بمقدار ما تحاول شركة «أرامكو السعودية» ان تلبي الطلب المحلي من المنتجات والمشتقات النفطية لمواكبة النمو المتزايد على النفط والغاز وبمعدل سنوي يبلغ نحو ثمانية في المئة سنوياً، تجد صعوبة في تلبية الاحتياجات المحلية الملحة كلها، ما يجبرها على الاعتماد على الاستيراد الخارجي لوقود السيارات وبعض المشتقات المخصصة لإنتاج الكهرباء. ومن دون تدخل حكومي مباشر تجد تحدياً في تلبية النمو المحلي المتزايد على النفط. تعتبَر أسعار المنتجات النفطية والغاز الطبيعي للمستهلك النهائي في السعودية من بين الأرخص في العالم، كما تعتبَر أسعار بنزين السيارات بنوعيه الممتاز والعادي والغاز المسال والكيروسين ووقود الطائرات والديزل الأرخص بين الدول العربية، وفق التقرير الإحصائي ل «منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول» (أوابك) لعام 2010. ويبلغ إجمالي استهلاك السعودية من النفط المكافئ، أي النفط الخام والمشتقات النفطية والغاز الطبيعي ومختلف المصادر المتجددة للطاقة، مثل الشمس والرياح نحو 3.6 مليون برميل يومياً أي ما يعادل 29 في المئة من إنتاج النفط الإجمالي الحالي. ويتوقَّع ان يبلغ معدل الاستهلاك اليومي بحلول 2025 نحو ثمانية ملايين برميل من النفط المكافئ. ويرجَّح ان تزيد نسبة النفط والمشتقات النفطية المطلوبة للاستهلاك المحلي إلى أكثر من 35 في المئة من إجمالي الإنتاج، وهذا ما يجب التنبه إليه لجهة عبئه المالي بالنسبة إلى الموازنة العامة للدولة، نتيجة دعم أسعار الوقود والكهرباء والماء لتتوافر بأسعار زهيدة مقارنة بالأسعار العالمية. ويذكر أن الحال في غالبية الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط هي ذاتها، فالمنتجات النفطية تباع محلياً بأسعار زهيدة ومعدلات نمو الاستهلاك مقاربة لما هي عليه في السعودية، عند متوسط يبلغ ما بين ستة وثمانية في المئة سنوياً. تحاول «أرامكو السعودية» إيجاد بدائل عن النفط الخام لتزويد المملكة بالطاقة، وذلك عبر البحث والاستثمار في الحقول التقليدية للغاز الذي يمثل نحو 30 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة. والمؤشرات الحالية غير ايجابية على صعيد التنقيب عن الغاز خارج الطرق التقليدية، فالغاز الصخري، مثلاً، إنتاجه عالي الصعوبة والكلفة مقارنة بالغاز الطبيعي التقليدي. ل «أرامكو السعودية» طموحات كبيرة، من أهمها ان تتبوأ دائماً المراكز المتقدمة عالمياً في صناعة النفط، إن لم نقل المركز الرائد عالمياً كشركة متكاملة في مجال الطاقة. وهي الآن على مشارف تحقيق ذلك من خلال مشاركتها الأخيرة مع شركة «داو» بمبلغ 20 بليون دولار لإنشاء شركة «الصدارة» للبتروكيماويات. وتواصل في الوقت ذاته مشوارها في العالم لتكون أكبر شركة منتجة ومصدرة للنفط، وليكون من أهم مسؤولياتها الحفاظ على استقرار أسعار النفط من خلال مواصلة زيادة إنتاجها من الخام وتأمين وجود طاقة إنتاجية فائضة في حدود ثلاثة ملايين برميل يومياً تتوافر على الدوام لمواجهة أي نقص في الإمدادات النفطية العالمية في الأجل القريب ولمنع التقلبات الحادة في أسعار النفط. وستواصل «أرامكو السعودية» زيادة طاقتها التكريرية لمواجهة الطلب المحلي المتزايد على المشتقات النفطية، وكذلك الطلب العالمي، فتكون لديها طاقة تكريرية تصل إلى ستة ملايين برميل يومياً، أو ما يعادل 50 في المئة من إجمالي طاقتها الإنتاجية من الخام أي 12 مليون برميل يومياً. وستكون هذه الاستثمارات الجديدة في قطاع التكرير عبر شراكات خارجية، خصوصاً مع شركتي «توتال» الفرنسية و «سينوبك» الصينية في الجبيل وينبع. ويرجّح ان تستثمر «أرامكو السعودية» أكثر من 130 بليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة للوصول إلى هذه المراكز المتقدمة في مجال الطاقة لتحقق طموحاتها في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات. لكن التحدي الحقيقي هو تقليل الاستهلاك المحلي من البنزين والكهرباء وخفض النسبة المتزايدة للنمو السنوي لهذا الاستهلاك والتي قد تفوق ثمانية في المئة في السنوات المقبلة في ظل الزيادة السكانية في السعودية. ويتطلب ذلك مخاطبة الجمهور والمستهلك النهائي، فمن الصعب على الحكومة فرض رسوم أو زيادة أسعار المحروقات. ويمكن ل «أرامكو السعودية» ان تعمل بطريقة مختلفة من خلال الاتصال المباشر بالمستهلك النهائي وتهيئة المواطن وتثقيفه لتحسين استهلاك الطاقة، عن طريق القنوات الإعلامية العربية المفتوحة، تعزيزاً للمردود المالي للاقتصاد السعودي في الأجل البعيد. وطالما ان «أرامكو السعودية» تريد ان تكون رائدة في قطاع النفط عالمياً، فلم لا تكون أيضاً رائدة في تثقيف المواطن السعودي واستطراداً العربي حول كيفية الاستخدام الأفضل للنفط، هذه المادة الناضبة ومصدر الرزق اليومي لعالمنا، ولديها من الإمكانيات ما يؤهلها لأن تكون كذلك؟ * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت