تعمل فاطمة هوساوي استشارية تربوية في مركز خاص للاستشارات، وتركز جهدها هذه الأيام على العمل التطوعي للشباب، حيث وضعت دراسة عن جدوى العمل التطوعي ومردوده النفسي والمعنوي على الطلاب والطالبات، لكن الدراسة بقيت نظرية حتى علمت بوجود فريق تطوعي في جامعة الملك عبد العزيز فدفعت ابنها زياد فلاتة البالغ من العمر 17 عاما وقريبه ريان هوساوي في ال 18 من عمره إلى الانضمام للفريق. وعن نتيجة التجربة قالت هوساوي إنها مثمرة جدا على الصعيد النفسي والمعنوي والسلوكي، وهو ما يؤكد ضرورة وجود إدارات في مديريات التربية والتعليم مهمتها وضع خطط وبرامج للعمل التطوعي، واعتباره جزءا من النشاط الطلابي اللاصفي، ووضع درجات على هذا النشاط، وهو ما يساعد على صقل تجربة الطلاب، وتغيير مفهومهم عن العمل، وإشراكهم في بناء المجتمع، مما سيكون له أثر كبير على حياتهم. تجربة تجلب السعادة "لقد كنت سعيدا" بهذه العبارة يصف زياد فلاتة تجربته الأولى في العمل التطوعي، "مع أننا كنا في رمضان إلا أننا عملنا حتى اليوم الأخير في الجامعة، فقد كنا نصل إلى مكتبة الملك فهد في العاشرة صباحا، وكان عملنا يقتضي تحميل وتفريخ صناديق الكتب، وتوزيع الكتب على الأرفف، ثم نغادر المكان قبل الإفطار، لقد تعرفت على أصدقاء جدد، وفهمت لماذا يجب علينا أن نعمل بشكل جماعي لإنجاز أشياء تهم المجتمع، وهذا كان مبعث سعادتي". أما قريبه ريان هوساوي فيروي القصة من جانب آخر، ويقول: "لم يكن لدي ما أعمله في رمضان غير مشاهدة التلفزيون والألعاب الإلكترونية، وكان الوقت يمر ثقيلا بانتظار وقت الإفطار، وقد عرضت علي فكرة التطوع، في البداية كنت مترددا، ثم اقتنعت بأنه إذا لم يناسبني العمل فسأتركه، وهكذا انضممت إلى فريق من المتطوعين مهمتهم المساعدة على إنجاز ترتيبات مكتبة الملك فهد، أستطيع القول بأنها تجربة مثيرة، ومميزة، وخرجت منها بفوائد جمة، وسأعيد هذه التجربة حين يتوفر لي الوقت". من الفرد إلى الجماعة ما يزال العديد من الشبان والشابات يتهيبون فكرة العمل في مشاريع عامة كمتطوعين، لكن إبراهيم قصاص الطالب في السنة الرابعة بكلية الطب وجدها فكرة رائعة أن يتطوع بعد أن رأى حاجة مكتبة الملك فهد المقامة في حرم جامعة الملك عبد العزيز بحاجة إلى متطوعين، وقال إبراهيم قصاص "دخلت مكتبة الملك فهد للاطلاع على ما تم إنجازه مع صديقي حسان جمال، ووجدنا مدير مشروع تشغيل المكتبة الدكتور أسامة أبو النجا حائرا أمام مئات الصناديق المبعثرة تحت سقف المكتبة، وعرضنا عليه المساعدة فقبلها شاكرا". "وجدنا العديد من الطلبة والطالبات لديهم الرغبة في العمل التطوعي، والفضل كله يعود لهم في تشكيل فريق تطوعي للمساهمة في خدمة المكتبة وتشغيلها، وقد وصل عدد المتطوعين إلى 150 متطوعا نصفهم من الطالبات، وأطلقنا على هذا الفريق اسم "وزدني علما" وهو فريق تطوعي مهتم في نشر الثقافة والمعرفة والتشجيع على القراءة". عمل ممتع أما عن العمل فيروي قصاص أنه كان أشبه ما يكون بأعمال شاقة ولكنه ممتع، "حيث كنا نحمل كراتين الكتب من مكان إلى آخر ثم نقوم بفتحها وفرز الكتب حسب العنوان والموضوع، وقد عملنا ونحن صائمون ومع ذلك لم نشعر بالإرهاق أو التعب، فقد كانت هذه الخدمة التي نقدمها للمجتمع جالبة للسعادة وأثرت فينا جميعا فصرنا أكثر ترابطا وأكثر تفهما". ويضيف "لا يوجد شخص بعينه أعطى أكثر من الآخرين، لقد عملنا جميعا بنفس الحماس، وليس لي أي فضل بذلك، شعارنا هو "إيمانا منا ويقيناً بأهمية القراءة في صناعة الإنسان والحضارة"، وتطلعنا بأن تكون أمتنا رائدة العلم والثقافة، نشأت فكرة فريقنا للمشاركة في خدمة مكتبة الملك فهد العامة بجدة، وكذلك القيام ببرامج وفعاليات متنوعة لجعل القراءة جزءا من حياة الفرد والمجتمع". طالبة كلية الطب دانية عبده التي تقود الفريق، أثارت فيها التجربة حماسا لم تعرفه من قبل، وقالت "كان شيئا جديا، ويمكنني أن أصف التجربة بأنها رائعة، أن تساعد في افتتاح مكتبة هو عمل ثمين لا يتوفر للكثيرين، لذلك انخرطت في العمل عن قناعة وحب، وفي ظني أننا سنتوسع في التجربة ولكن في مجال الكتاب والقراءة والتثقيف، وسنعمل بكل ما يخدم رؤية الفريق". أنموذج مشرف وحين نتحدث مع الدكتور أسامة أبو النجا المشرف على تشغيل المكتبة، نجده سعيدا بتجربة هؤلاء الشبان والشابات، وبصراحة يقول الدكتور أبو النجا، "لقد وفروا علينا عشرات الآلاف من الريالات، وهذا وحده أمر يسعدني كثيراً، لأننا بحاجة ماسة إلى المال، لكن ما بعث السعادة في نفسي وغمرني بالحب والفرح هو أن أرى مجموعة من شباب وشابات الوطن يبادرون إلى التطوع من أجل خدمة وطنهم ومجتمعهم، لنكن صريحين هذا لا يتوفر كثيرا في مجتمعنا، لذلك يجب اتخاذ مثل هؤلاء أنموذجا نعممه على مجتمعنا، نحن بحاجة ماسة إلى مثل هؤلاء، ليتعلم منهم شبابنا كيف يعبرون عن حبهم لوطنهم.