السعادة الحلم والمطلب، حيث تدور بنا عجلة الحياة ونحن نلهث في بحثنا الدائم عن مبتغانا.. إنها إكسير الحياة، ومطمح الناس جميعاً، يتراكضون خلفها محاولين اقتناص أكبر قدر منها. قال الشابي: ترجو السعادةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ في الكونِ لم يَشْتَعِلْ حُزْنٌ ولا أَلَمُ ولا استحالتْ حياةُ الناسِ أَجمعُها وزُلْزِلَتْ آهاتهِ الأكوانُ والنُّظُمُ فما السَّعادة في الدُّنيا سِوَى حُلمٍُ ناءٍ تُضَحِّي له أيَّامَهَا الأُمَمُ خُذِ الحياةَ كما جاءتكَ مبتسمًا فِي كَفِّها الغارُ أو في كفها العَدَمُ وارقُصْ على الوردِ والأشواكِ متَّئدًا غَنَّتْ لك الطيرُ أو غَنَّتْ لك الرُّجُمُ! السعادة شعور بالبهجة والانبساط، وهي إحساس داخلي ينبع من القلب، وليس شرطاً أن نمتلك كل شيء لنشعر بالسعادة، فهناك الكثير من السعداء الذين لا يملكون أبسط الأشياء، وهناك الكثير ممن يملكون كل شيء وليسوا بسعداء. قد يتخيل البعض أن السعادة في التقليعات والهوايات، وهذا غير صحيح، فهذه ليست سوى وسائل للهروب من الواقع، ونسيان الألم للحظات. ولنصل إلى السعادة علينا أن نبحث عن أهدافنا ونُعملها في حياتنا، وأن نوسع اهتماماتنا قدر الإمكان، والجميل أن منابع السعادة كثيرة وتختلف من شخص لآخر، حسبما يرى، وما يحب، فيراها البعض في المال أو الصحة أو الذرية أو العقل أو البيت، أو السفر. ولكنهم يتناسون حقيقة أن السعادة الحقيقية تأتي من أعماقنا، ونحن الذين نصنعها بأنفسنا كيفما شئنا، ووقتما نريد، ولنجد السعادة علينا أن نقترب من خالقنا بالعمل الصالح، وأن نحسن إلى من نحب بالقول والفعل، وأن نرتقي بتصرفاتنا وأفكارنا عن توافه الأمور. إن أجمل ما في الحياة أن يكون الإنسان سعيداً، فجمال السعادة يكمن بداخلنا، ويظهر في كل تفاصيل حياتنا، فالسعادة عالم واسع لا تحتويه المساحات فمنبعه بداخلنا، ومردوده علينا، صحياً وفكرياً ونفسياً ومجتمعياً، حيث إن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن لم نشعر بالسعادة تملأنا، فلن نستطيع تقديمها لمن نحب، وبذا نحن نسلبهم بعضاً من حقوقهم. والغريب في الأمر أننا قد نجد السعادة في تفاصيل صغيرة غير مكلفة، ولا مستحيلة، فقد نسعد بكوب من القهوة أو قطعة من الحلوى، أو بالوقوف أمام البحر وسماع هديره، أو بالنظر إلى السماء ومتابعة السحب فيها، أو في رؤية غروب الشمس أو شروقها، أو في ابتسامة طفل، أو مساعدة محتاج، فالحصول على قدر بسيط من السعادة يكفي لنشعر بجمالها، وما دام الأمر بهذه البساطة فلنشمر أكمامنا، ونبدأ رحلة البحث عنها. وسأختم كلامي ببعض أقوال عن السعادة: يقول فردريك كيونغ: لقد نسينا بأن السعادة ليست الحصول على ما لا نملك، بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك. ويقول أوسكار وايلد: البعض يسبب السعادة في كل مكان يذهبون إليه، والبعض في كل مكان يرحلون عنه. أما مكسيم جوركي فيقول: السعادة تبدو صغيرة عندما تكون بين يديك، وعندما تخسرها تدرك كم هي كبيرة وقيمة. ومن جميل ما قيل عن السعادة قول رالف إيمرسون: لا شيء يجلب لك السعادة إلا أنت.