يقوم بعض الأزواج بعد الطلاق بإفشاء أسرار شريكه السابق، والسعي إلى تشويه سمعته كنوع من الانتقام واستعادة جزء من كرامته المفقودة. وفيما اعتبره متخصصون مرحلة لعدم الاستيعاب النفسي لما بعد الطلاق، رأى آخرون في هذا السلوك متنفسا لكسب عطف الآخرين ودفع ملامة انهيار بيت الزوجية على الطرف الآخر، متفقين في الوقت نفسه أنه خطيئة اجتماعية تحطم العلاقات الأسرية وتهدد بتدمير الترابط الاجتماعي. تقول نهى أحمد وهي مطلقة وأم لأربعة أبناء حسرة أتجرعها منذ 10 سنوات بعد أن قادني الجهل وحب الانتقام من طليقي لإفشاء أسراره وسط جمع من الأسرة الذين حضروا لمحاولة الصلح بينهما، غير أن حياتها الزوجية انتهت بالطلاق بعد أن بعثرت أوراقه وأفشت أسراره. وتضيف مع أني تزوجت برجل آخر بعده غير أن حياتي الزوجية انتهت بوقت قصير وعدت لأسكن بالقرب من أبنائي ووالدهم الذي واجه إساءتي بالإحسان. واستطردت قائلة منذ ذلك الزمن وكل موقف إيجابي يقوم به أبو أبنائي داخل الأسرة يشعرني بعظم خطيئتي في حقه وحق أبنائي ومجتمعي وأعيش في دوامة من تأنيب الضمير مرجعة سبب قيامها بذلك أنها محاولة لتبرئ ساحتها من اتهام قد يطالها وتشعر الآخرين بأنها ضحية هذا الزواج الذي منحها لقب مطلقة. من جهته يؤكد الباحث الشرعي بالمحكمة الجزائية بالمدينة المنورة عبدالعزيز السريحي أن مثل هذه التصرفات من قبيل خيانة الأمانة فلا يجوز للرجل أن يفشي أو يذيع سر زوجته، ولا للمرأة أن تبوح بأسرار زوجها، فهذا من الأمانات التي يجب رعايتها حتى بعد الطلاق. وأضاف السريحي جاءت التعاليم الربانية والتوجيهات النبوية والمبادئ التربوية والاجتماعية السليمة بما يحفظ كيان الأسر المسلمة ويزيد متانة روابطها وتماسك أفرادها، لتبقى العلاقات الأسرية بعيدة عن المشاكل الاجتماعية، ونهى عن كل قول وفعل يجلب لهما ضرراً أو يمنع عنهما نفعاً، فكل الأديان والشرائع، حذرت الزوجين من أن يفشي الواحد منهما سر الآخر، مستدلاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يفشي سرها)، منوهاً أن إفشاء الأسرار يشمل الأسرار المالية، وأسرار الفراش، والعمل، وشدد بقوله إن الأسرار الزوجية مطلب أمني حددها الإسلام بشروط وضوابط لتحقيق هذا الأمن، تكون مسؤوليته ملقاة على عاتق الزوجين للحفاظ عليها وصيانتها، وإن هذا السر يعد بمثابة العهد بينهما، لا يجوز نقضه. وفي ذات السياق عرف الباحث القانوني بالمحكمة الشرعية بالمدينة المنورة مصعب الزهراني الأسرار الزوجية بأنها جميع الأحداث والمواقف والأحوال وما يصاحبها من أقوال وأفعال داخل عش الزوجية ولا يرغب أحد من الزوجين أن يعرفها غير شريك حياته، ويشمل إفشاء الأسرار القول والفعل، التلميح والتصريح، وقد تكون الأسرار الزوجية سلبية - إما خُلقية أو خَلقية - وعندما تفشى هذه الأسرار بغير وجه حق تلحق أضراراً بأحد الزوجين اجتماعياً أو ماديا أو معنويا. وأكد الزهراني أن إفشاء أسرار الآخرين إذا تسبب في إلحاق الضرر والخسارة بهم فإنّ المذيع لسّرهم يعدّ مسبباً لهذه الأضرار ويعتبر ضامناً شرعاً وقانوناً لها. وعن عقوبة مفشي الأسرار المتعلقة بالخلافات بين الزوجين، قال هي جريمة يعاقب مرتكبها، وتكون العقوبة التي يقررها القاضي بقدر الضرر الناتج عن إفشاء أسرار الزوجية. بدورها قالت المستشارة الأسرية بجمعية الزواج ورعاية الأسرة بالمدينة مها الحازمي إفشاء أسرار الزوجية واستخدامها سلاحاً بعد الطلاق انتهاك للأعراض وتجاوز للحدود مرجعة أسباب إفشاء الأسرار الزوجية لعدم قدرة أحد الطرفين على الصبر لما يعانيه من مشكلات وأزمات أسرية، مما يدفعه إلى إفشائه إما بحثاً عن علاج أو تخفيف من ألم الكتمان. وعن مخاطر إفشاء الأسرار الزوجية تضيف "لا شك أن إفشاء الأسرار سيشحن النفوس بالمشاعر السلبية تجاه الطرف الآخر، وهي خطيئة اجتماعية تلحق الضرر إلى أبعد من المتخاصمين من الأزواج لتصل لأصول الأسرة وفروعها من آباء وأبناء. وتشير الحازمي إلى أنه لا بد أن يضع الزوجان رؤية مستقبلية لما سوف تكون عليه الحياة بينهما ويكونان متفهمين وعلى دراية لما سيخلفه آثار هذه الخطيئة في المجتمع المحيط بهما، مؤكدة في الوقت نفسه أن الحفاظ على أسرار الزوجية واجب ديني واجتماعي حتى لو انفصل الزوجان لأن إشاعة أسرار البيوت الزوجية القائمة أو المنهارة يضرم نار العداوة والبغضاء داخل الأسرة، مشيرة إلى أن صبر الزوجين على كتمان السر في أصعب الظروف أيسر من الندم على إفشائه. وأرجعت دوافع هذه الرذيلة -على حسب تعبيرها- إلى الجهل وضعف ثقافة الخلاف وضيق الأفق. وأضافت قائلة: إن الأشخاص الذين يعيشون هذه الحالات الوضيعة ليست لديهم القدرة على مواجهة الخلافات بعقلانية وواقعية، وتترتب على ذلك آثار سلبية كثيرة من قبيل سقوط شخصية ومنزلة المتضرر الاجتماعية وزوال ثقة الناس فيه. وعن الحلول لتجنب الوقوع في مثل هذا الخطأ الفادح، قالت إنّ التدبّر في الآثار السلبية الناتجة عن إفشاء الأسرار يحد من الوقوع فيها، وكذلك سعة أفق الإنسان وانشراح صدره وقوّة شخصيته، عوامل من شأنها أن تساعد في المحافظة على أواصر الرحمة حتى لو انفصل الزوجان. ونصحت الحازمي في آخر حديثها الأزواج التدبر في العقوبات الإلهية الشديدة المترتبة على إفشاء أسرار الناس.