حذر مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية من الانعكاسات السلبية للاستهلاك المحلي المتزايدة للطاقة في المملكة على الصادرات النفطية في المستقبل. وأوضح تقرير سيصدر عن المركز مطلع 2013، وحصلت «الشرق» على نسخة منه، أن المملكة تعتمد على أكثر من 90 % في دخلها على موارد البترول، وتقدر الصادرات النفطية لعام 2012 ب 2.68 مليار برميل بقيمة تجاوزت التريليون ريال، متجاوزة إيرادات 2011 بنسبة 5.6 %. وأشار إلى أن أسعار المنتجات النفطية محليا تعد من بين أدنى الأسعار في العالم، وأن المملكة تستهلك أربعة ملايين برميل نفط مكافئ في اليوم، تشتمل على 1,5 مليون برميل زيت خام، و2.5 مليون برميل مكافئ من الغاز. وأوضح التقرير أن حجم النمو في الاستهلاك المحلي يبلغ 8% سنويا وهو الأعلى في العالم، وإذا استمر هذا الاستهلاك على هذه الوتيرة فسوف تستهلك المملكة جميع ما تنتجه من نفط خلال عقدين من الزمن، مايعني توقف التصدير وفقدان ما يقارب من 93% من مواردها المالية، وبالتالي عدم القدرة على الاستيراد لضعف المقدرة المالية، وأوصى التقرير بالتعامل بالصراحة والشفافية، والاعتراف بشكل علني بعامل الندرة النسبية للنفط، والمساهمة الفاعلة في إيجاد الحلول اللازمة لهذه المعضلة التي ستواجه المملكة إذا تركت الأمور من دون معالجة، والاعتراف بأن الاستهلاك المتزايد للنفط محليا هو قضية متشعبة ليس التعامل معها فقط باقتراح حلول آنية كما يعتقد البعض، بل إنها تكمن أولا في إيمان صنّاع القرار والمجتمع بوجود قضيه مصيرية، وأن مشكلة الاستهلاك المتزايد للنفط محليا وعالميا تنم عن احتمالية نضوبه. مخاطر اقتصادية د. راشد أبانمي وأكد ل»الشرق» رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية الدكتور راشد أبانمي، أن كل سلعة مدعومة تعين على التبذير والاستهلاك المفرط، والأمر يزداد تعقيدا في المملكة كونها تعتمد اعتمادا شبه كليّ في إيراداتها على تصدير النفط بنسبة 93% في موازنة 2012 ، مشيرا إلى أن تكلفة إنتاج البترول متدنية ما يجعل الحكومة تبيعه محليا بسعر تكلفة الإنتاج ما يتسبب في مخاطر اقتصادية. وأوضح أن العالم الآن يواجه محدودية في إنتاج النفط الخام، ويأتي في مقدمتها تقلص الاحتياطيات النفطية، ووصول الحقول في بعض الدول المنتجة إلى ذروة إنتاجها النفطي، بالتزامن مع التراجع المستمر والانخفاضات المتوالية في إنتاج الدول من خارج أوبك ومحدودية القدرة على الإنتاج، وبالتالي توقعات مستقبلية بنقص العرض في مواجهة وتيرة الطلب المتنامي. وقال إن مخزون النفط أو الاحتياطي يتكون عبر آلاف السنين في مكامن أو فقاعات كبيرة في باطن الأرض وهو محدود وغير قابل للزيادة، وينضب حال استخلاصه من مكمنه، لذا يتأثر بالعوامل الفنية ووسائل الإنتاج المستخدمة في استخراجه، وعليه فإن نضوب هذا المورد الطبيعي يتمثل في نفاد الاحتياطي، كما هو الحال في البحرين ودبي اللتين كانتا من منتجي ومصدري النفط في الماضي، وتقلص إنتاجهما إلى حدوده الدنيا، موضحا أن النضوب لا يعني فقط استنفاد الاحتياطي، بل يشمل ارتفاع تكاليف الاستخراج عن قيمته، ففي سلطنة عمان مثلاً فإن الماء المستعمل في حقن الآبار البترولية للمساعدة على استخراج النفط من الآبار قد بلغ امتزاجه مع النفط الآن داخل أكبر حقل في سلطنة عمان نحو 90% ما يجعل الإنتاج منخفضاً وتكلفته عالية. الإنتاج النفطي وأشار إلى أن بعض الدراسات ترى أن الإنتاج النفطي في السعودية بلغ الذروة، أي أنه سيبدأ في الانخفاض مستقبلاً، وعلى الرغم من أن البعض يشكك في صحة نظرية الذروة إلا أنها حقيقة، ويجب الاعتراف بها وعدم تجاهلها، مبينا أن القطاع النفطي تنقصه الشفافية ويتميز بسرية تامة ، فالبيانات التي تخص القطاع إذا وجدت فإنها ناقصة ومتناقضة، وعلى سبيل المثال التقديرات لاحتياطي المملكة لم تتراجع، ولم تتغير منذ ربع قرن على الرغم من المتغيرات المتعلقة باستكشاف واستخراج النفط والقدرات الفنية في تقدير حجم المتاح والقابل للاستخراج. وأضاف أبانمي «علة الرغم من إنتاح أكثر من ستين بليون برميل خلال ربع قرن، فإن الاحتياطي المعلن منذ 1977م كان نحو مائة بليون برميل، إلا أنه وبعد وقت قصير من سيطرة أرامكو السعودية، أعلنت بشكل فجائي أن الاحتياطي بلغ 150 بليون برميل، وفي 1982م تغير الرقم إلى 160 بليون برميل، ثم رفعت الشركة تقديرات الاحتياطي مائة بليون أخرى في 1988م. أي أنه في خلال ست سنوات رفعت أرامكو الاحتياطي أكثر من 150 %، دون أدلة فنية مقنعة، ولم يؤخذ في الحسبان تناقص ذلك الاحتياطي أياً كان (مائة بليون برميل حسب تقديرات 1977م، أو250 بليون برميل حسب تقديرات أرامكو في 1988م) ، إذ إنه وحسب الأرقام المعلنة فإن متوسط الإنتاج منذ 1988م حتى هذا العام الحالي بلغ 75 بليون برميل (وهوحاصل ضرب 25 عاما في ثلاثة بلايين برميل سنويا) وبمعنى آخر أنه حسب تقديرات أرامكو السابقة فإن الاحتياطي هو ستون بليون برميل، أما إذا كان حسب تقديرات أرامكو السعودية فإن الاحتياطي هو 210 بلايين برميل، ومنذ عام 1988م، وأرامكو السعودية لم تُعِد تقديراتها الاحتياطية، والتوقعات المتعلقة تشير إلى عدم وجود اكتشافات كبيرة من حقول النفط في المملكة، على الرغم من البحث في كل الأماكن والمواقع المحتملة، إضافة إلى أن الآبار القديمة والعملاقة بدأت مكامنها البترولية تضعف في ظل الإنتاج بالحدود القصوى. كما أن بعض المتمسكين بفرضية «الذروة النفطية «يحذرون من أن إنتاج المملكة للنفط بلغ ذروته عام 2005م، وأنه سيتراجع إلى النصف بحلول 2030. أسعار المحروقات وأضاف أن هناك معضلة كبرى في السعودية، وهي دعم أسعار المحروقات من منطلق أن سعر البنزين أرخص من سعر ماء الشرب، وأن الدعم الحكومي للطاقة يتجاوز 130 مليار ريال سنويا، مطالبا العمل بشكل فوري لتطوير أنظمة المواصلات العمومية وتنظيمها لجعلها أقل تكلفة، وضع رسوم تنمية موارد مواصلات على رخص تسيير السيارات، وفقا لهيكل متدرج طبقا لموديل السيارة، ومعدل استهلاكها للوقود؛ للحد من انتشار السيارات القديمة، أو ذات الاستهلاك العالي، وتخفيض الرسوم الجمركية أو إلغاؤها على السيارات (الهجينة/ الهايبرد) التي تعمل على الكهرباء والبنزين، ومنع استخدام السيارات الحكومية ذات الدفع الرباعي، وشطب السيارات التي يزيد عمرها على عشرين عاما، والسيارات ذات السعة التي يزيد حجمها على 3000 سي سي بهدف توفير كلفة استخدام البنزين. وأشار أبانمي إلى أن تقرير صندوق النقد الدولي عن المملكة في 2011 أوصى برفع الأسعار إلى متوسط مستويات الأسعار في بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط الذي سيساعد على احتواء نمو الاستهلاك المحلي. وطالب برفع الدعم عن اللقيم «الغاز» للشركات البتروكيماوية التي تستهلك كل ماتنتجه المملكة من الغاز والبالغ 2,5 مليون برميل مكافئ من البترول يوميا. وقال إن تزايد استهلاك شركة الكهرباء ومؤسسة التحلية والشركات البتروكيماوية يعود إلى السعر الزهيد لبرميل النفط وأسعار الغاز اللقيم المتدنية، الذي تمنحه الحكومه للكهرباء والتحلية بمبلغ خمسة دولارات للبرميل، والغاز بسعر سبعين سنتا لكل ألف قدم مكعب، ما يعني أن الحكومة تفقد سنويا ثمانين بليون دولار بسبب استعمال النفط لتوليد الطاقة، أما الغاز الذي تبيعه الحكومة لمصانع البتروكيماويات بسبعين سنتا لكل ألف قدم مكعب منذ مايزيد عن ثلاثين عاما، فإن سعره العالمي ثلاثة دولارات وسبعين سنتاً. سعر عادل للنفط وشدد على ضرورة وضع سعر عادل للنفط، وفي حال رغبت الدولة في تقديم أية إعانات للكهرباء والتحلية فهنالك عدة طرق، إذ إن منح النفط الخام بسعر زهيد، كما يحدث الآن يشجعهما على عدم البحث عن أفضل الطرق لترشيد الاستهلاك، لافتا إلى أن الآلات والمولدات المستخدمة في المؤسستين انتهى عمرها الافتراضي، ما يعني استهلاكا مفرطا، وبالنسبة لشركات البتروكيماوية يجب ربط دعم الغاز الممنوح لصناعة البتروكيماويات المحلية بمدد محددة لرفع الدعم تدريجياً حتى تحقق الشركات ربحيتها على أسس تجارية، وإذا كان الدعم وتقديم الغاز بسعر خاص وثابت، ربما يكون مقبولاً في المراحل الأولى لصناعة البتروكيماويات حتى ينهض القطاع الصناعي، ويستطيع الاعتماد على نفسه، إلا أن سياسات الدعم يجب أن تكون مرتبطة بمدة محددة كي تتحقق التنافسية العالمية اعتمادا على قدرات القطاع الصناعي الداخلية لا الدعم الحكومي، ففي الوقت الذي تدعم فيه صناعة الغاز الطبيعي عدداً من القطاعات الأساسية مثل البتروكيماويات ورفع طاقتها، فإن الصناعات المدعومة بسعر الغاز المتدني تبيع منتجاتها محليا بالأسعار العالمية، ويبقى المواطن هو المتضرر الوحيد. وعد أبانمي أنه ليس من العدل أن تكون شركة محلية تأخذ اللقيم بالسعر المدعوم، وتبيع إنتاجها داخليا بالسعر العالمي. وقال إن معدل استهلاك الفرد في السعودية من النفط بلغ أرقاما خطيرة، إذ يزيد على المعدل السائد في معظم الدول الصناعية بما فيها الولاياتالمتحدة، وضعف متوسط الاستهلاك العالمي، مشيرا إلى أنه خلال الأعوام العشرة الماضية بلغ معدل الزيادة السنوية لاستهلاك النفط محليا 6% وهو ما يمثل ضعف النمو السنوي لعدد السكان. كردي : 65% من الطاقة الكهربائية ناتجة عن استهلاك المخزون النفطي د. عمرو كردي قال ل»الشرق» خبير المحاسبة النفطية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عمرو كردي، إن الزيادة المضطردة في الاستهلاك المحلي للطاقة وخاصة النفط ستكون لها تداعيات سلبية في المستقبل، موضحا أن الزيادة في نسبة الاستهلاك المحلي سوف تؤثر سلباً على المدخولات المالية للدولة من تصدير النفط، وهو مايؤثر سلباً على المتوفر من الميزانية في أوجه الصرف المتعددة. وأضاف أن كمية الاستهلاك المحلي من النفط في حال استمرت في وتيرة متصاعدة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في إمكانية الصرف على مثل هذه البنود في المستقبل البعيد. وأفاد كردي أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن 65% من الطاقة الكهربائية المنتجة في المملكة نابعة من استهلاك المخزون النفطي، عاداً أن زيادة الاستهلاك النفطي من شأنه أن يضع ضغوطات مستمرة على زيادة أسعار النفط للدول المستهلكة، وهو ماقد يدفع تلك الدول إلى البحث عن بدائل لتلبية احتياجاتها من الطاقة بما فيها الطاقة النفطية غير التقليدية مثل الزيت الصخري والزيت الرملي، التي تشير الدراسات العلمية إلى توافرهما بكميات كبيرة في كثير من الدول، وخصوصاً كنداوالولاياتالمتحدة، إلا أن استخراج هذه الأنواع من الطاقة النفطية مكلف وغير مجدي اقتصاديا تحت مستويات أسعار البترول الحالية، بيد أنه في حال ارتفاع أسعار النفط على المدى البعيد بسبب ضعف الإنتاج أو أي سبب آخر، فإن العائق الاقتصادي سوف يتلاشى ويصبح هذا البديل متاحاً. وأشار كردي إلى أن تزايد الاستهلاك النفطي داخل المملكة من شأنه الإضرار بالبيئة على المدى البعيد، إذا لم يوضع في الاعتبار أنه لابد للمملكة أن يكون لها دور ريادي في الاستحداث والاستثمار في الطاقة البديلة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية، والرياح. وأوضح أن المملكة تعكف بجدية لاستحداث خطة استراتيجية للطاقة واستهلاكها. وهو ما يتضح جلياً في تأسيس مدينة الملك عبدالعزيز للطاقة الذرية والمتجددة في 2010، بهدف زيادة الطاقة المتوفرة لتلبية احتياجات المملكة من الطاقة الكهربائية والمائية ثلاثة أضعاف خلال العشرين عاماً المقبلة. اقرأ أيضاً: * العساف: نمو الاقتصاد السعودي من أعلى المعدلات في العالم.. ومازال النفط السند الرئيس النفط….أرقام وحقائق