تهاني السالم - جدة لا يخلو بيت من البيوت من المشكلات والخلافات الزوجية، والحصيف من ملك زمام أسرار بيته ولم يجعلها حديثًا يتناقله الناس، وسعى إلى حلها بروية وهدوء وحلم وأناة، بعيدًا عن نشرها بين الأصدقاء أو الأقارب أو المستشارين الذين يحاولون أحيانًا الإصلاح، لكن هذا لا يتأتى بل تزيد الفجوة والجفوة بين الزوجين مما يُسبب استفحالها، “الرسالة” فتحت الملف وتوجهت نحو مجموعة من المختصين وطرحت عليهم مجموعة من الأسئلة ذات العلاقة فأفادوا بما تجدونه بين سطور الحوار التالي: حفظ الأسرار بداية يشدد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالله الصبيح على أن خطورة إفشاء الأسرار الزوجية تكمن في عدم القدرة على السيطرة عليها، وقال: تكمن خطورة إفشاء الأسرار الزوجية في عدم المقدرة في السيطرة عليها بعد أن تخرج والكل سوف يتناولها والبعض سوف يُضيف عليها، فيتكوَّن موقف اجتماعي من خلال المحيطين بهم وهذا يؤثر في طريقة التعاطي مع مشكلاتهم إلى غيرهم. وأضاف الصبيح فقال: يبدو في كثير من الأحيان أن بعض النساء يفشين الأسرار الزوجية وهناك بعض الرجال في المقابل يقومون بالفعل ذاته، فليس كل رجل يحفظ هذه الأسرار ويكتمها، لكن حينما يتصور الإنسان ما يؤول إليه الأمر حينما يُفشي أسراره وأنها ستصبح مجالًا لأحاديث الناس فإنه سوف يتأنى في ذلك ولن يكون همه التنفيس وإنما تكون غايته إصلاح الموقف ويكون هذا بمواجهة الموقف والحوار مع الطرف الآخر من أجل الوصول إلى حل للمشكلة. خروج الأسرار الزوجية دائمًا ما يُحدث مشكلات زوجية فينبغي لكلا الطرفين أن يحفظا أسرارهما في أمور كثيرة في الحياة الزوجية، وليس ذلك محصورًا في المشكلات وعدم إظهارها للناس بل هناك أمور وخصوصية في الحياة الزوجية لا ينبغي أن يطلع عليها أي أحد، فقد يصف أحدهما الطرف الآخر للناس فمثلًا زوجتي فيها وفيها فيدخل في الغيبة والنميمة وهذا من الأخطاء التي ينبغي التنبه لها. انتهاك خصوصية وأكد الصبيح أهمية حفظ الأسرار الزوجية فقال: “ينبغي على كلا الطرفين إن تم الطلاق ألا يفشوا أسرار بعضهما البعض حتى وإن كان قد طلَّق زوجته، فلا يجوز له أن يفشي أسرارها، وينبغي على جميع الأطراف الاهتمام بهذا الأمر، والطلاق ليس إذنًا لانتهاك خصوصية الطرف الآخر، وينبغي أن يكون هناك حفظ للأسرار والشريعة أكدت ذلك لكن يعظم الجرم إذا كانت تُفشى الأسرار وبينهما ذرية فهذا انتهاك لحقوق الزوجة أو الزوج، بل تحصل ردة فعل عنيفة لدى الأطفال إن سمعوا ما يحدث من مشكلات بين الوالدين بعد الطلاق، ولعل من أكبر آثار إفشاء الأسرار الزوجية أن البعض قد يكون متشوقًا لسماع مثل هذه الأخبار وتناقلها، لكن من الخطأ أن نُفشي الأسرار الخاصة بين الزوجين وبعض المشكلات التي ينبغي ألا نبادر بسردها حتى يبقى المجتمع نظيفًا وطاهرًا نقيًا فيساعد في بقاء العلاقات الزوجية والحب والمودة، أما نشر الخلافات والمشكلات فهذا مما يُسيء للمجتمع ومما يؤدي إلى الطلاق. قطع طريق الإصلاح من جهة أخرى يوضح المفتي والمدرس في المسجد النبوي الدكتور عبدالكريم آل غضية أن الأسرار الزوجية هي أسرار بيت وأضاف: انتشار الأسرار الزوجية مما يفسد الحياة بين الزوجين، خصوصًا أن الإسلام نهى عن الحديث عما يحدث بين الزوجين، وهذا الكشف سبب لعدة أمور سيئة ومنها أنه يقطع الطريق أمام الإصلاح بين الزوجين؛ لأن الناس يكونون على علم بأمور خاصة بينهما فيقطع سبيل الإصلاح. الأمر الآخر أنه قد يتدخل في الأمر من لا يبحث عن الإصلاح فيُطورها، وقد يتعرض الرجل للأذى في أهله، وتتعرض الزوجة للأذى في زوجها، فلو كانت مثلًا تحكي عن أمر مشهور فيه كالحديث عن بعض خصائص الرجل من قوة فربما تجرأ غيرها من النساء لمشاركتها في هذا الذي تتمتع به، أو يحسدونها أو يُعيَّران به، وهذه المشكلات سببها تصدير أسرار البيت وهذا يزيد المشكلة، لذلك يحتاج الزوجان إلى الستر بينهما والرجل محتاج أن تكتم أسراره سواء مع هذه الزوجة أو مع غيرها. كذلك تحتاج الزوجة لمن يكتم أسرارها سواء مع زوجها الأول أو الآخر. أما توجيه أصابع الاتهام إلى المرأة وأنها هي العنصر في كشف الأسرار الزوجية فهذا ظلم ولا يعتبر من الأخلاق والسلوك الحسن، فمثل هذه الممارسات ليس حصرًا على الرجال أو النساء، فهي ثقافة يعيشها الإنسان، فربما يتساهل أحد الزوجين في كشف الأسرار فلذلك لابد من توجيه الطرفين للاهتمام بحفظ الأسرار وعدم كشفها، لكن بالعموم المرأة ربما عجلتها أو عاطفتها القوية ربما تحملها على أن تقول الكلام دون أن تحسب له أي حساب فيخرج منها ما لا يخرج من الرجل. الأسرار أمانة وشدد آل غضية على أن الأسرار بين الزوجين أمانة وأضاف: وإذا كشف أحد الزوجين أسرار شريكه بعد الطلاق فهو يكشف أسراره الخاصة، لذا ينبغي على الزوجين أن ينظرا إلى حياتهما السابقة على أنها فصل طوته الأيام، ويجب أن يعتبرها أسرارًا خاصة حتى لو كانت سيئة ولا يخبر بها أحدًا، إنما يأخذ منها التجربة ويبدأ حياته من جديد بحياة أفضل منها، وأن ننسى تلك الحياة السابقة بحلوها ومرها وألا نتحدث عن خصوصية إنسان مضى أو حصل الفراق، وأن يسلك المسلك الإسلامي خصوصا أن الله نهى عن ذلك في قوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” كما أنه ينبغي أن يعلم المتحدث عن شريكه أنه ربما يتعرض إلى القذف أو إلى التهكم بالشخص ويسيء إليه فلو علمت المرأة أن زوجها الأول يفشي أسرارها فلو استطاعت هذه المرأة أن تثبت هذا الكلام على طليقها وتوصله للوالي ربما يجلده حد الفرية وحد التطاول على أناس لا يحق له أن يتطاول عليهم”. بين أمرين وكشف المشرف العام على مشروع التوفيق لراغبي الزواج ببريدة خالد الصقعبي أن خطورة إفشاء الأسرار الزوجية تكمن في وقوعها فيمن لا يحسن التعامل معها من المستشارين وأضاف: إفشاء المشكلات الزوجية قد يقع في حالتين: إما أنها تقع في يد من لا يحسن التعامل معها فإما أن يكون محبًا وإما أن يكون عدوًا حاسدًا شامتًا، فإذا كان محبًا ولا يجيد التعامل في هذا الأمر أساء إلى الزوجين دون أن يدري، وإن وقعت الأخبار في يد عدو حاسد شامت فقد يطير بها فرحًا ويستغلها أداة ومعول هدم للإيقاع بين الزوجين، لأن من شروط المصلح وهو الذي يتوجب أن تقال له وتفك أسوار الخلافات الزوجية حتى يعرفها ويستطيع أن يتعامل معها أن يكون متقنًا لهذا الفن، ومريدًا للخير، فإن شرط المحبة أو إرادة الإصلاح لا تكفي ولهذا يحضرني ما فعله الأعمش حينما وقع بينه وبين زوجته خلاف فوسط بينه وبين زوجته أحد طلابه وكان فقيهًا عالمًا ومحبًا للأعمش فأتى به ليصلح بينه وبين زوجته فهذا المحب للأعمش أرد الخير لكن مجرد المحبة لا تكفي فقال لزوجة الأعمش لا يغرنك في الأعمش غموشة عينيه أو خموشة ساقيه فالتفت إليه الأعمش وقال له: قبحك الله أظهرت لها ما لم تكن تعلم، فهو إنما أراد الإصلاح لكنه لما لم يحسن في هذا الجانب أتت النتيجة على خلاف ما يريد وهذا يبين خطورة إفشاء الأسرار الزوجية وبخاصة حينما تقع فيمن لا يعرف كيف يتعامل معها فهو يسعى للإصلاح لكن نظرًا لحداثة تجربته قد يخطئ في التعامل معها.