بين تحذيرات دولية وأخرى محلية حول الاستهلاك المتزايد للطاقة بالمملكة والذي يقدر بأن يستقطع جميع ماتنتجه المملكة من النفط بعد عقدين من الآن، أكد خبيران اقتصاديان ل"الوطن" على أهمية اتخاذ حلول تبدأ من الترشيد وتطوير أنظمة النقل العام ولا تنتهي عند الشروع في مشاريع الطاقة البديلة وإعادة النظر في مسألة الدعم الحكومي للكهرباء والتحلية والوقود، على الرغم من اختلافهما على دقة بيانات التقارير التي شكلت انطلاق التحذيرات. وتستهلك المملكة حالياً من الطاقة 4 ملايين برميل نفط مكافئ في اليوم تشتمل على حوالي مليون ونصف المليون زيت خام وحوالي مليونين ونصف المليون برميل مكافئ من الغاز، ويبلغ نمو الاستهلاك المحلي بمعدل 8% سنوياً وهو الأعلى في العالم، وإذا استمر هذا الاستهلاك بهذا المنوال وعلى هذه الوتيرة فسيبلغ استهلاك المملكة المحلي كما أشارت إليه بعض التقارير المختصة، جميع ما تنتجه من نفط في خلال عقدين من الزمن، أي عجز المملكة عن التصدير وفي نفس الوقت فقدان ما يقارب 93% من مواردها المالية. أمام ذلك، دعا رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية الدكتور راشد أبانمي، إلى الاعتراف بشكل علني وصريح بعامل الندرة النسبية للنفط والإسهام الفاعل في إيجاد الحلول اللازمة لهذه المعضلة. يأتي ذلك بالعمل بشكل فوري على تطوير أنظمة المواصلات العمومية وتنظيمها لجعلها أقل تكلفة، وزيادة الطرقات المخصصة للنقل العام، ووضع سعر عادل للنفط أي بالسعر العالمي لكل من "الكهرباء" و"التحلية"، والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية أو الرياح. أو حتى الاستثمار في الطاقة النووية في عمليات الإنتاج والتوليد، ومحاولة الاستثمار في البحوث والتطوير في هذا المجال، وربط دعم الغاز الممنوح لصناعة البتروكيماويات المحلية بمدد محددة لرفع الدعم تدريجياً حتى تحقق الشركات ربحيتها على أسس تجارية. تحفظ مسؤول من جهته تحفظ الخبير الاقتصادي فضل البوعينين، على نتائج بعض الدراسات، التي وصف بأنها لا تبنى على بيانات دقيقة، ويمكن أن تتداخل فيها أمور مختلفة غير الأمور البحثية المجردة، مضيفاً: "أشك في ما خلصت إليه بعض الدراسات من أن المملكة ستواجه هذه الظروف مستقبلاً، إلا أن التحوط واجب، خاصة في ما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة والاعتماد على الطاقة البديلة. وقال البوعنين إنه من أجل تحقيق هذا التحوط، يجب في البداية أن يكون هناك ترشيد حقيقي في استخدام الطاقة محلياً، وخاصة أن سكان المملكة يستهلكون الكم الأكبر من النفط في قطاع الكهرباء، إضافة إلى حجم استهلاك المنتجات المكررة، والذي يعتبر مرتفعا مقارنة بالدول الأخرى. أما الدكتور راشد أبانمي فحذر من الخطورة الاقتصادية العظيمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم من جراء استنزاف خطير لأهم مادة أولية استراتيجية وعالمية وقابلة للنفاد، موصياً بالتعامل مع هذا العامل المهم بالصراحة والشفافية اللازمتين، والاعتراف بأن الاستهلاك المتزايد للنفط محلياً هو قضية متشعبة ليس التعامل معها فقط باقتراح حلول آنية، كما يعتقد البعض، بل إنها تكمن أولاً في إيمان صنّاع القرار والمجتمع بوجود قضية مصيرية، وأن مشكلة الاستهلاك المتزايد للنفط محلياً وعالمياً ينم عن احتمالية نضوبه. وقال أبانمي الذي أعد تقريرا سيصدر من مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية في مطلع عام2013 عن الاستهلاك المحلي للطاقة المتزايدة في المملكة وانعكاساته على الصادرات النفطية وبالتالي على موارد البترول الذي تصدره للخارج، إن تقريره حض على أخذ تقارير المؤسسات المتخصصة في هذا الشأن على محمل الجد كتقرير سيتس جروب العالمية الأخير الذي صدر في سبتمبر 2012م. وما سبقه من تقارير، كالتقرير الصادر من دار تشاتمان في ديسمبر من العام 2011م. وكذلك تقرير صندوق النقد الدولي عن المملكة العربية السعودية لعام 2011م الذي يحذر من أن استمرارالاتجاهات الحالية في الاستهلاك المحلي للنفط سيحد من قدرة المملكة على التصدير. أسعار دنيا وقال أبانمي إن تقريره الذي خص "الوطن" ببعض مما جاء فيه، أشار إلى أن المملكة تعتمد على أكثر من 90% في دخلها على موارد البترول الذي تصدره للخارج، حيث تقدر الصادرات النفطية لعام 2012م، ب2.68 مليار برميل، بقيمة تجاوزت 1.15 ترليون ريال، ومتجاوزة بذلك إيرادات عام 2011 بنسبة تقدر ب 5.6%. وقال أبانمي إن أسعار المنتجات النفطية محلياً من بين أدنى الأسعار في العالم، حيث تستهلك المملكة حالياً من الطاقة 4 ملايين برميل نفط مكافئ في اليوم تشتمل على حوالي مليون ونصف المليون زيت خام وحوالي مليونين ونصف المليون برميل مكافئ من الغاز، ويبلغ معدل نمو الاستهلاك المحلي 8% سنوياً وهو الأعلى في العالم، وإذا استمر هذا الاستهلاك بهذا المنوال وعلى هذه الوتيرة فسيبلغ استهلاك المملكة المحلي كما أشارت إليه بعض التقارير المختصة، جميع ما تنتجه من نفط في خلال عقدين من الزمن. وأكد الدكتور راشد أبانمي، على أن كل سلعة مدعومة لا تعين على الإرشاد، بل تعين على التبذير والاستهلاك المفرط. وأنه وبالنظر إلى المملكة ودعمها للمشتقات النفطية، فإن الأمر يزداد تعقيداً، كون أن المملكة تعتمد اعتمادا شبه كلي على إيراداتها من تصدير النفط للخارج، فالبترول هو المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، وفي نفس الوقت فإن تكلفة إنتاج البترول متدنية جدا مما يجعل الحكومة تبيعه محلياً بسعر تكلفة الإنتاج، وهذا يتسبب بخطورة اقتصادية عظيمة تتفاقم يوماً بعد يوم، واستنزاف خطير لأهم مادة أولية استراتيجية وعالمية وقابلة للنفاد. نضوب مخيف وعن أسعار المحروقات المدعومة محلياً، قال أبانمي إنها تشكل معضلة كبرى في السعودية تبدأ من منطلق أن سعر البنزين أرخص من سعر ماء الشرب، وأن الدعم الحكومي للطاقة يتجاوز 130 مليار ريال سنوياً. مضيفاً: "وبحسب التقارير فإن الاستهلاك المحلي للطاقة يرتفع بمعدل 8% وهو الأعلى في العالم، وإذا استمر هذا الاستهلاك بهذا المنوال وعلى هذه الوتيرة فسيبلغ استهلاك المملكة المحلي عام 2030م 8.5 ملايين برميل يومياً. مما يحتم الشروع بالعمل بشكل فوري على تطوير أنظمة المواصلات العمومية وتنظيمها لجعلها أقل تكلفة وزيادة الطرقات المخصصة للنقل العام. والذي سيوفر بدائل ملائمة تجعل الناس أمام خيار التخلي عن سياراتهم الخاصة، التي ستكون أكثر كلفة من تلك البدائل التي تتوافر في أنظمة النقل العام وخدماته. كما أنه يتوجب كذلك وضع رسم تنمية موارد مواصلات على رخص تسيير السيارات وفقا لهيكل متدرج طبقا لموديل السيارة ومعدل استهلاكها للوقود للحد من انتشار السيارات القديمة أو السيارات ذات الاستهلاك العالي للوقود. كما دعا أبانمي إلى تخفيض الرسوم الجمركية أو إلغائها على السيارات (الهجينة/ الهايبرد) التي تعمل على الكهرباء والبنزين. ومنع استخدام السيارات الحكومية ذات الدفع الرباعي وشطب السيارات التي يزيد عمرها على 20 سنة. والسيارات ذات السعة التي يزيد حجمها على 3000 سي سي بهدف توفير كلفة استخدام البنزين، كذلك تنظيم صارم لاستخدام السيارات الحكومية في العمل الرسمي ومراقبة ومتابعة حركة السيارات الحكومية والحد من كروت المحروقات المجانية، الأمر الذي يسهم في ترشيد وضبط الاستهلاك المفرط وغير المسؤول. استهلاك مفرط أما فيما يتعلق بإلغاء الدعم الحكومي قال أبانمي يجب وضع سعر عادل للنفط، أي بالسعر العالمي لكل من "الكهرباء" و"التحلية". وفي حال رغبت الدولة في تقديم أي إعانات لهاتين المؤسستين فهنالك عدة طرق لفعل ذلك. ولكن منح النفط الخام بسعر زهيد، كما يحدث الآن، يشجعهما على عدم البحث عن أفضل الطرق لترشيد استهلاك النفط، فالآلات والمولدات المستخدمة في كل من "التحلية" و"الكهرباء" قد انتهى عمرها الافتراضي مما يعني استهلاكا مفرطا للنفط. ولكن هاتين الهيئتين: "التحلية" و"الكهرباء" لا تفكران في استبدالها أو تحديثها باعتبار أن ذلك يكلفهما أعباء مالية إضافية، لذا فإنهما لا تجدان حرجا في استهلاك النفط طالما أنهما تحصلان عليه بأسعار رمزية، فهذه الآلات والمولدات تستهلك أضعاف ما تستهلكه الآلات الحديثة. وأسعار الطاقة الرخيصة لا يدفعهما إلى اتباع عمليات تحديث وتطوير في مشاريع الإنتاج والتشغيل. وفي حال اضطرت كل من "الكهرباء والتحلية" لشراء النفط بأسعاره عالميا، فإنهما بالتأكيد ستعملان على اتباع عمليات الترشيد في الاستهلاك، بدءاً باستبدال الآلات المستخدمة في عمليات الإنتاج والتشغيل بهدف ترشد استهلاك النفط في عملياتهما والذي سيقلص استهلاكهما من النفط إلى النصف. كما أنهما ستلجآن إلى البحث عن بدائل أخرى أقل سعرا من النفط، كالتوسع في ستخدام الطاقة الشمسية أو الرياح، أو حتى الاستثمار في الطاقة النووية في عمليات الإنتاج والتوليد، ومحاولة الاستثمار في البحوث والتطوير في هذا المجال، مما يفتح آفاقا استثمارية أخرى ويشجع هاتين المؤسستين المهمتين في هذا المجال. ولا يخفى على أحد أنه إذا استمرت الدولة في منح "الكهرباء" و"التحلية" النفط بأسعار زهيدة فإن الدولة ستجد نفسها مساهمة بشكل مباشر في زيادة الاستهلاك المحلي للنفط، وبشكل غير مباشر في الحد من عمليات التطوير والتحديث لإيجاد بدائل لإنتاج الطاقة في هاتين المؤسستين. وبالنسبه لشركات البتروكيماوية، أكد أبانمي على أنه من الأهمية بمكان ربط دعم الغاز الممنوح لصناعة البتروكيماويات المحلية بمدد محددة لرفع الدعم تدريجياً حتى تحقق الشركات ربحيتها على أسس تجارية. واذا كان الدعم وتقديم الغاز بسعر خاص وثابت، ربما يكون مقبولاً في المراحل الأولى لصناعة البتروكيماويات حتى ينهض القطاع الصناعي ويستطيع الاعتماد على نفسه. إلا أن سياسات الدعم يجب أن تكون مرتبطة بمدة محددة كي تتحقق التنافسية العالمية اعتمادا على قدرات القطاع الصناعي الداخلية لا الدعم الحكومي. وزاد أبانمي: "ففي الوقت الذي تدعم فيه صناعة الغاز الطبيعي عدداً من القطاعات الأساسية مثل البتروكيماويات ورفع طاقتها، ترى أن الصناعات المدعومة بسعر الغاز المتدني في المملكة تبيع منتجاتها محليا بالأسعار العالمية، ويبقى المواطن هو المتضرر الوحيد". التوعية ضرورية وأوضح أبانمي أن الترشيد في الاستهلاك والعمل الجاد على توعية المجتمع بعامل الندرة النسبية للنفط مهم جداً. فالاستهلاك المتزايد لهذا المورد سيفضي بنا بعد ثلاثين عاما إلى عدم قدرتنا علي التصدير وبالتالي عدم القدرة علي الاستيراد لضعف المقدرة المالية. وبما أننا نعتمد على 90% من مواردنا المالية على تصدير النفط فمعنى ذلك الانهيار الكامل. وأوصى أبانمي بتشجيع استخدام وسائل الطاقة المتجددة ودعم معدات ووسائل الطاقة المتجددة والعمل على تنفيذ المشاريع الحكوميه، لمعرفة جدوى المكيفات والمصابيح الموفرة للطاقة وتبديل المكيفات والمصابيح في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية بمكيفات وبمصابيح موفرة للطاقة بهدف ترشيد الطاقة، والإطفاء المبرمج لإنارة الشوارع الخارجية بعد منتصف الليل وتخفيضها إلى نسبة 50 بالمائة، كما يجب أن نحذو حذو الدول المتقدمة ودراسة شراء المصابيح الموفرة للطاقة وبيعها للمواطنين ضمن أسعار رمزية، وما شابه ذلك. وبالعودة إلى فضل البوعينين، فقد شدد على إيجاد طاقة بديلة يمكن أن توفر حجما أكبر من الطاقة في الوقت الذي لا تستهلك فيه إلا ندرة بسيطة من المحروقات، مبيناً أن الطاقة البديلة تعد طاقة نظيفة ومتوفرة في المملكة وخاصة الطاقة الشمسية، مضيفاً: "لدينا ثروة حقيقية في هذا الجانب، فإذا تم الاعتماد عليها فأعتقد أننا سنخفف كثيراً من استخدام النفط. ويجب أن تغطى المملكة بشبكة متكاملة بالنقل العام ومنها القطارات والحافلات، مشيراً إلى أنه إذا تم الاعتماد عليها ستخفف كثيراً من استخدام المحروقات وبالتالي سنخفف كثيراً من استهلاك النفط المكرر". وقال البوعينين إن شركة الكهرباء على سبيل المثال تواجه مشكلات كبيرة، وجزء مهم مما تتكبده هذه الشركة من خسائر سببه التمديدات للقرى والمدن النائية. وتحملها أيضا إيصال الكهرباء في القرى، وهي لا تتعدى قرابة عشرة منازل لأجل الرغبة في إيصال الكهرباء لكل شبر، مشيراً إلى أن المملكة يمكن لها الاستعانة بالطاقة الشمسية في مثل هذه القرى والمدن.