعة من الأمور التي نعترف بها ونقرها، لكن أن تصبح تلك الحقوق كالسيف المسلط على رقابنا فهذا ما نرفضه بشدة. إن حمى حماية الملكية الفكرية وبراءات الاختراع قد وصلت بنا إلى مرحلة من الهوس إلى أن دخلت بنا في نفق مظلم من المعاهدات السرية! على رأس تلك المعاهدات السرية معاهدة "أكتا" والتي بدأت بمنتهى السرية إلى أن انفضح أمرها وتسربت نصوصها. تحاول "أكتا" - الشبيهة في بداياتها بخلية سرية! - أن تقلب النظام الاقتصادي الدولي وأن تتمرد على منظمة التجارة العالمية، وما هذه التصرفات إلا انعكاسات لما وصل إليه أولئك الموقعون على "أكتا" من تناقض مع أنفسهم. ما يؤكد هذا التناقض هو أنهم وقعوا أصلا على اتفاقية "تريبس" لحماية الملكية الفكرية، وهي إحدى اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فما الداعي إذاً لتوقيع معاهدة أخرى وهي "أكتا" والتي تعالج نفس الغرض؟ إن "أكتا" قد أفرطت بدرجة كبيرة في تناول جوانب الملكية الفكرية وبراءات الاختراع. فلنتطرق مثلا إلى سوق الأدوية، إذ تقوم معاهدة "أكتا" بقلب هذه السوق رأسا على عقب، حيث إنها تؤثر بشكل كبير على الأدوية "البديلة"، وهي الأدوية التي يتم تصنيعها كبديل للأدوية الأصلية غالية الثمن، لأنها تصنع بنفس المواد والعناصر ولا تختلف عن الأصلية سوى في الاسم والعلامة، وتكون أسعارها رخيصة مقارنة بالأدوية الأصلية، إلا أن "أكتا" ترفض وجود هذه الأدوية الرخيصة وتعتبر تداولها انتهاكا لبراءات الاختراع المسجلة بأسماء شركات الأدوية الكبرى. الملفت للنظر أنه رغم الرفض الشديد الذي واجهته هذه المعاهدة من قبل الكثير من دول العالم، إلا أنها ما زالت تحاول أن تفرض نفسها، وما زالت تحظى بالدعم والتأييد من قبل البعض.