تعد البنية النظامية المتمثلة في مجموعة الأنظمة التي تصدرها السلطة التنظيمية من أهم مقومات التنمية في أي دولة، ولا يمكن تصور دولة دون أنظمة تحكم علاقة الدولة مع رعاياها وتحكم العلاقات بين أفراد المجتمع، كما لا يمكن تصور دولة دون السلطة التنظيمية التي تمثل أسمى مظاهر السيادة في الدولة، وبها قوامها بما تضعه من أنظمة تحدد هويتها ونظام الحكم فيها، وتنظم السلطات فيها وممارستها لمهامها وصلاحياتها والعلاقة فيما بينها وتحدد الحقوق والواجبات العامة بين مختلف سلطات الدولة ورعاياها وتنظم جميع نشاطات الدولة وخدماتها. وبالرغم من أن المملكة العربية السعودية اهتمت منذ تأسيسها بالعملية التنظيمية ووضعت الكثير من الأنظمة التي أثمرت بنية نظامية جاوزت 400 نظام، غير أن عددا من هذه الأنظمة مضى على إصداره أكثر من 30 عاما وأصبحت في حاجة إلى مراجعة وإصلاح وتطوير بما يواكب المستجدات والتطورات في مختلف المجالات، وعلى نحو يعكس سياسات الدولة إزاء تلك المستجدات والتطورات، فضلا عن أن بعض الأنظمة التي صدرت قبل عام 1412ه تحتاج إلى مراجعة وتطوير في ضوء الأنظمة الأساسية التي يأتي في مقدمتها النظام الأساسي للحكم. وقد أدرك الدكتور عصام بن سعد بن سعيد رئيس هيئة الخبراء في مجلس الوزراء أهمية تطوير العمل التنظيمي وتعزيز البنية النظامية، واقترح أن تراجع الجهات الحكومية الأنظمة التي تشرف على تطبيقها وتطورها وترفع مشاريع أنظمة جديدة في ضوء المستجدات والمتطلبات التي تحقق المصلحة العامة، وبناء عليه صدر تعميم سامٍ كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله بتاريخ 03/08/1432ه لجميع الجهات الحكومية يقضي بأن على جميع هذه الجهات القيام بمراجعة الأنظمة التي تشرف على تطبيقها وتقترح ما تراه بشأنها، بما في ذلك إعداد مشاريع أنظمة جديدة إذا تطلب الأمر ذلك، والرفع بمشاريع الأنظمة الجديدة خلال مدة لا تتجاوز بأي حال من الأحوال ستة أشهر. إن هذا التعميم السامي، الذي يتضمن رؤية إصلاحية بعيدة النظر ويستهدف تطوير وتعزيز البنية النظامية في المملكة، مهم للغاية ويحتاج إلى مزيد من الجهود والعمل المشترك، ونأمل بأن تحرص الجهات الحكومية على تطوير أنظمتها وخصوصا القديمة منها بما يحقق المصلحة الوطنية وليس مصلحتها القطاعية، وأن تشرك المواطنين والمستفيدين ومؤسسات المجتمع المدني في العملية التنظيمية، كما نأمل من الجهات العليا التي تتولى مهمة السلطة التنظيمية بأن تواكب ما قضى به التوجيه الكريم وتكثف جهودها في العمل على مراجعة وتطوير مشروعات الأنظمة المرفوعة لها وما سيرفع لها من الجهات الحكومية، وأن تعجل في إكمال الإجراءات اللازمة لإقرار مشروعات تلك الأنظمة خصوصا التي استغرقت مراجعتها وتطويرها وقتا طويلا تجاوز بعضها سبع سنوات. ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى الأمر الملكي الصادر بتاريخ 2/10/1424ه الذي أصبح بموجبه مجلس الشورى مخوّلاً باقتراح مشروع نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ، إضافة إلى مراجعة وتطوير ما يرده من مشروعات أنظمة من رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي يشارك الجهات الحكومية في تحمل مسؤولية تطوير الأنظمة بما يواكب المستجدات وعلى نحو يحقق المصلحة العامة، ونأمل من مجلس الشورى أن يكثف جهوده ويفعل دوره في وضع مشروعات أنظمة جديدة أو تقديم مقترحات لتعديل أنظمة قائمة وليس الاكتفاء بمراجعة مشروعات الأنظمة التي تقترحها الجهات الحكومية. صحيح أن لمجلس الشورى بعض المبادرات في هذا الخصوص ولكنها لا تزال قليلة ولا ترقى للدور الذي يتطلع إليه المواطنون من هذا المجلس الموقر الذي يمثلهم بجميع مناطقهم وأطيافهم، ويعقدون عليه آمالاً كبيرة بصفته الجهة التي يؤمل منها أن تتولى مهمة السلطة التنظيمية بصفة أساسية في نهاية المطاف. نقلا عن الاقتصادية