ما أن تصل إلى مكتب النقل الجماعي، إلا وتتعالى الأصوات، ليلفتوا نظرك إليهم وهم يصرخون: راكب.. راكب. أو يسألونك مباشرة: تبغى تسافر أخوي؟. وما أن تلتفت إلا وتجد نفسك أمام مجموعة من الشباب، الذين وقفوا بجوار سياراتهم الخاصة، حيث دفعتهم ظروفهم القاسية للبحث عن لقمة العيش من خلال هذه المهنة الشاقة التي يسمى من يعمل بها بالكدادين. المواطن راضي العنزي، موظف يعول أسرته التي تتكون من 9 أشخاص يسكن في بيت بالإيجار، تكالبت عليه الظروف وأثقلت كاهله الديون، فلم يجد بدا من البحث عن مصدر دخل آخر، فنصحه أحد أقاربه بخوض هذا المجال الذي دخله منذ 3 سنوات، بعد أن قام بشراء سيارة من النوع الحديث بنظام الإيجار المنتهي بالتملك. وحدد لنفسه أن يكون عمله في هذه المهنة خلال أيام العطل فقط، كي لا يتعارض مع عمله الرسمي. يقول راضي، إن مصدر حصوله على الركاب هو وقوفه أمام مكتب النقل الجماعي، أو عن طريق الاتصال على جواله الخاص، الذي عادة ما يكون عن طريق بعض الأصدقاء، أومن بعض الزبائن الذين سبق وأن تعاملوا معه، خاصة من طلاب المعاهد العسكرية، الذين يحضرون لأهاليهم خلال إجازة الخميس والجمعة، حيث يقومون بالتنسيق معه بالاتصال عبر الجوال قبل خروجهم بيومين أو ثلاثة ليقلهم فور خروجهم، ومن ثم يعيدهم إلى الرياض يوم الجمعة. ويشير إلى أن صعوبة الحصول على حجوزات الطيران التي تواجه الكثيرين، خاصة في المواسم جعلت العديد من أصحاب المواعيد الطبية زبائن له ولزملائه الآخرين العاملين في هذه المهنة. ويعتبر أن وقت الانتظار للحصول على ركاب تختلف بحسب المواسم، فأحيانا لا تزيد عن نصف ساعة، خاصة في مواسم الإجازات والعطل الرسمية، وأحيانا لا تقل عن يومين، وهو ما يجعل منها مهنة شاقة، وتتطلب صبرا من نوع خاص. ويأسف راضي على وجود صورة سوداوية لدى البعض، أن غالبية الكدادين يتعاطون الحبوب المنشطة، وهذا للأسف غير صحيح، فنحن أجبرتنا الظروف على الانخراط بهذه المهنة وتحمل مشاقها. متسائلا: ألا يكفي أننا نترك أبناءنا وأسرنا في الوقت الذي يحتضن فيه الكثير ممن ينظرون لنا بهذه النظرة أبناءهم؟. وإن كان هناك بعض الحالات، فلماذا تعمم هذه النظرة على الجميع؟. أما ماجد خلف، فقد لجأ إلى هذه المهنة قبل 4 سنوات بعد أن يئس من الحصول على وظيفة رسمية يعتاش منها، لتدني مستواه التعليمي كونه لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية، ولم يرض لنفسه أن يكون عالة على أحد. ويؤكد ماجد، أن هناك مضايقات واجهته في البداية من بعض سائقي الأجرة، وصلت إلى مشادات وشكاوى ضده وضد زملائه، لكن الآن لا يوجد شيء من هذا القبيل، كون غالبية سائقي الأجرة الموجودين حاليا من كبار السن، ولا يرغبون بالمشاوير ذات المسافات الطويلة، إنما رغبتهم تكون في إيصال الركاب إلى المحافظات القريبة. ماجد في سبيل حصوله على لقمة العيش في أي مكان، لا يشترط إيصال الركاب إلى جهة محددة، رغم أنه يفضل أن تكون الرياض وجهته لضمان سرعة حصوله على ركاب في طريق عودته إلى عرعر، لكنه يشترط على المسافرين معه وقبل الاتفاق على الإيجار، السماح له بالتدخين كونه لا يستطيع الاستغناء عنه. ويعتبر أن معاناته وغالبية الكدادين مع مخالفات السرعة التي يرصدها "ساهر"، التي عادة ما تذهب بكل ما جمعه في تلك الرحلة. ومن المواقف التي ما يزال يحتفظ بها، عند قدومه من الرياض براكبين من الجنسية الآسيوية، وما أن وصل إلى عرعر حتى لاذا بالفرار قبل أن يدفعا الحساب، إلا أنه ولحسن الحظ كان يحتفظ بجواز أحدهما، فاتصل على كفيله الذي دفع له الأجرة بعد 3 أيام. وفي أثناء الحديث يحضر لنا أحد الكدادين ويدعى مطلق سليمان، وهو يحمل بيده هاتف جوال وكيسا بداخله ملابس مقاطعا الحديث، بقوله: هذا ما نتعرض له في لقمتنا!. فهذا أحد الركاب الذي حضر معي من حفر الباطن، وذكر لي أن أخاه سيكون في استقباله فور وصولنا وسيدفع لي الحساب، وما أن وصلنا، قال لي: لا أملك شيئا وترك لي كيس الملابس وهاتفه الجوال. ويضيف ليس هو الوحيد ممن يتحايلون علينا، أن هناك من سيدفع لنا الحساب حينما يصلون، وعندما نصل يرفضون الدفع، وهناك من امتهن هذه التصرفات وأصبح معروفا للجميع. مطلق، الذي تجاوز الخمسين من العمر يقول: إنه موظف بسيط على بند العمال في إحدى الإدارات الحكومية، وبسبب ظروفه المعيشية الصعبة، وكثرة الديون اضطر لدخول هذا المجال، وشراء سيارة بما يتجاوز 100 ألف ريال، كي يستخدمها في الكدادة، ومن أجل توفير مصدر دخل إضافي له ولأسرته، يساعده على تحمل أعباء المعيشة.