هناك اعتقاد شائع بأن النساء لا يجدن كتم الأسرار لميلهن وحبهن إلى الثرثرة والفضفضة، لكن هناك دراسات حديثة أظهرت عكس ذلك؛ حيث أكدت أن المرأة أكثر كتمانا للأسرار؛ لأنها تدرك أكثر من الرجل أهمية الاحتفاظ بالسر، ومتى تفشيه أو تفجره في وجه صاحبه. من المنظورَيْن النفسي والعرفي هناك تأكيد أن المرأة لا تستطيع كتمان سرها أو أسرار الآخرين، ولو أنصفتهن دراسة لعينة عشوائية منهن فذلك لا ينفي صفة الثرثرة عنهن؛ لأن لسان المرأة (طويل)، ولا يستوعب سرا صغيرا أو كبيرا، وذلك ما تؤكده دراسة أخرى تشير إلى أن النساء يقضين 16 ساعة يوميا في الكلام والثرثرة، إلا أن هناك دائما أسرارا لا يبحن بها لأحد سواء كانوا رجالا أو نساء، أي أن هناك انتقائية فيما يرغبن في البوح به؛ ما يجعل أي طرف آخر في مهب الريح؛ حيث هناك ضمانات لإفشاء سره. تجربة وندم إفشاء السر غالبا ما يتبعه ندم وحسرة، قد يتطوران إلى مشكلة بحجم وأهمية السر.. عن ذلك تقول جهير منصور العبدالرحمن، مديرة البرامج والأنشطة في الجمعية الوطنية للمتقاعدين: “بالنسبة إليّ ندمت مرتين على إفشاء سر لي؛ ففي إحدى المرات فضفضت لقريبة، أعتبرها الصديقة والأخت، سرا لأرتاح وأشاورها كيف أتعامل مع الحدث، لكن خيَّبت ظني للأسف، وأشعرتها دون أن أجرحها بأنها لا تستحق ثقتي”. ليس ذلك فحسب؛ فقد لُدغت من جحر أسرارها للمرة الثانية، بقولها: “المرة الثانية لصديقة أعرفها منذ سنين، ونتناقش في جميع الأمور، لكن بمجرد اختلاف في الرأي أصبحتُ للأسف، أقولها بمرارة للأسف، بعدها سري لا يتعدى صدري، والعون من الله عليه، وكفى.. لا يُلدغ المؤمن من جُحْر مرتين”. وأضافت أن بعض الأسرار تدمر، لكن مثل هذه الأسرار لا تصب إلا في أذن من تخاف الله وتكون قريبة منه، وإن لم تنفعها لن تضرها، وكم من زوجة فقدت بيتها وزوجها والسبب من خانت ونشرت السر، وهناك حديث للرسول (صلى الله عليه وسلم): “آية المنافق ثلاث..”، ومن ضمنها “إذا اؤتمن خان. وعن الدرس الذي تعلمته من إفشاء السر تقول جهير: “صراحة إذا لم تتعلم من الأحداث التي مرت بها، والمواقف المؤلمة بسبب إفشاء سرها، فسوف تقع في مشكلات أعظم؛ لذلك أقسم بالله ما أجمل التوكل على الله في جميع الأمور؛ فصلاة آخر الليل ودعاء الله وسؤاله هو طريق النجاة، الآن أعطني من تحفظ سرا وتكون صادقة معك على الأقل في النصح!”. أما عن مدى استطاعة المرأة كتمان سرها، فتقول: السر وحفظه عند بعضهن مداه قصير، إلا من رحم الله وأعانها على الكتمان؛ فهناك مقولة هي: إذا أحببت أمرا يذاع قله لامرأة وأوصها بأنه سر”. كم عمرك؟ أما مها، فتقول: “أهم الأسرار التي تخفيها المرأة هو العمر، وتعرضها لحالة عنف وخصوصا من قِبل أقربائها”، وتضيف: “ندمت مرات عدة على إفشاء سري لصديقات وقريبات، وهناك أسرار دمرت حياة أسر بكاملها، وخصوصا حالات الاغتصاب والعلاقات المحرمة”. والدرس الذي تعلمته مها مما حدث لها بسبب إفشاء أسرارها هو عدم الثقة، وأوضحت أن المرأة تستطيع كتمان السر إلى مدى الحياة إذا تعلق بشرفها وأصبحت حياتها على شفا جرف هار. ويبدو أن هناك اتفاقا على أن عمر المرأة من الأسرار الحربية بالنسبة إليها، وذلك ما تؤكده سوسن عبدالكريم المؤمن، من قسم علم النفس بجامعة الملك سعود، بقولها: “من خلال اطلاعي ومحض علاقاتي واحتكاكي بالآخرين فإني أجد أن من أبرز أسرار بعض النساء هو إخفاء العمر الحقيقي؛ حيث يتعمدن إخفاء أعمارهن الحقيقية مع إعطاء عمر أصغر ولو بسنة، كما تتعمد بعض النساء إخفاء أوزانهن الحقيقية؛ حيث إن من فطرة المرأة، وإن لم تقر بذلك في قرارة نفسها، ميلها إلى الحيوية والجمال، حيث يعد صغر السن والرشاقة من أبرز سماتها”. وتضيف: “كما أن من أبرز أسرار بعض النساء، اللاتي يتعرضن للعنف الأسري، هو ذلك العنف؛ وذلك حتى لا تكون محط الشفقة، أو مضغة في أفواه الآخرين، وهذا بحده يسهم في توفير حياة كريمة على الأقل أمام المجتمع الذي تعيشه”. وفيما يتعلق بإفشاء المرأة لسرها سواء لصديقة أو لشخص مقرب، تقول: “ذلك قد يعرضها للندم؛ لأن الصداقة وإن امتدت وتعمقت قد تتعرض للانهيار أو التصدع لسبب ما، ومن هذه الزاوية تتعرض الأسرار إلى الظهور والبوح في أغلب الأحيان، وانظر إلى ما سيترتب على ذلك”. وبالنسبة إلى المدى الذي تستطيع المرأة فيه كتمان سرها تشير إلى أن ذلك يختلف من امرأة لأخرى؛ فمنهن من لا تقعد في فمها (حبة فولة)؛ حيث تظهر ما في جعبتها أولا بأول، وإن عزمت على الكتمان، ومنهن من تدفن سرها معها، وهلم جرا، وهن في أحوالهن هذه كالرجال، أليسوا أخوات لهن؟”. أسرار تخطف الأزواج الأسرار ترتبط بالخصوصية وحاجة المرأة إلى الأمان، وهي تغالب فطرتها في كثير من الأحيان، وهي تصارع لحفظ سرها أو سر غيرها من المقربات اللائي ائتمنها، عن ذلك تتحدث الدكتورة مزنة مبارك الجريد، مديرة القسم النسائي بمركز حلول والاستشارية الأسرية والاختصاصية في الإرشاد الأسري، قائلة: “قبل الحديث عن طبيعة الأسرار التي تخفيها المرأة لا بد من التطرق إلى مبدأ الخصوصية التي من المفترض أن تستمتع بها المرأة والرجل؛ حيث يعد حقا مشروعا من الواجب النظر إليه نظرة إيجابية؛ لأنه يعني المساحة الآمنة بين الجنسين. أما فيما يتعلق بأسرار المرأة التي تخفيها فهي تلك الأسرار التي تسيء إليها شخصيا مثل الخلافات الأسرية وخصوصا الأمور التي تتعلق بعلاقتها مع زوجها، والتي يكون له جزء منها، أو الأسرار المتعلقة بالزوج وأهله، أو أسرار عن حياتها السابقة كعلاقتها بشخص معين قبل الزواج لئلا يسيء الحكم عليها ويعايرها بهذه العلاقة، وأسرارها المالية كونها امرأة عاملة وتشارك بالقليل من دخلها في المنزل والباقي تدخره في حساب خاص لأسرتها، خصوصا إذا كان الزوج من النوع الذي لا يبقي ولا يذر”. وعن ندم المرأة على إفشاء سرها تقول الدكتورة مزنة: “قد تندم المرأة على إفشاء السر عندما تصبح أسيرة له، أو يدمر حياتها الخاصة أو العامة، وأرى من ناحية نفسية، وبحكم تعاملي مع كثير من النساء من خلال عملي استشارية نفسية وأسرية، أن المرأة هي السبب الأول والأخير فيما يحدث لها من أزمات بسبب نشر أسرارها ولجوئها إلى معالجة ما تعانيه إلى أناس عديمي الخبرة، أو أشخاص بعيدين كل البُعد عن معرفة مجريات الأمور لحياة تلك المرأة الثرثارة”. وأضافت: “أقول لكل امرأة تفشي سر حياتها ما قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): من كتم سره كان الخيار بيده، ومن عرَّض نفسه للتهمة فلا يلومنّ من أساء الظن به. فعلى سبيل المثال امرأة تتحدث عن زوجها، أو عن الأوضاع الاجتماعية والمالية لزوجها أمام امرأة أخرى؛ فيكون ذلك دافعا لإغراء هذه المرأة لخطف الزوج، ونسمع كثيرا عن خطف الأزواج، وما ذلك إلا بسبب نشر الأسرار الأسرية؛ لأن المرأة التي ثرثرت أو أوحت أو تحدثت صراحة عن زوجها أمام صديقتها أعطتها الحافز، وأثارت حب الاستطلاع تجاه هذا الزوج المجهول؛ وبالتالي تسعى الصديقة بعد أن تعرفت على مفاتيح شخصية زوج صديقتها إلى إغرائه، وقد تقنعه بمحاولة الزواج منها. وكذلك تلك التي أفشت أسرار عمل ما تسبب في توجيه الإنذار لها بسبب خيانة الأمانة”. دهاليز الماضي وعن الأسباب النفسية لإخفاء الأسرار تؤكد الدكتورة مزنة أن السر في الحياة الزوجية شكل من أشكال الأمان النفسي والاجتماعي في الحياة بشكل عام، ويكون الهدف منه جلب منفعة أو دفع مضرة، وقد تمارس الزوجة عادة نشر الأسرار لمجرد التلذذ بإظهار الأمور على غير حقيقتها، وشعورها بالتفوق على الطرف الآخر وقدرتها على خداعه.. والحقيقة أن انعدام قدرة المرأة على حفظ السر جزء من صفاتها، وإذا أدركنا ذلك فسنصبح أكثر تسامحا، والمرأة التي تصارح نفسها بوجود هذه الصفة بها يمكنها أن تتخلص منها من خلال محاسبة النفس وتضييق الفجوة وقلة الأقنعة؛ وبالتالي قلّة الحاجة إلى تفشي ونشر أسرار حياتها ثم الندم حيث لا ينفع الندم. ويجب أن يساعد الأزواج والصديقات بعضهم في ذلك بأن يعطي كل منهم للآخر الفرصة كاملة لكي يظهر على طبيعته، ويترك النبش في دهاليز ماضي كل طرف؛ لأن الخصوصية لا تعني أسرارا مبهمة أو خيانة بقدر ما هي نوع من الاستمتاع بشيء خفي يشعر الإنسان بوجود حق خاص به ومحاولة التفهم والتعرف والسماح وترك المخلوق للخالق.