«دق دق مين عالباب؟ أنا الكتاب» أغنية تدعو أطفال مخيم غزة في الأردن الى المطالعة وقراءة الكتب. ألفها ولحنها وسيغنيها متطوعون في حفل افتتاح مكتبة أُقيمت في أحياء المخيم، وكانت نتيجة لمبادرة تشكلت معالمها الأولية على شبكة الانترنت. فعلى صفحة «فايسبوك» الخاصة بالناشطة بشؤون الإنترنت المهندسة هناء الرملي تشكلت ملامح مبادرة «كتابي كتابك» عندما كانت مجرد فكرة طُرحت على أصدقائها «الفايسبوكيين». لقيت الفكرة ترحيباً منهم ومشاركات تدفع باتجاه تحقيقها، إلى أن أعلنت هناء عن أول اجتماع ينقل الحوار الألكتروني الى أرض الواقع. المبادرة قامت بهمة شباب متطوعين وصلتهم رسائل هناء عبر صفحتها الإلكترونية ودعتهم خلالها إلى مشاركتها مشروع إنشاء مكتبة عامة في كل مخيم فلسطيني وحي فقير. أول تلك المخيمات كان مخيم غزة في الأردن. يقول سيف مساعده (23 سنة) وهو أحد المتطوعين المشاركين في المبادرة: «الفضول دفعني لحضور أول اجتماع وهناك كانت المفاجأة. وجدت حشداً من المتبرعين غالبيتهم مثلي من خريجي الجامعات، وآخرون لا يزالون على مقاعد الدراسة. جميعهم أحب المبادرة وخصص أوقات فراغه للمشاركة في تحقيقها». ويضيف: «كنا نجتمع في محترف الرمال الذي صار بمثابة مطبخ للقرارات، وهناك شُكِلت لجان العمل، ومنها لجنة جمع الكتب. كل منا عمل على جمع الكتب والمجلات الثقافية من المعارف والأصدقاء وما توافر منها في المنزل» . سيف الذي يعمل مهندس كومبيوتر في إحدى الشركات الخاصة يجد أن «تعميم الثقافة والمعرفة من خلال المكتبة من أساسيات بناء الشخصية لدى أطفال المخيم»، ويعارض بشدة ما تبناه البعض في أولى الاجتماعات من «أن لا جدوى من المكتبة في أحياء لا يجد سكانها قوتهم اليومي». الحصول على وجبة دسمة من المعرفة كان كحلم يتحقق للطفل مهند الدهيني (12 سنة) من المخيم، وخلاصاً له ولأقرانه من تمضية ساعات طويلة في الأزقة من دون جدوى. ويقول مهند: «لا توجد متنزهات وملاعب عندنا». اليوم يجد مهند نفسه محظوظاً مع قرب افتتاح مكتبة الأطفال داخل المخيم فلم يعد مضطراً لادخار جزء من مصروفه لشراء الكتب. ويقول: «صار عندنا مكتبة فيها العديد من الكتب ومكان يجمعني مع رفاقي لنمضي وقتاً مفيداً». الحلم بالنسبة الى هناء تحقق ولكن طموحها لن يتوقف داخل حدود الأردن، فالمبادرة لاقت قبول أصدقائها «الفايسبوكيين» من مختلف الدول العربية والعمل جار على تعميم المبادرة في مخيمات بلدان أخرى. والفكرة تبلورت في ذهن هناء بعد أن كبر أولادها ووجدت أن مكتبة المنزل التي تضم حوالى 700 كتاب من قصص وكتب تعليمية يمكن الاستفادة منها عبر تعميم الفائدة على أكبر عدد ممكن من الأطفال من خلال إنشاء تلك المكتبات. وتقول هناء عن المبادرة «نشرت الدعوات عبر موقعي على «الفايسبوك» في منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي، ووصلت إلى ما يزيد على عشر آلاف صديق ولقيت ترحيباً من الكثيرين الذين بادروا الى عرض مساعداتهم ومساهماتهم، سواء كانوا مقيمين في المملكة أم خارجها ومن كل الجنسيات العربية في الوطن العربي وبلاد الاغتراب». وتعتقد هناء أن «المبادرة تهدف الى التشجيع على ثقافة التطوع والتبرع بالكتب المقروءة، خصوصاً كتب الأطفال، التي قد لا تكون موجودة في كل بيت، وأن نجاح المشروع اعتمد على تبرع المهتمين بالكتب المتوافرة لديهم ومساهمات دور النشر والمكتبات». الكتب احتلت مكانها على رفوف المكتبة في المخيم وعددها 3 آلاف كتاب من أصل 5 آلاف جرى جمعها، وكلها مخصصة للقراء الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و18 سنة، وهي متنوعة بين قصص وروايات وكتب علمية وتاريخية وموسوعات وغيرها. هناء الناشطة في مجال ثقافة الإنترنت المجتمعية وتكنولوجيا المعلومات وتعمل كاتبة ومخرجة أفلام وثائقية استثمرت الفسحة الإلكترونية في شكل يخدم طموحها ويجند جهود الشباب لما فيه خدمة مجتمعاتهم. وتصف هناء تجربتها الإلكترونية قائلةً: «دهشت بإقبال عدد كبير من مشتركي الفايسبوك على الانضمام للمبادرة، وهو ما تحدثت عنه في أولى اجتماعاتنا ثم باشرنا بالخطوات الجادة لتحقيق أهدافنا، ووزعنا المهمات». وتضيف: «كان أصدقاء آخرون في الدول العربية يتواصلون عبر الشبكة سعياً لإيجاد دور لهم، فمن دول الخليج ومصر وتونس والمغرب خرج متطوعون حملوا المبادرة، وشاركوا في إنجاحها عبر جمع الكتب وشحنها الى الأردن». وانتشرت العدوى بين شبان وشابات في فلسطين وسورية ولبنان، تواصلوا مع هناء سعياً لتطبيق المبادرة وآلية عملها في المخيمات الفلسطينية في بلدانهم، وفعلاً تم تشكيل فروع للمبادرة في تلك الدول ولجان دعم في دول الخليج كقطر والإمارات والسعودية. وحالياً يعمل فريق في رام الله على إقامة مكتبة في مخيم دير عمار، وفي لبنان اختار فريق المبادرة مقراً في مخيم برج البراجنة وتم الاتفاق مع دور النشر على التبرع بالكتب في شكل دوري من أجل تغطية حاجات المكتبات إضافة لجمع الكتب من الأفراد. وتتابع هناء يومياً تفاصيل عمل اللجان في الدول العربية عبر موقعها وتتواصل مع العاملين فيه عبر الانترنت ولا تبخل عليهم بأي استشارة. وتعتبر هناء المبادرة من الإنجازات المهمة في حياتها، وتقول: «المبادرة أصبحت عالمي وبيتي وأسرتي، والمتطوعون هم من أفراد هذه الأسرة الكبيرة ويشاركونني جميعهم الشعور ذاته». وتوضح: «لا نقبل تبرعات نقدية على الإطلاق، فالمبادرة قائمة على العمل التطوعي الفردي، نقبل الكتب، أثاث المكتب وأجهزة كومبيوتر، وغيرها». ولضمان نجاح المبادرة شكل فريق عمل ضمن لجان في كل دولة، لجنة جمع الكتب، ولجنة إعلامية، ولجنة الفنون القائمة بأعمال الرسم على جدران المكتبة وتأليف الأغاني والمسرحيات، ولجنة متابعة عمل المكتبات.