بات التطوع من الأعمال الظاهرة والبارزة في حياة الناس، وخاصة مع وجود الأزمات والمحن التي تصيب البشرية نتيجة الحروب أو الكوارث، وأصبحت الأمم والشعوب أفرادا وجماعات يتسابقون إليه، وقامت من أجله المؤسسات والجمعيات، واللجان ومن الملاحظ أن العلوم الإنسانية والاجتماعية هي الأقرب لطبيعة الإنسان المسلم السوي، والأعمال التطوعية الخيرية هي من أساس أعمال المرأة خاصة والرجل والمرأة معاً في المجتمعات بشكل عام. كانت لنا هذه اللقاءات لإظهار تلك الأعمال التطوعية التي تقوم بها المرأة وما يعيقها وكيف نربي أولادنا على هذه الخصال الحميدة.. فإلى تلك اللقاءات.. مفاهيم عامة للتطوع بداية تقول الأستاذة فريال الكردي رئيسة الخدمة الاجتماعية بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون والناشطة في مجال التطوع والأعمال الخيرية. إن التطوع من أجل الأعمال الإنسانية التي يقوم بها الإنسان في خدمة مجتمعه شيء عظيم وبعود عليه بالاطمئنان النفسي والروحي فقد جاء في القرآن الكريم: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} (184) سورة البقرة، والتطوع هو ما يقوم به الإنسان من ذات نفسه مما لا يلزمه وغير مفروض عليه. والعمل التطوعي هو: تقديم العون والنفع إلى شخص أو مجموعة أشخاص، يحتاجون إليه، دون مقابل مادي أو معنوي. وفضائله كثيرة متعددة ولذلك جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) متفق عليه.وقال أيضا: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار) متفق عليه. وقال أيضا: (من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات) أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم. ومجالات العمل التطوعي كثيرة وأبرزها: مجال العبادة: فالمسلم لا يقتصر في عبادته على الفرائض والواجبات، بل يزيد عليها من خلال التطوع بالنوافل والسنن والقربات، والأمر واسع ومتاح للتنافس والتسابق في شتى أنواع العبادات كالصلاة والصيام والصدقات والحج وغيرها. وهناك المجالات العلمية، كإنشاء المكتبات والمدارس والجامعات وسائر المؤسسات العلمية التي لا يكون هدفها الربح المالي، ثم القيام عليها ودعمها. والمجالات المالية التي تتطلب دفع المال وتقديمه بسخاء من أجل نفع الناس ومساعدتهم، وهذا المجال يدخل ويشارك في الكثير من المجالات. والمجالات الحرفية، من خلال التطوع فيما يتقن من أنواع الحرف المفيدة النافعة. والمجالات الإدارية، وهي تدخل في شتى الأنواع، والإدارة صارت فن وجودة وإتقان، فالإداري الناجح في عمله إن تطوع أفاد وقدم الكثير. والمجالات الفكرية، من خلال الآراء الصائبة والنصائح القيمة، والخطط الرائدة. وعن أقسام وأنواع المتطوعين قالت فريال الكردي: هناك المتطوع بماله: صدقات، تبرعات، قروض، مشاركات في شركاته، تنمية مال. وهناك المتطوع ببدنه: مراسلات، حرف، تحميل، حراسة.. والمتطوع بجاهه: شفاعات، علاقات... والمتطوع بوقته: كل يوم، ساعة في اليوم، ساعة في الأسبوع، في المواسم، عند الطلب والفزعات.. ومنهم المتطوع بفكره: تقديم رأي صائب، استشارة، بحث، استبانات، دراسات، إحصاءات، خطط، نقد، تقويم. التطوع كواجب وطني وبدورها أكدت الأستاذة «جواهر بنت محمد بن صالح بن سلطان»المشرفة التربوية والرئيس العام لجائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة إن التطوع في المجال الخيري والاجتماعي يعني لي واجباً دينياً وإنسانياً ووطنياً أقدم من خلاله ما أستطيع بقدر إمكانياتي وقدراتي وأحصل على السعادة والرضا وراحة النفس، بالإضافة إلى اكتساب الخبرات في المجالات المختلفة وتكوين قاعدة من المعارف والصداقات مع مختلف شرائح وطبقات المجتمع. ففوائد وإيجابيات العمل التطوعي كمفهوم في رأيي لا يعود فقط على الفئة المستهدفة بل على المتطوع نفسه بما يمارسه أو يقدمه من عمل ويمر به من مواقف وتجارب تضيف إليه الكثير. وحول تفضيلها للعمل الفردي أم الجماعي التطوعي؟ قالت: أفضل العمل الجماعي المنظم وذلك من خلال مؤسسات المجتمع ووفق برامج وخطط مدروسة مما يجعل العمل التطوعي أكثر فعالية وفائدة للمجتمع. وأضافت أن العمل التطوعي كفكرة تعتبر تجربتي كمساعدة للمدير العام بالجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان) هي بداية خبرتي في هذا المجال حيث أدين لهذه الجمعية بإكسابي أساسيات العمل الخيري المنظم سواء كان مهنياً أو تطوعياً، وبالتالي المساهمة في بعض الأنشطة والبرامج الخيرية والوطنية ومنها عضوية الفرع النسائي للجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم. وعن كيفية تنظيم العمل التطوعي قالت: إن العمل التطوعي في بلادنا في مراحله الأولية، ولتنظيم هذا العمل ينبغي أولاً تعريف المجتمع من جانب المختصين ومؤسسات المجتمع وعبر وسائل الإعلام بمفهوم العمل التطوعي ومجالاته ومتطلباته، كما يتطلب تنظيم العمل التطوعي إعداد خطط وبرامج متنوعة من قبل القائمين على مؤسسات المجتمع تحقق الأهداف الموجودة وتستقطب مختلف فئات المجتمع والاستفادة بما لديهم علمياً ومهنياً وعملياً. كما ترى الصالح أن من الأمور التي تثبط همم المتطوعين هي عدم استقبال مؤسسات المجتمع للمتطوعين لعدم وجود برامج تطوعية لديهم، وإن وجدت فتكون مخصصة لفئة معينة بالإضافة إلى عدم الإعلان عن برامج تطوعية من قبل مؤسسات المجتمع المختلفة. وحول دور المدرسة في نشر ثقافة التطوع قالت الأستاذة جواهر: تعد المدرسة من أهم القنوات التي تربط بين الطالب ومجتمعه بشكل عام ويمكن من خلالها التعريف بمفهوم العمل التطوعي المنظم وتعزيزه في نفوس النشء سواء من خلال الأنشطة المنهجية أو اللامنهجية.. ولا أرى حالياً دوراً يذكر في هذا المجال ولكن أتمنى بإذن الله أن يحقق ذلك مع الخطط التطويرية للمناهج قريباً بإذن الله. ثقافة الأعمال التطوعية ثم التقينا الأستاذة فاطمة محمد السلوم مديرة قسم الخدمة الاجتماعية في مستشفى اليمامة وعضو متطوع في عدد كبير من المؤسسات والجمعيات الخيرية حيث تحدثت عن تجربتها في التطوع فقالت: أحمد الله سبحانه وتعالى أن أمدني بالصحة وسخر لي أن أقوم بخدمة الآخرين بكل طواعية وحب وشفافية؛ فالعمل التطوعي هو النزول إلى أرض الواقع وتلمس احتياجات المواطنين وحاجات المجتمع لكل شرائحه وتفعيل طاقات أفراد المجتمع لخدمة ومساعدة الآخرين، وقد عملت متطوعة في مهرجان الجنادرية لمدة (17) عاماً ولله الحمد أخدم وطني من خلال المهرجان حيث قمت بتأسيس أول لجنة نسائية للمهرجان وأعددت الكثير من الخطط والبرامج البناءة والفعاليات التي خدمت المهرجان طوال تلك السنوات، كذلك من خلال أعمالي مع المعوقين قمت بالعديد من الأعمال التطوعية ولا زلت إلى الآن ولله الحمد متطوعة في العديد من اللجان التي تخدم مجتمعنا الكريم وأبنائه ونسائه، وأنا فخورة بعملي هذا وأدعو بنات وطني للاتجاه للأعمال التطوعية الخيرية ففيها الكثير الكثير من راحة النفس والأجر والثواب من الله عز وجل. وعن ثقافة العمل التطوعي قالت فاطمة السلوم: إن ثقافة العمل التطوعي موجودة لدى غالبية أفراد المجتمع لأنها مبدأ من مبادئ ديننا الإسلامي العظيم ولا بد من تفعيلها بشكل أفضل، وبشكل أوسع وبشكل منظم، لأن العمل التطوعي الخيري المنظم يؤتي ثمره ولذلك لابد من نشر ثقافة العمل التطوعي الخيري المنظم البعيد عن الفردية والعشوائية وذلك لتعم فائدته على الجميع. وحول تربية الأبناء على حب التطوع قالت: إن الأعمال التطوعية الخيرية هي ركيزة أساسية لبناء المجتمعات وهي الدعم للتماسك الاجتماعي بين الأفراد، وتختلف الأعمال التطوعية من فرد إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى، ولكنها في النهاية تصب في مجال تماسك ودعم المجتمع والشعور بلذة حقيقة وسعادة غامرة بعد القيام بها عن طواعية وطيبة نفس وليس مجبراً عليها، وعلينا كمسؤولين ومربين تقع علينا مسؤولية كبيرة في تنمية هذا الحس الخيري والاجتماعي العظيم في نفوس أبنائنا، فلابد أن نذكر أبناءنا بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحث على التطوع لننمي فيهم هذا الحس الجميل والعمل الجليل حتى ينمو ويكبر معهم لينشئوا صالحين يخدمون وطنهم ومجتمعهم. أما عن المعوقات التي تواجه العمل التطوعي فقالت: إن الدراسات التي أقيمت أكدت أن هناك معوقات تواجه هذا العمل إضافة إلى عدة جوانب منها معوقات مرتبطة بالمرأة نفسها كالظروف والمسؤوليات الأسرية الملحة ومعارضة الزوج وعدم القدرة على التوفيق في المهام والأعمال، بالإضافة إلى عدم اقتناع الأقارب والمحيطين بأهمية هذا النوع من العمل وهو ما أدى إلى إحجام بعض النساء عن العمل التطوعي، في حين أن الدراسات أكدت أيضاً من جانب آخر أنه بالرغم من تلك المعوقات فإنه لا يجب النظر إليها على أنه لا يمكن التغلب عليها أو التقليل من تأثيرها. بعض التوصيات وقد أوصت المتحدثات في هذا اللقاء على ضرورة غرس حب العمل التطوعي الاجتماعي في نفوس المجتمع عن طريق المناهج الدراسية، وتوجيه بحوث التخرج إلى الأعمال التطوعية، وأن يكون هناك مفاضلة في ديوان الخدمة الاجتماعية للوظائف للخريجة التي يكون لها خدمة إلزامية تطوعية في أي جهة. وضرورة تكثيف الجهود الإعلامية وإبراز العمل التطوعي من الناحية الدينية والإنسانية والوطنية والحث على العمل التطوعي المنظم، وضرورة التوعية بثقافة العمل التطوعي، وزرع الأعمال التطوعية الخيرية في نفوس الأبناء والبنات منذ نعومة أظفارهم لينشئوا عليها شباباً وشيباً ويتعايشوا معها ويتعلموا حبها والسعي إليها.