* * * إعداد صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم * * محاضرة نظمتها الجمعية العلمية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم وألقيت بمركز الملك خالد الحضاري في مدينة بريدة مساء يوم الثلاثاء 3/7/1431ه* * * * * * بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ وحدَهُ والصلاةُ والسلامُ على مَن لانبيَّ بعدَهُ نبيَّنا محمدٍِِ وعلى آلِه وصحبِه وبعد : ***** أَيُّها الإخوةُ الأفاضل يَطيبُ لي في هذهِ الأمسية الطيبة أَنْ اَلْتقِيَ بكُمْ للحديثِ حولَ النظامِ الأساسِيَّ للحكمِ ، من خلال هذه الورقةِ ، تلبيةً لدعوةٍ تلقّيتُها من الجمعيةِ العلميةِ السعوديةِ للدراساتِ الفكريةِ المعاصرةِ بكليةِ الشريعةِ والدراساتِ الإسلاميةِ بجامعةِ القصيمِ فالشكرُ لهم على تنظيمِ هذا اللقاءِ العلميَّ وعلى إحسانِ الظنَّ بأخيهِم كما أَشكُركُم جمِيعاً على حُضُوركُمُ الذي يُدلُّ على اهتمامِكُم . * ***** وقد قَسًمْت الحديثَ في هذا الموضوعِ على مِحورين ومقدمةٍ وخاتمةٍ وأَبدأُ بالمقدمةِ التي تُعطِي خَلفيةً نظريةً وتاريخيةً عن هذا الموضوع . * * * * * * * * * * قراءةُُ ُ في النظامِ الأساسِيَّ للحُكْم مقدمة* ***** إِنّ مِن أهمَّ سماتِ الدولةِ المعاصرةِ أنها " دولةُ الأنظمةِ والمؤسسات " فقد تعاظَمَ دورها في مجتمعِنا المعاصرِ وتزايدَ تدخُّلّها في جميعِ أمور المجتمعِ بالقَدْرِ الذي جعلَها في بعض الحالاتِ السلطةَ المهيمنةَ والمنسّقةَ لكافةِ الوظائفِ السياسيِة والاقتصاديِة والاجتماعيةِ والثقافية . * ***** والدولةُ العصريةُ تنهضُ بهذهِ الوظائفِ المتعددِة والمتنوعةِ من خلالِ أجهزتِها ومؤسساتِها السياسيةِ والتنظيميةِ والقضائيةِ والتنفيذيةِ ، ومِنْ هنا أصبحتِ السمةُ اللازمةُ والمميزةُ للدولةِ الحديثةِ – أنها دولةُ مؤسساتٍ يعتمِدُ بناؤُها وتأصيلُ سُبُل النُّمُوّ والتجديدِ الحضارِيَّ فِيها اِعتماداً أساسياً على كفاءةِ مؤسساتها وفعاليتها . * ***** ويُعَدُّ النظامُ المؤسَّسِيُّ الفعّالُ تجسيداً حَيّاً لفكرٍ ومنهجيةٍ متكاملةٍ لِنُظُمِ العمل وأساليبه ، وهو تعبيرُ ُ فكريُّ ُ عن إدارةٍ مُجتمعيةٍ ، ومحصَّلةُ ُ لقناعاتِ المجتمع وطموحاتهِ في كيفيةِ مواجهةِ التنميةِ والتجديدِ الحضاريَّ ويُمثَّلُ الإيماُن بالعملِ ، من خلالِ المؤسساتِ ، مرحلةً هَامَّةً مِن مراحلِ تطوُّرِ المجتمعِ ، ومنعَطَفاً حاسِماً في مسيرتِه الحضارية . * * * * * * ولَمّا كانَ من أبرزِ خصائصِ الدولةِ الإسلاميةِ أنها دولةُ ُ عَقَدِيةُ ُ ، يقومُ بناؤُها على عقيدةِ التوحيد " ، ومِن هذه العقيدةِ تَسْتَمِدُّ تَصوُّرها للوجودِ ، ونَظْرَتَها للكونِ والحياةِ والإنسانِ ، فإنها تعتمدُ في أحكامِها ونُظُمِها التشريعيةِ والخُلُقيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ على هذه العقيدةِ المركزيةِ ، ومنها تَسْتَمِدَّ أُصولَ نهجِها في السياسةِ والحُكْمِ ، وفي جميعِ المعاملاتِ والعَلاقات . * ومُقتضَى عقيدةِ التوحيدِ فيما يتعلقُ بأمورِ السياسةِ والحكمِ ، أَنْ تَخْضَعَ الدولةُ لشريعةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ في أعمالِها وتَصرُّفاتِها وأنظمتِها وسائرِ شُؤونهِا وعلاقاتِها وسياساتِها الداخليِة والخارجيةِ ، قال اللهُ تعالى . " وهُوَ اللهُ لاإلهَ إلا هُوَ لهُ الحمدُ في الأولىَ والآخرةِ ولَهُ الحُكْمُ وإليهِ تُرْجَعُونَ " ( القصص : 70 ) وقالَ سبحانَه:" إِنِ الْحُكْمُ إلا للِه أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذَلِكَ الدَّينُ القَيَّم ولِكَنَّ أكثَر الناسِ لا يَعْلَمُونَ " ( يوسف: 40 ) * وإذا كانتِ الدولةُ المعاصرةُ هي التي أَوجدتْ قوانِينهَا وأخضعتِ الجميعَ لهذهِ القوانيِن ، ومِن ثَمَّ أُطْلقَ عليها ( دولةُ القانونِ ) فإنَّ الدولةَ الإسلاميةَ وسُلُطَاتِها العامةَ وليدةُ الشرعِ الإسلامِيَّ ومِنْ صُنْعِه ، وليستْ هي التي أوجَدَتْ الشرعَ ، وبِناءً على ذلك يُمْكِنُ أن نصفَها بأنها ( دولةُ الشريعة ) بمعنى أن الجميعَ فيها حُكاما ومحكومينَ يَخْضعونَ لأحكامِ الشرعِ الإسلامِيّ ، وبذلك يتحققُ مبدأُ الشرعيةِ الإسلاميةِ ، فتكونُ شريعةُ اللهِ هي الحَاكمةَ ، وتسودُ جميع َمناحِي الحياةِ في الدولةِ الإسلاميةِ ، تَحْكُمُ بِهِ ، وتتحاكَمُ إِليه ، وتَلْتَزِم * * بأحكامِه في كُلّ شؤونِها وأنشطَتِها ، وفي مُختَلفِ جوانِبِها وسُلطاتِها وأنظمتِها ، وتستمدُّ منهُ أمورَ الدينِ والدنيا مِن العقائدِ والعباداتِ والمعاملاتِ والقِيَمِ والأخلاقِ ، ويَنبِثقُ مِنهُ كلُّ ما يَصْدُرُ في الدولةِ من أنظمة وسياسات ولوائح وإجراءات وتجدد ونقلة أهداف الدولة ومهامَّهَا وحقوقَها وواجباتِها إِزاءَ رعاياها ، وتتشكلُ على ضَوْئِهِ سُلُطاتُ الدولةِ وحُدودُ كُلَّ مِنها ونِطاقهَُا واختصاصاتُها ومسؤولياتُهاْ . * ولما كانتِ الدولةُ السعوديةُ قد أخذتْ على نفسِها منذُ نشأتها الأُولى وكذلكَ عندَ إعادِة تأسيسِها على يدِ المؤسسِ الملك ِعبدِالعزيزِ رحمَهُ اللُه أن تلتزمَ بتطبيِق شريعةِ الإسلام في جميعِ شؤونِها، فقد نصَّ نِظامُها الأساسيُّ للحكمِ الصادرِ عامَ أثنَيْ عشرَ وأربعمَائةٍ وألفٍ بكَلِ قوةٍ ووضوحٍ على هذهِ المسألةِ في مادتِهِ السابعةِ كما يلي : " يَسْتمِدُّ الحكمُ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ سلطَتَهُ من كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه ، وهما الحاكمانِ على هذا النظامِ وجميعِ أنظمةِ الدولة " . * ويُعدُّ صدورُ النظامِ الأساسِيَّ للحكمِ من أبرز ملامحِ المرحلةِ الحالِيّةِ من مراحلِ التطورِ السياسِيَّ والاجتماعيَِّ للمملكة العربيةِ السعوديةِ ، وهي مرحلةُ ُ يمكِنُ أن نطلِقَ عليها ( مرحلةَ التطويرِ وإعادةِ بناءِ الأنظمةِ والمؤسسات ) ، فقد شهدتِ المملكةُ في العِقْدينِ الأخيرينِ تطوُّراً سياسياً وتغيراتٍ اجتماعيةً ، وإصلاحاتً إداريةً وتنميةً اقتصادية واجتماعية وتعليميةً ، نقلتِ الدولة َ والمجتمعَ إلى مرحلةٍ متقدمةٍ منَ النهضةِ الحضاريةِ في مختلَفِ المجالات ، وقد واكبَ هذه التطوراتِ وتزامنَ معها تَطوُّرُ ُ آخرُ في مجالِ بناءِ الأنظمةِ والمؤسساتِ ، وكان هذا التطوّرُ التنظيمِيُّ ضرورِيّاً لكي تنهضَ الدولةُ بوظائِفِها في المجتمعِ وتَلْبيةَ حاجَاتِه وتطلعاتِهِ المتجددة . * وهذا الارتباطُ بينَ التغيراتِ الاجتماعيةِ والتطورِ التنظيِميَّ في المجتمعات المعاصرة أكدته بعض الدراسات الاجتماعية والقانونيةِ وخاصّةً تلك الدراساتُ المتعلقةُ بتطورِ الأنظمةِ والقوانينِ ، ودراساتُ علمِ الاجتماعِ القانونِيَّ التي تركزُ على عَلاقةِ التأثيرِ المتبادَلِ بين المجتمعِ والنظامِ ( القانون ) ، فالأنظمةُ تتأثرُ في نشأتِها وتَطَوُّرِها بعوامِلَ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ تتصلُ بأعرافِ المجتمعِ ونَمَط المعيشةِ السائِد فيِه وتَطَوُّرِّه السياسِيَّ والاجتماعيَّ والاقتصاديَّ ، هذا من ناحية* ، ومن ناحيةٍ أخرى فإن الأنظمةَ تؤدّي دورا هامَّا في حياةِ المجتمعِ وتنسيقِ فَعّالياتِهِ وأنشِطَتِه وتحقيقِ الضبطِ الاجتماعِيّ والوفاءِ بمُتَطَلبَّاتِ تحقيقِ التطوُّرِ والنُّمُوَّ السياسيَّ والاقتصادِيّ والاجتماعِيّ . * ومع أن فكرةَ وضعِ أنظمةٍ أساسِيّة ، وبناءَ المؤسساتِ الحكوميةِ قد ظهرت منذُ توحيدِ البلادِ على يدِ المؤسسِ الملكِ عبدِالعزيزِ رحمهُ اللهُ كما سنرى بعد قليل ، فإنَّ المملكةَ قد دخلتْ مرحلةً جديدةً من مراحلِ التطورِ في العمليةِ التنظيميةِ وبناءِ المؤسساتِ السياسيةِ بصدورِ النظامِ الأساسِيَّ للحكم ، ونظامِ مجلس الشورى عامَ أثنَيْ عشرَ وأربعمائةٍ وألف وصدورِ نظامِ مجلسِ الوزراء عامَ أربعةَ عشرَ وأربعمائةٍ فقد شكّلَ صدوُر هذه الأنظمةِ الثلاثةِ حركةً تنظيميةً تطويريةً شاملةً ، كما أنه ساعدَ على تحديدِ أهمَّ ملامحِ العملِ التنظيميَّ في المملكة العربية السعودية . وتَرْسيخِ أُسُسِ السلطةِ التنظيميةِ ، وذلكَ من حَيْثُ الأدواتُ التنظيميةُ ، وعلاقةُ فروعِ السلطةِ التنظيميةِ بعضُها ببعضٍ وعلاقةُ هذه السلطةِ بسلطاتٍ الدولةٍ الأخرى . * * كما أنهُ بصدور هذه الأنظمةِ ، ومعها نظامُ المناطقِ الصادرُ في العامِ نفسِه أثنَىْ عشرَ وأربعمائَة وألفٍ 1412ه دخلتِ المملكةُ مرحلةً سياسيةً جديدةً هامةً في تاريخِها المجيد ، فالنظامُ الأساسيُّ للحكمِ يُعَدُّ وثيقةً سياسية هامةً أكدت على أن الشريعةَ الإسلاميةَ هي عِمادُ النظامِ السياسِيَّ ومَصْدَرُهُ والحاكمةُ عليهِ وعلى الجميعِ ، حُكَّاما ومحكومينَ ، وأن مجلسَ الملكِ ووليَّ العهدِ مفتوحانِ لكلَّ من له شكوى أو مَظْلَمةُُ ُ . ونظامُ مجلسِ الشورى وسَّع قاعدةَ اتخاذِ القرار، ويُعَدُّ ذلك مظهرا هامًّا من مظاهرِ المشاركةِ السياسية . ونظامُ مجلسِ الوزراء تَضَمَّن صلاحيات ٍ واسعةً للمجلسِ في الأمورِ التنفيذيةِ والتنظيميةِ تُمَكَّنُهُ من أَداءِ مهامَّهِ فيما يتعلقُ بالإشرافِ والتنظيمِ والإدارة . ونظامُ المناطقِ أحدثَ تغييراتٍ كبيرةً في الحكمِ المحِليَّ يمنحُ أمراء المناطقِ صلاحياتٍ أوسعَ ويُتيحُ المجالَ أمامَ مشاركةٍ منظمةٍ للأهالي . * * ومن الواضحٍ أن هذهِ الأنظمة كُلَّها مستمدةُ ُ من الشريعةِ الإسلاميةِ ولم تأتِ من فراغ ، بل إنها توثيقُ ُ وصياغةُ ُ لأمرٍ واقعِيًّ معمولٍ به . وقد أشارَ الملكُ فهُد رحمَهُ اللهُ في كلمتِهِ بمناسبةِ صدورِ هذه الأنظمةِ إلى أنها ستكون " خاضعة للتقويم والتطوير حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها " كما حرص – رحمه الله على التأكيد على " أن هذه الأنظمة وضعت بعد دراسات دقيقة ومتأنية من قبل نخبة من أهل العلم والرأي والخبرة وقد تم الأخذ في الاعتبار وضع المملكة المتميز على الصعيد الإسلامي والعربي وتقاليدها وعاداتها وظروفها الاجتماعية والثقافية والحضارية " . * كما أن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسيدي سمو ولي عهده الأمين وسيدي النائب الثاني – يخطون نفس الخطي في مبدأ التطوير والتقويم لكل أنظمة الدولة واستحداث مايستلزمه مستجدات العصر . * وبعد هذه المقدمة النظرية والتاريخية عن نشأة هذه الأنظمة الأساسية وأهميتها نركز الحديث الآن حول الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة وهو تقديم قراءة تحليلية للنظام الأساسي للحكم وسنحاول فيها إعمال الفكر لتحليل مضمون مواد هذا النظام لاستخلاص أبرز ملامحه ومرتكزاته الشرعية وأصالته وبعض المبادئ الدستورية التي تضمنها . * وسنتناول هذا الموضوع من خلال المحورين التاليين : * المحور الأول : التعريف بالنظام الأساسي للحكم ، ويشتمل على تعريف لهذا النظام وتحديد نشأته وجذوره التاريخية وأهميته . المحور الثاني : قراءة في النظام الأساسي للحكم ، ونتناول فيه الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة من خلال تحليل بعض مواد هذا النظام واستخلاص مضامينها فيما يتعلق ببعض المبادئ الدستورية التي احتوى عليها . * * * * المحورُ الأولُ : التعريفُ بالنظامِ الأساسِيَّ للحُكْم* أولاً : تعريفُ النظامِ الأساسِيَّ للحكم : * ***** صدَر النظامُ الأساسيُّ للحكمِ – كما سبقتِ الإشارةُ – في عام أثْنَيْ عشرَ وأربِعمائةٍ ، ويتكونُ من تسعةِ أبوابٍ تضمَّ ثلاثاً وثمانينَ مادةً تمتْ صياغَتُها لِتُؤَكَّدَ الثوابتَ والأسسَ التي قامتِ عليها الدولةُ والمجتمعُ في المملكةِ العربيةِ السعودية . * فمن خلالٍ دراسةِ نصوصِهِ نجدُ أنه استندَ إلَي الشريعةِ الإسلاميةِ عندمَا اعتبرَ القرآن الكريمَ والسنةَ النبويةَ المطهرةَ المصدرَيْنِ الأساسيَيْنِ لتنظيمِ الحُكم ، والحاكِمَانِ على هذا النظامِ وجميعِ الأنظمةِ المعمولِ بها في المملكةِ في جميعِ شُئونِ الدولةِ والمجتمعِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتاعيةِ والتربويةِ وغيرِها من المجالات . * وبِناءً على هذه القواد~ والأسسِ حددَ النظامُ هُوِيّةَ الدولةِ والمجتمعِ والمقوماتِ التي يستندانِ إليَها ، كما بينَ شكلَ الحكومةِ ونظامَ الحكمِ وكيفيةَ انتقالِ السلطةِ وأسلوبَ ممارستِها واختصاصاتِ الملكِ وسلطاتِهِ وعَدّدَ السلطاتِ في الدولةِ ونَوْعَها وتكوينَها واختصاصاتِها ودورَها وعَلاقةَ بعضِها ببعض . * كما حدّدَ النظامُ ماهيةَ العلاقةِ بينَ الدولةِ والمواطن : فقد بينَ واجباتِ الدولةِ تجاهَ المواطن وأكدَ التزامَها بتعزيز الوحدِة بينَ أفرادِ المجتمعِ ونبذ الفرقةِ ومحاربةَ الفتنِة كما أوضحَ النظامُ واجباتِ الفردِ تُجَاهَ وطنِهِ ومجتمعِهِ وذلك بالدفاعِ عنهُما والالتزامِ بقواعدِ السلوكِ الديِنيَّ والاجتماعي . * كما تطرقَ النظامُ الأساسِِيُّ للحكمِ أيضاً إلى المبادئِ الاقتصاديةِ والشئونِ الماليةِ التي تحكمُ الدولةَ ، وكيفيةِ تنظيمِ الشئونِ الماليةِ للدولة ، كما نص النظامُ على وجوبِ الرقابةِ على إيراداتِ الدولة ومصروفاتِها ، وعلى الأداءِ الإدارِيَّ للأجهزة الحكومية . * وبِناءً على ماتقدمَ يمكِنُ تعريفُ النظامِ الأساسِيَّ للحُكْمِ بأنه : " مجموعةُُ ُ من القواعدِ العامةِ إلي تبينُ شكلَ الدولةِ والحكومةِ وتكوينَ السلطاتِ واختصاصاتِها والعَلاقاتِ بينَها ، وماهيةَ العَلاقةِ بين الفردِ والدولةِ فيما يتعلقُ بالحقوقِ والواجباتِ والتحرياتِ ، في ضوءِ الشريعة الإسلامية " * ثانياً : نشأتُهُ وجذورُهُ التاريخية :* لقد بادرَ الملكُ عبدُالعزيزِ – رحَمهُ اللهُ – عندَ دخولِه الحجازَ إلى تحديد شكل الحكم ومنهجِه والنظامِ العامّ ِ للبلادِ عندما أصدرَ أولَ بلاغٍ له في 12/5/1343ه الثاني عشَر من جُمادَي الأولىَ عام ثلاثةٍ وأربعين وثلاثمائة وألفٍ معلِناً فيه أن " الأمرَ في البلادِ المقدسةِ شُورَى بين المسلمينَ ، وأن مصدرَ التشريعاتِ والأحكامِ لا يكونُ إلا مِنَ الكتابِ والسنةِ والفِقه " . كما جاء في بلاغٍ آخرَ عامَ 1344ه أربعةٍ وأربعينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ مايلي : " يجِبُ أن يكونَ السلطانُ الأولُ والمرجعُ للناسٍ كافةً الشريعةَ الإسلاميةَ المطهرة " وهذا نَصُّ ُ دُستورِيُّ ُ يكشفُ عن طبيعةِ نظامِ الحكمِ ومنهجِه في التنظيم ، حيث يُبنَى بصفةٍ أساسيةٍ على ضوءِ الشورى ، وجرى تأكيدهُ بصورةٍ أكثرَ تفصيلاً في تعليماتٍ أساسيةٍ للحكم ، فقد أمر الملكُ عبدُالعزيزٍ – رحمهُ اللهُ – بعد مبايعةِ أهلِ الحجازِ له في شهر جُمَادَى الآخرةِ عامَ أربعةٍ وأربعين و ثلاثمائةٍ وألف1344ه *بتكوينِ هيئةٍ تأسيسيةٍ من ثمانيِة أعضاءٍ تم انتخابُهُم بالاقتراعٍ السَّرَّيَّ مِنْ قِبَلِ ممثلينَ عن جميعِ مُدُنِ الحجاز ، وذلك لوضعِ تنظيمٍ للحكم . وخلالَ سبعةِ أشهُرٍ من تكويِنها تم وضعُ التعليماتِ الأساسيةِ للمملكةِ الحجازية ، وصدرت موافقةُ الملكِ عليها بتاريخ : 12/2/1345ه واحد وعشرين من صفر عام خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف تتكونُ من تسعةِ أقسامٍ تنظمُ جميعَ السلطاتِ في المملكةِ الحجازيةِ حينَها تنظيماً تفصيلياً . * ومما يَسْتَحِقُّ الملاحظةَ بإعجاب ، أن هذهِ التعليماتِ الأساسيةَ تم إِعْدادُها عن طريقِ هيئةٍ تأسيسيةٍ ، معظمُ أعضائها منتَخَبُونَ بالاقتراعِ السرَّيَّ والبعضُ الآخرُ معيَّنُونَ وذا الأسلوبُ يعدُّ من أرقَى أساليبِ إعدادِ الدساتير . * وبذلكَ يتضحُ أن التنظيمَ الشاملَ للحكمِ وأجهزتِهِ العامةِ قد بدأَ في مرحلةٍ مبكرةٍ جداً بصدورِ هذه التعليماتِ الأساسيةِ للحكمِ عام خمسةٍ وأربعين وثلاثمائة وألف 1345ه ومع ذلك فإن فكرةَ تطويرِ هذا التنظيمِ قد أعقَبْتهُ بفترةٍ قصيرةٍ جداً ، فقد تضمنَ الأمرُ الملكيُّ الذي أصدرَهُ الملكُ عبدُالعزيزِ يرحمُ اللهُ بتاريخ : السابع عشر من جُمادَي الأوَلى عام واحدٍ وخمسين وثلاثمائةٍ وألفٍ 17/5/1351ه وأعلنَ فيه توحيدَ البلادِ باسمِ المملكِة العربيةِ السعودية ، تَضَمّنَ في مادِتِه السادسةِ أنّ على مجلسِ الوُكلاءِ " وضعَ نظامٍ أساسِيًّ للمملكةِ ، ونظامٍ لتوارُثِ العرش ، ونظامٍ لتشكيلاتِ الحكومة " . * وقد أقرَّ مجلسُ الشورى آنذَاكَ في دورِتِه لعام خمسة وخمسين وثلاثمائةِ وألف ٍ 1355ه مسودةَ مشروعِ النظامِ الأساسِيَّ للمملكةِ العربيةِ السعوديةِ ويقعُ في أربعين ومائةِ مادةٍ (140) مادة وتمَّ رفعُهُ للملِك للمصادقةِ عليه ، ولكنه لم يَصْدُرْ ، ويُعِيدُ بعضُ الباحثينَ السببَ في ذلكَ إلى المتغيَّراتِ والقلاقلِ الدوليةِ ونشوبِ الحربِ العالميةِ الثانية ، بالإضافةِ إلى أن الإمكاناتِ الماديةَ للمملكةِ في ذلكَ الحينِ لم تكنْ بالقدرِ الذي يُمَكَّنُها من توفيرِ مُتطلَّباتِ هذا التطويرِ في مؤسساتِ الدولةِ وأجهزتِها ، ومِن تنفيذِ خُطَطها وبرامِجِها الإنمائيةِ التي كانت تَتطَّلبُ مبالغَ مادية كبيرةً لا تستطيعُ الحكومةُ توفيرَها في ظِلِّ تلكَ الظروف . وقد ظَلّتْ فكرةُ إصدارِ نظامٍ أساسيًّ للحكمِ وتطويرِ مؤسساتِ الدولة ، حاضرةً في فكرِ قادةِ المملكةِ إلى أن أصدَر الملكُ خالدً – رحمهُ اللهُ – في عام أربعمائة وألف 1400ه أمراً ملكياً بتشكيلِ لجنةٍ رفيعةِ المُستوى من عددٍ من الخبراء المختصينَ والمسئولينَ البارزينَ ، لوضعِ كُلًّ مِن النظامِ الأساسِيَّ للحكمِ ونظِام مجلسِ الشورى ونظامِ المقاطعاتِ في صِيغتِها النهائية ، تمهيداً لإقرارِها ووضعِها موضعَ التنفيذ ، وقد تشكَّلَتِ اللجنةُ برئاسةِ صاحبِ السموِ الملِكيَّ الأميرِ نايفِ بنِ عبدالعزيزِ وزيرِ الداخلية ، وقد بَذَلتْ هذه اللجنةُ الموقرةُ جهوداً متواصلةً مِن الدراسةِ والتفكيرِ والمراجعة ، وعندما حانَ الوقتُ المناسبُ صدرَ النظامُ الأساسيّ للحكِم ضمنَ الأنظمةِ الثلاثةِ التي أصدرَها الملكُ فهدُ ً – رحمهُ اللهُ – بالأمرِ الملكِيَّ رقَمْ ( أ / 90 ) بتاريخ : السابع والعشرين من شهر شعبانَ عام أثنَيْ عشرَ وأربعمِائةٍ وألف 27/8/1412ه ، تتويجَّاً لهذه الجهودِ والتوجهاتِ المباركة ، واستمراراً لنهج ِ هذه البلادِ الذي وضعَ أسُسَهُ وأرسَى مبادِئَه على هَدْيِ الكتابِ والسنةِ الملكُ عبدُالعزيزِ – رحمَهُ اللهُ تعالى - . * وقد أكد على ذلكَ الملكُ فهدُ بنُ عبدِالعزيزِ رحِمَهُ اللهُ في كلمتِهِ التي وجهها للمواطنينَ بمناسبِة صدورِ هذه الأنظمة ، عندما بيَّنَ بوضوحٍ وبكلِ قوةٍ أن المملكةَ العربيةَ السعوديةَ قامتْ على منهجِ الإسلامِ الثابتِ الذي لا يخضعُ للتغييرِ والتبديل وقال : " لقد أستدعى تَطوًّرّْ الحياةِ الحديثةِ أن ينبِثقَ عن هذا المنهجِ أنظمةُ ُ رئيسيةُ ُ في عهدِ الملكِ عبدِالعزيز ... وقد استمر العمل بهذا المنهج حتى يومنا هذا .. وإن إصدارنا اليوم للأنظمة الثلاثية توثيقُ ُ لشيءٍ قائِمٍ وصياغةُ ُ لأمرٍ واقعٍ معمولٍ به ... وقد صِيغتِ الأنظمةُ على هَدْيٍ من الشريعةٍ الإسلامية " . وبذلك يتضحُ لنا أن صدورَ النظامِ الأساسِيَّ للحكمِ كان نتيجةً وثمرةً لجهودٍ وتوجهاتٍ بدأت منذ وقتٍ مُبكَّرٍ ، وتم إعدادُهُ وصياغَتُه بعدَ دراسةٍ دقيقةٍ متأنيةٍ مِن قِبَلِ نخبةٍ من رجالاتِ الدولةِ من أهلِ العلمِ والرأيِ والخبرةِ ، فجاءَ بهذا المستوى الرفيعِ من الدقةِ والإِتقانِ . * وجاءت موادُّهُ ونصوصُهُ ُمستمَدَّةً من قواعَد الشريعةِ الإسلاميةِ من أجلِ إرساءِ مبادئَ راسخةٍ سارت عليها الدولةُ منذُ تأسيسِها ، وتلبيةً لظروفِ المرحلةِ ومتطلباتِ التطور السياسِيَّ والاقتصاديَّ والاجتماعي الذي تعيشُهُ البلاد * * * * * * * ثالثاً : أَهَمَّيةُ النظامِ الأساسِيَّ للحكم * ***** يُعدُّ النظامُ الأساسيُّ للحكمِ وثيقةً دُستوريةً هامةً ويُعدُّ صدورُهُ بدايةَ مرحلةٍ هامةٍ من مسيرةِ التطورِ السياسيَّ والتنظيمِيَّ للمملكةِ العربيةِ السعودية * ***** وهذا النظامُ كما يُدلُّ اسمُه هو نظامُ ُ أساسُ ُ وهذا يَعْنِي أمرَيْنِ يوضحانِ أهميةَ هذا النظامِ ومكانتَه وهما : الأمرُ الأولُ : ( من الناحيةِ الشكلية ) : يحتلُّ النظامُ الأساسِيُّ للحكمِ المرتبةَ الأعَلى في هرمِ أنظمةِ الدولة ، مما يُعني أن له علواً على ماعداهُ من أنظمة وهذا معنى مقارباً لما يعرف بمبدأِ سُمُوَّ الدستورِ والذي يُقصدُ به أن للقواعدِ الدستوريةِ مكانَ الصدارةِ والهيمنةِ على جميعِ القواعدِ القانونيةِ الأخرى . * ويمكنُ أن نطلِقَ على هذا " السُّمُوَّ الشكلِيَّ للنظامِ الأساسِيَّ " * الأمرُ الثاني : ( من الناحيِة الموضوعية ) : أنّ الموضوعاتِ التي يُنَظَّمهُا النظامُ الأساسِيُّ للحُكْمِ على درجةِ كبيرةِ من الأهميةِ ، فهو ينظَّمُ شكلِ الدولة ونظامَ الحكمِ فيها ، ويحددُ هُوِيَّتَها وسُلطَاتِها المختلفةَ واختصاصاتِ كُلَّ سلطةٍ والعَلاقةَ بينَها ، كما يحددُ الحقوقَ والواجباتِ العامة ، وبذلك تُعدُّ موادُ النظامِ الأساسِيَّ للحُكْمِ ومضامينُها قواعدَ أساسيةً تُبنَى عليها الأنظمةُ الأخرى ولا تخاِلفُها . * * * ويمكِنُ أن نطلقَ على هذا " السمُوَّ الموضوعِيَّ للنظامِ الأساسي " وبذلك يتضِحُ أن النظامَ الأساسِيَّ للحُكْمِ له أهميةُ ُ قُصوَى في الحياةِ السياسيةِ والتنظيميةِ للمملكةِ ويُشكلُ نَقلةً نوعيةً بارزةً في التطورِ السياسِيَّ والتنظيميَّ للمملكة ، لِمَا أنْطَوَى عليه من تحديدِ هُوِيّةِ الدولةِ والمجتمعِ وبيانِ حقوقِ الراعِي والرعِيّة ، وتنظيمِ العَلاقةِ بينََ سلطاتِ الدولةِ وتحديدِ اختصاصاتِها . * المحورُ الثاني : قراءةُُ ُ في النظامِ الأساسيَّ للحُكْم * سبقتِ الإشارةُ إلى أن النظامَ الأساسيَّ للحكمِ يتكونُ من ثلاثِِ وثمانينَ مادةً ، وقد جاءت هذه الموادُّ موزَّعةً على تسعةِ أبوابِِ تمثلُ أبعادَ هذا النظامِ وموضوعاتهِ وهذه الأبوابُ جاءت بالعناوينِ التالية : البابُ الأولُ : المبادئُ العامة . البابُ الثانِي : نظامُ الحُكم . البابُ الثالثُ : مقوماتُ المجتمع . البابُ الرابعُ : المبادئُ الاقتصادية . البابُ الخامسُ : الحقوقُ والواجبات . البابُ السادسُ : سُلُطات الدولة . البابُ السابعُ : الشُّئون المالية . الباب الثامنُ : أجهزةُ الرقابة . ***** والحقيقةُ أننا لا نستطيعُ في الوقت المخصصِ لهذه المحاضرةِ أن نقدَّمَ قراءةً تحليليةً مفصلةً لما اشتملَ عليه هذا النظامُ من موادٍّ ونصوصٍ تناولت موضوعات عديدةً سبقتِ الإشارةُ إليها بشكلٍ مجملٍ عندَ تعريفِ النظامِ الأساسِيَّ للحكم . ***** ولذلك سوفَ نركزُ فيما يلي على تحليل مضمونِ موادّ هذا النظامِ فيما يَتعّلقُ ببعضِ المبادِئِ الدستوريةِ التي احتواها ، وذلك من خلالِ تناولِ العناصرِ الثلاثةِ التاليةِ : أولاً : هُوِيّةُ الدولة . ثانياً : نظامُ الحكم . ثالثاً : السلطاتُ العامة . * أولاً : هُوِيّةُ الدولة : حددَ النظامُ الأساسيُّ للحكمِ في مادتِهِ الأولى هُوِيّةَ الدولةِ وشَكْلَها وسماتَها العامةَ ، فهو يُعَرّفُ المملكةَ العربيةَ السعوديةَ بأنها : دولةُُُ ُ عربيةُ ُ إسلاميةُ ُ ذاتُ سيادةٍ تامةٍ دينهُا الإسلامُ ودستورُها كتابُ اللهِ وسُنةُ رسولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم . ·* فأما عروبةُ المملكةِ فهي نتيجةُُ ُ لقيامِ الدولةِ السعوديةِ على أرضِ شبهِ الجزيرةِ العربيةِ مهدِ العربِ وموطنِهم منذُ القدم . ومن هنا كان للدولةِ توجُّهاتُها العربيةُ التي تقتضيها هذه السمة ، ومن ذلكُ اشتراكهُا في الاتفاقيات التي تُنظمُ العملَ العربيَّ المشترك ، ومن أبرزِها ميثاقُ جامعةِ الدولِ العربية ، إِذِ المملكةُ من الدولِ المؤسسة لهذا الميثاق . ·* وأما دينُ الدولةِ فمن المعلومِ أن أعظمِ نعمةٍ امتنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ بها على هذه البلادِ هي نعمةُ الإسلام وأَن جعلَها مهبِطَ الوحيَّ ومنَبَع الرسالةِ وقبلةَ المسلمينَ ، وأرضَ الحرمَيْنِ الشريفينِ . وقد جاء النظامُ الأساسيُّ للحكمِ مؤكَّداً الثوابتَ والأسسَ الشرعيةَ التي قامت عليها الدولةُ السعوديةُ واعتمادهَا على شرعِ اللهِ عزَّ وجلَّ والتقيُّد به في جميعِ مناشطِ الدولة . * وموادُّ النظامِ الأساسيَّ لحكمِ التي تؤكَّدُ على التمسكِ بهذا المنهجِ كثيرةُ ُ فبالإضافةِ إلى المادةِ الأولى التي أشرْنَا إليها قبل قليلٍ نجدُ أنَّ المادةَ السادسةَ تنُصُّ على أنَّ البيعةََ للملكِ إنما تكونُ على كتاب الله تعالَى وسنةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أكدت المادة السابعة على مايلي يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحكمانِ على هذا النظام وجميعِ أنظمةِ الدولة ( ويلاحَظُ أن هذا النصَّ هو أقوى قاعدةٍ دُستوريةٍ وأعلاها ، ولا يجوزُ المساسُ بها عَلى أيّةِ حالٍ من الأحوال . * ***** وكذلك نصتِ المادةُ الثامنةُ على أنْ يقومَ الحُكمُ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ على أساسٍ العدلِ والشورى والمساواةِ وِفْقَِ الشريعةِ الإسلامية ) . ***** ولما كانتّ حراسةُ العقيدةِ وخدمةُ الإسلامِ والمسلمينَ من أهم واجباتِ الدولةِ في النظامِ الإسلامِيَّ فقد حَرَصَ النظامُ الأساسيُّ للحكمِ على تأكيدِ هذا الواجبِ والتزامِ الدولةِ به فنصَّ في موادَّه الثالثة والعشِرينَ والرابعةِ والعشرينَ والخامسةِ والعشرينَ على التوالي على التزامِها بأداء الوظائف التالية : أولاَ : حمايةِ عقيدةِ الإسلامِ ، وتطبيقِ شريعتهِ ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ والقيامِ بواجبِ الدعوةِ إِلى اللهِ تعالى . ثانياَ :إعمارِ الحرمِيْنِ الشريفينِ وخدمتِهما ، وتوفيرِ الأمنِ والرعايةِ لِقاَصِدِيِهِما ، وتمكينهِم من أداءِ الحجّ ِ والعمرةِ والزيارةِ بيُسْرٍ وطُمأنينة . ثالثاَ : تحقيقِ آمالِ الأمةِ العربيةِ والإسلاميةِ في التضامنِ وتوحيدِ الكلمة وفيما يتعلقُ بالإفتاءِ نصتِ المادةُ الخامسةُ والأربعونَ على أن مصدرَ الإفتاءِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ كتابُ اللهِ تعالى وسنةُ رسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم . ***** ونصت المادةُ السادسةُ والأربعونَ على انه لا سلطانَ على القضاةِ في قضائِهم لغيرِ سُلطانِ الشريعةِ الإسلامية . ***** ونصت المادةُ الخامسةُ والخمسونَ على أن يقومَ الملكُ بسياسةِ الأمةِ سياسةً شرعيةً طبقاَ لأحكامِ الإسلامِ وُيُشْرفُ على تطبيقِ الشريعةِ الإسلامية . ***** فهذه المادةُ يجِبُ أن نقِف عندَها ونتأمَّلُها لأهميتهِا وهِي من إبداعاتِ النظامِ الأساسِيَّ للحُكْم ، فهي ترسِمُ للملكِ إطاراً عاماً لمزاولةِ مُهَامَّه واختصاصاتهِ الواسعةِ وِفْقَ منهجٍ شرعِيٍّ لإدارةِ شُؤونِ الحكمِ وتدبيرِ شؤون البلادِ والعبادِ وذلك من خلال العملِ بالسياسةِ الشرعية ، ولذلك فاختصاصاتُ الملكِ تشملُ جميع أوجِه إقامةِ المصالحِ وجَلْبِها ، ومنعِ المفاسدِ ودَرْأها ، مِمّا يُمكّنهُ من إدارةِ شؤونِ الحكمِ طِبقاً لأحكامِ الإسلام . فالسياسةُ الشرعيةُ هي الوسيلةُ التي تديرُ بواسِطَتِها الدولُة شؤونَ الدولةِ والمجتمعِ إدارةً شرعيةً صالحة وقد عَرَّفها ( عبدُالعال عَطوه ) بأنها : ( فِعْلُ شيءٍ من الحاكمِ لمصلحةٍ يَراها فيما لم يرِدْ فيهِ نصُّ خاصّ ، وفي الأمور التي مِن* شأنِها ألا تَبْقَى على وجهٍ واحِدٍ بل تتغيرُ وتتبدلُ تَبَعاً لتغيُّرِ الظروفِ والأحوالِ والأزمانِ والأمكنةِ والمصالح ) . * * ***** وهذا التعريفُ يَدُلُّ على أَنّ السياسةَ الشرعيةَ لازمةُ ُ لجميعِ شُؤونِ الأُمّة ، مما يَحْتاجُ إليهِ الحكامُ و الولاةُ لتدبيرِ شُؤون الأمةِ بما يُحَقّقُ مصالِحَها المعتبرة شرعاً . ***** كذلكَ نصتِ المادةُ الثانيةُ على ما يلِي ( عِيداَ الدولةِ هُما عيدُ الفطرِ والأضحى وتقويمُها هو التقويمُ الهجرِي ) . ***** ويمثلُ التمسكُ باعتمادِ التقويمِ الهجرِيَّ تَمَيّزاً تنفردُ بِه المملكةُ العربيةُ السعوديةُ ويُظهِرُها بالمظهرِ الإسلامِي ، كما أن اقتصارها في أعيادِها على العِيَدَيْنِ ( الفطر والأضحى ) يُمثلُ مَظْهراً من مظاهرِ هُوّيةِ الدولةِ الإسلاميةِ ، فلا تُعَطَّل العمالُ الرسميةُ ولا الدراسةُ غلا في الأيام المقرّرة نِظاماً بمناسبةِ هَذَيْنِ العيدين . ·* وأما سيادةُ الدولةِ : فَتَعْنِي في المقام الأولِ استقلاليةَ الدولةِ ، وسُلطَاتِها في إصدارِ الأنظمةِ واتخاذِ ما تراهُ من قراراتٍ وتَصَرفاتٍ تهدِفُ إلى تحقيقِ مصالِحها العليا . وبِذلكَ يتبينُ أن النظامَ الأساسِيَّ للحُكْمِ قد أكدَ بِقُوةٍ ووضوحٍ على الهُوِّيةِ العربيةِ والإسلاميةِ للدولةِ والمجتمعِ وعلى سيادةِ الدولةِ واستقلالهِا . * ثانياً : نظامُ الحكم : يبينُ النظامُ الأساسِيُّ للحكمِ في مادتِهِ الخامسةِ ( نوعُ نظامِ الحكمِ وطبيعتُه في المملكة العربية السعودية ) : بأنهُ حُكْمُ ُ ملكِيُّ ُ يكونُ فيهِ الملكِ رئيس الدولة وحاكمها الأعلى ويكون الحكم متوارثً في أبناء الملك المؤسسِ عبدِالعزيزِ وأبناءِ الأبناءِِ ، فقد نصتِ المادةُ المشارُ إليها على ما يأتي : * * ( يكونُ الحكمُ في أبناءِ الملكِ المؤسسِ عبدِالعزيزِ بنِ عبدِالرحمنِ الفيصلِ آلَ سعودٍ وأبناءِ الأبناءِ ، ويُبايَعُ الأصلحُ مِنهم للحكمِ على كتاب اللهِ تعالى وسنةِ رسولِهِ محمدِِ صلى اللهُ عليهِ وسلم ) . ** فلم يَشْترِطِ النظامُ في انتقال المُلْك التقيُّد بالسَّن ، وإنما اشتَرَطَ الأصلحَ للحُكْم ، حيثُ ينتقِلُ الحكمُ إلى الأصلحِ لِتتِمَّ مبايعتُهُ على الكتابِ والسنةِ وقد صدَر نظامُ هيئةِ البَيْعةِ بتاريخِ السادسِ والعشرينَ من رمضان عام سبعةٍ وعشرين وأربعمائةٍ وألف متضمناَ عدداً من الترتيباتِ والإجراءاتِ المتعلقةِ بهذه المسألة وأشار نظامُ الهيئةِ إلى أن الدعوةُ إلى البيعةِ تتمُّ وِفْقاَ لنظامِها والنظامِ الأسِاسيَّ للحكم . ** والبيعةُ تعنِى عملاَ متبادَلا بينَ الحاكِمِ والمحكوم : فعلى الحاكمِ العملُ على تحكيمِ شرعِ اللهِ في عبادِهِ ، وعلى المحكومينَ السمعُ والطاعةُ فيما تمّت البيعةُ عليه ، وهذا ما وضحتْهُ هذه المادةُ المذكورةُ آنِفا ، والمادةُ السادسةُ التي تقولُ ( يبايعُ المواطنون الملكَ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ وعلى السمعِ والطاعةِ في العُسْرِ واليسرِ والمَنْشطِ والمَكْرِه ) . ثالثاً : السلطاتُ العامة : حددَ النظامُ الأساسيَّ للحكمِ سلطاتِ الدولةِ الثلاثَ بشكلٍ واضح ، وحدد مهامَّ كُلًّ منها اختصاصاتِه ومرجِعِيّتَه وذلك في المادةِ الرابعةِ والأربعينَ التي تَنُصُّ على ما يأتي : ( تتكونُ السلطاتُ في الدولةِ منَ : السلطة القضائيةِ ، والسلطة التنفيذيةِ ، والسلطة التنظيميةِ . وتتعاون هذه السلطاتُ في أداءِ وظائِفِها وِفْقا لهذا النظام وغيرِهِ من الأنظمةِ ، والملِكُ هو مرجعُ هذه السلطات ) * وفيما يأتي نشيُر بإيجازٍ إلى هذه السلطاتِ الثلاثِ وطريقةِ تكوينِها واختصاصاتِها : 1.* السلطة القضائية : رسّخ النظامُ الأساسيُّ للحكمِ مبدأَ استقلاليةِ القضاء حيثُ أكدَ في المادة السادسةِ والأربعينَ على أن القضاءَ سُلطةُ ُ مستقلةُ ُ ولا سُلطان على القضاةِ في قضائِهِم لغيرِ سُلطانِ الشريعةِ الإسلاميةِ . ثم أكدَ على حقّ التقاضِي في مادتِهِ السابعةِ والأربعينَ ، على أنّ حقَ التقاضِي مكفولُ ُ بالتساوِي للمواطنينَ والمقيمينَ في المملكة . * وبينتِ المادةُ الثامنةُ والأربعونَ المَرْجِعَ الذي يستندُ إليهِ القضاةُ في المملكة ، حيثُ نصتْ على أن تطبَّق المحاكمُ على القضايا المعروضةِ أمامَها أحكامَ الشريعةِ الإسلاميةِ وِفْقا لما نصَّ عليه الكتابُ والسنةُ وما يُصْدِره وليُّ الأمرِ من أنظمةٍ لا تتعارَضُ مع الكتابِ والسنة . وهذا النصُّ فيه تأكيدُ ُ على مبدأِ المشروعيةِ بأن تكونَ الحاكميةُ لشريعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ . وقد حددتِ المادةُ التاسعةُ والأربعونَ جهةَ التقاضِي وقصرتْهُ على جهتين : جهةِ القضاءِ العامَّ ، والأخرى جهةُ القضاءِ الإدارِيّ ، وجعلتْ للقضاءِ العامِّ الاختصاصَ في الفصلِ في جميعِ المنازعاتِ والجرائِمِ إلا ما يُجْعَلُ منها لديوانِ المظالِمِ بموجِبِ نظامِهِ أو أيَّ نظامٍ آخر . 2.* السلطةُ التنفيذية : تتمثّلُ السلطةُ التنفيذيةُ في مجلسِ الوزراء ، وقد جعلَ النظامُ رئاسةَ هذه السلطةِ للملكِ ، وإعطاُه صلاحياتٍ واسعةً فيما يتعلقُ بالشئونِ الداخليةِ * * * والخارجيةِ وتنظيمِ الأجهزةِ الحكوميةِ والتنسيقِ فيما بينهَا ، وللملكِ بحكمِ رئاستِهِ للسلطةِ التنفيذيةِ حقُّ تعيينِ الوزراءِ الأعضاءِ في مجلسِ الوزراءِ الذينَ يُعَدُّنَ مسئولينَ بالتضامنِ أمامَهُ عن تطبيقِ الشريعةِ الإسلاميةِ والأنظمةِ والسياسةِ العامةِ للدولة . 3.* *السلطةُ التنظيمية : تُعدُّ السلطةُ التنظيميةُ أهمَّ مظاهرِ سيادةِ الدولة ، وبها يتحدّدُ منهجُ الدولةِ ومسلَكُها العامُّ وسياستُها في رعايةِ الحقوقِ والمصالحِ . وقد جاء النظامُ الأساسِيَّ للحكمِ بتحديدِ أهمِ المعالِمِ الرئيسيةِ للسلطةِ التنظيمية ، وجعلَ لها الاختصاصَ بِسَنَّ الأنظمةِ واللوائحِ معَ تحديدِ هَدَفِها والمرجعيةِ التي تتقيّدُ بها وتستنِدُ إليها ، فحدّدَ هدفَها في جلبِ المصالحِ ودرءِ المفاسدِ في شؤونِ الدولة ،وقَيّدها بمرجعيةٍ واحدةٍ لا تتعدها ولا تتخطاها وهي أحكامُ الشريعةِ الإسلاميةِ ، فنصتِ المادةُ السابعةُ والستونُ من النظامِ الأساسيَّ للحكمِ على أنْ ( تختصَّ السلطةُ التنظيميةُ بوضعِ الأنظمةِ واللوائحِ فيما يحققُ المصلحةَ أو يرفعُ المفسدةَ في شؤونِ الدولةِ وفْقاً لقواعد الشريعة الإسلامية وتمارس اختصاصاتها وفقاً لهذا النظامِ ونظامَيْ مجلس الوزراءِ ومجلس الشورى ) ***** ويعدُّ إسناد السلطةِ التنظيميةِ إلى جهتينِ هما مجلسُ الوزراءِ ومجلسُ الشورى من الأمورِ الجديدةِ التي جاء بها النظامُ الأساسي للحكم ويُضَمُّ إليهما الملكُ باعتبارِ اشتراطِ موافقتِهِ على ما تتصُدُرهُ تلك السلطة . * * * ***** ومع أن السلطةَ التنظيميةَ محصورةُ في مجلسي الوزراءِ والشورى فإنّ هناكَ جهةً ذاتَ أهميةٍ بالغةٍ في العملِ التنظيميَّ وهي هيئةُ كبارِ العلماءِ وإدارةِ البحوثِ العلميةِ والإفتاءِ ، فالهيئةُ تمثلُ المراجعَ المعتَبَر لمراجعةِ أنظمةِ الدولةِ قبلَ صدورِها ، فهي المرجعيةُ الدينيةُ العليا في البلادِ ، وتقومُ بدورٍ هامً في بيانِ الحكمِ الشرعِيَّ في الأمورِ العامة كما أنها المرجِعَ المعتَبَر فيما قدْ يُشْكِلُ من الحوادِثِ والنوازِلِ والوقائِعِ والتغيراتِ التي تتعرضُ لها الأمة ولتوضيح الدورِ الهامَّ للفقهاءِ وعلماءِ الشريعةِ في أعمالِ السلطةِ التنظيميةِ تجدُرُ الإشارةُ إلى أن للتنظيمِ ( سَنّ الأنظمةِ واللوائح ) قناتَيْنِ : الأولى : علميةُُ ُ ذاتُ صِبغةٍ شرعية . الثانية : تنظيميةُ ُ ذاتُ صبغةٍ شرعية . فالأولى يقومُ عليها علماءُ الشريعة الراسخونَ في العلم ، ومهمتهم تعليمُ الناسِ أمورَ دينِهم ، وبيانُ أحكامِ الشريعةِ للعامّةِ والخاصة . والقناةُ الثانيةُ للتنظيم : أصحابُ التخصصاتِ العلميةِ والخبراتِ العمليةِ المتنوعةِ وهُم أهلُ الشورى . وقد بَيّن نِظَامُ مْجلِسِ الشورى في المملكةِ شُروطَ العُضْويةِ ، ومُدةَ العُضْوِ وصلاحياتِه ، كما بّينَ اختصاصاتِ المجلس وصلاحياتِه .. * قراءة فكرية في نصوص النظام الأساسي للحكم : سنتوقف عند عدد من المحددات الفكرية التي أسهمت في تبني المملكة العربية السعودية هذا النظام لقد بدأ النظام الأساسي بالتأكيد على مبدأ الدولة وهو ( * * تمثل الدعوة الإصلاحية التي قامت على أسسها الدولة السعودية الركيزة التي اعتمد عليها الحكم فيها وتقوم تلك الدعوة على أساس إقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية ، وإصلاح العقيدة وتنقيتها من البدع وهي بذلك تستمد مبادئها من المبادئ الإسلامية الصحيحة التي كانت سائدة في صدر الإسلام . وأي قراءة فكرية للنظام الأساسي للحكم يجب أن تأخذ في حسبانها مايلي : 1.* خصوصية المكان المتمثل في مهبط الوحي وقبلة المسلمين . 2.* خصوصية الدولة التي تأسست على الدعوة وتصحيح العقيدة . 3.* خصوصية المجتمع المحافظ . 4.* المسؤولية تجاه الإسلام والمسلمين . وهذا يعنى أن هناك محددات مهمة تقوم عليها الدولة تمثلت في الآتي : 1.* إقامة الشريعة الإسلامية وتطبيق مبادئها 2.* الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكر . 3.* العقديةِ الصحيحة . 4.* متابعةِ السلفِ الصالح في صحةِ الاعتقاد . وقد أدتْ هذه المحدداتُ إلى أن تتخِذَ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ القرآنَ الكريَم دُستورا لها ، فهو الصالحُ الشاملُ الذي لا يأتيه الباطِلُ من بينِ يَدَيهِ ولا مِن خلفِهِ ، وأصبحتْ بعدَ ذلك تعالِيمُهُ هي مناطَ التعاقُدِ بين السلطةِ والمواطِنُ ، واتضحَ ذلك من خلالِ الآتي : 1.* المحافظةُ على الضروراتِ الخمس . 2.* اللغةُِ العربيةُِ لغةُِ الدولة . 3.* الشريعةُ الإسلاميةُ منهجُ ُ للحكمِ ومَصْدَرُ ُ للأنظمة . 4.* مبدأُ العدالةِ تُحددُهُ النصوصُ الشرعية . 5.* مبدأُ المساواةِ تحددُهُ النصوصُ الشرعية . 6.* استقلالُ القضاءِ في الحكمِ بما أنزلَ الله . 7.* مبدأُ شرعيةِ العقوبة . 8.* مبدأُ شخصيةِ العقوبة ( ولا تَزِرُ وَازِرةُ ُ وِزْرَ أخرى ) . 9. مبدأُ عدمِ رِجْعيةِ النصَّ الجنِائيَّ ( القاعدةُ العامةُ في الشريعةِ الإسلاميةِ أنّ النصوصَ الجنائيةَ لا تسرِي إلا بعدَ صدورِها وعِلْمْ الناسِ بها ، فلا تسرِي على الوقائِعِ السابقةِ على صدورِها أو العلمِ بها إلى إذا كانت أصلحَ للِمُهَّتمِ ، ومُقتضَى هذه القاعدةِ أن النصوصَ الجنائيةَ ليس لها اثرُ ُ رجعِيُّ ُ وأن الجرائمَ يُعاقَبُ عليها بالنصوصِ المعمولِ بها وَقْتَ ارتكابِها ) . 10.****** حَقُّ المُلكية . 11.* حَقُّ الشكوى ( يقولُ اللهُ تعالى : لا يُحِبُّ اللهُ الجهرَ بالسُّوءِ من القولِ إلى مَنْ ظُلِم ( النساء ، الآية 148 ) لِكُلِّ فردٍ حقُّ الشكوى ومخاطبةُ كافةِ السلطاتِ مواطِناً كان أو مُقِيماً ، حتى أعلى المستويات ، إذ يَنُصُّ النظامُ الأساسِيُّ للحُكْمِ في المادة الثالثة والأربعين على أن* مجلسً الملكِ ومجلسَ وليَّ العهدِ مفتوحانِ لكل مُواطنٍ ولكلَّ من له شكوى أو مَظْلَمَةُُ ُ 12.****** ومِن حقَّ كُلِ فردٍ مخاطبةُ السلطاتِ العامةِ فيما يَعْرضُ له مِنَ الشؤون . * * 13.* حَقٌّ الأمْنِ ( وهو كفالةُ سلامةِ الفردِ في شخصِهِ وعِرْضِهِ ومالِهِ فلا يجوزُ الاعتداءُ عليهِ أو تحقيُرهُ أو تعذيبُهُ ، سواءُ ُ كان ذلك مِن الدولةِ أم مِنَ الأفراد ) . 14.* حقُّ الحريةِ الشخصيةِ ( حيثُ تنُصُّ المادة السادسة والثلاثينَ منَ النظامِ الأساسِيَّ لِلْحُكُمِ على أَنْ لا يجوزُ تَقْييدُ تصرفاتِ أحدٍ أو توقِيفُهُ أو حبسُهُ إلا بموجِبِ أحكامِ النظام ، ونصتِ المادةُ الثانيةُ مِنْ نظام الإجراءاتِ الجزائية على أَنهّ لا يجوزُ القبضُ على أَيِّ إنسانٍ أو تَفْتِيشُهُ ، أو تَوقِيِفُهُ أو سَجْنُهُ إلا في الأحوالِ المنصوصِ عَلَيْها نِظاًماً ، وكذلك نصت المادتان الخامسةُ والعشرون والسادسةُ والعشرون من ذات النظامِ . 15.* حُرمةُ اَلمْسكَن ( أكد النظامُ الأساسيُّ للحُكْم في المادة السابعة والثلاثون أن للمساكِنِ حُرمَتَها ولا يجوزُ دخولُها بغيرِ إذنِ صاحِبِها ولا تفتيشُها إلا في الحالات التي يُبَيّنُها النظام ونصتِ المادةُ الخامسة والأربعين والمائةِ مِنْهُ على أن حُرْمةَ المساكنِ مصونةُ ُ فلا يجوزُ دخولُها إلى في أحوالٍ خاصةٍ نَصَّ عليها النظام ) . * * * * * * * * الخاتمه*** ** لقد حاولتُ في هذهِ الورقةِ أن أتعمقَ في تحليلِ مضمونِ بعضِ موادِ النظامِ الأساسِيَّ للحكمِ للتعريفِ به واستخلاصِ توجُّهَاتِهِ وبعضِ خصائِصِهِ وقد تبينَ أنه يُعدُّ أهمَ وثيقةٍ دُستوريةٍ في المملكة ، وجاء هذا النظامُ متميزا بصفاءِ المصدرِ وأصالةِ المنهجِ وسُمُوّ ِ الأهدافِ ، واستمدَّ أصولَه مِنَ الشريعةِ الإسلامية ، مَعَ مُسَايرةِ أعرافِ المجتمعِ السعودِيَّ والمحافظةِ على قِيَمِهِ وأصالتِه ، وهو بذلك يتميّزُ عن بعضِ الدساتيرِ وأنظمةِ الحُكْمِ في البُلدانِ التي تبنت قوانينَ وضعيةًَ تخالِف الشريعةَ الإسلامية . * ***** لقد جاء النظامُ الأساسِيُّ للحكمِ ليُسْهِمَ في ترسيِخ تجربةِ الدولةِ السعوديِة في بناءِ مجتمعٍ يُعَدُّ نَمُوذَجا للمجتمعِ الإسلامِيَّ المعاصرِ المستمسكِ بعقيدةِ الإسلامِ وتطبيقِ شريعتِهِ ، مع الأخذِ في الوقتِ نفسِه بأسبابِ التطورِ العلمِيَّ والتّقنِيَّ في مختلَفِ مجالاتِ الحياة . ***** وفي الختامِ أقوُل : إن هناكَ موضوعاتٍ أخرى هامةً ومبادِئَ دستوريةً اشتملَ عليها النظامُ الأساسِيُّ للحكمِ كالحقوقِ والواجباتِ والحرياتِ العامةِ غيرَ أنّ الوقتَ لا يسمحُ بتناوُلِ جميعِ مَوَادَّ هَذاَ النظامِ وتحليلِها ، ولذلكَ أقترحُ على الباحثينََ والمهتمينَ إجراءَ المزيدِ من البحوثَ والدراساتِ لهذا النظامِ لاكتشافِ سمِاتِه وخصائِصِه الفريدةِ وبخاصّةٍ فيما يتعلَّقُ بالحقوقِ والواجباتِ العامة ، والشؤونِ الاقتصاديةِ والماليةِ ومُقوَّماتِ المجتمعِ وغيرِها من الموضوعات . * ***** كما أَقْتَرِحُ على الجامعاتِ وبخاصةٍ أقسامُ الشريعةِ والسياسةِ والأنظمةِ والإعلامِ ، تخصيصَ مقررٍ لتدريسِ النظامِ الأساسِيَّ لِلحُكْمِ ضِمْنَ خُطَطِها ومَنَاهِجِها الدراسيِة لأهميتها القُصْوَى للدارسِ في هذه التخصصات . * ***** أشكُرُ لكم حُسْنَ إصغائكم * وأخٍرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربَّ العالمين * وصلى اللهُ وسلمَ وباركَ على نبيَّناَ محمدٍ وعَلَى آلٍهٍ وصَحْبِه أجمعين . * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * المراجع والمصادر 1 – **التطور السياسي في المملكة العربية السعودية وتقييم لمجلس الشورى ، فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز ، الرياض ، مكتبة العبيكان 1423ه 2 –* *تطوير أنظمة الحكم والإدارة وجهود التنمية الإدارية في المملكة العربية السعودية ، عبدالرحمن بن عبدالله الشقاوي ، معهد الإدارة العامة 1430ه . 3 – **السلطة التنظيمية في المملكة العربية السعودية ، محمد بن عبدالله المرزوقي ، ****** الرياض مكتبة العبيكان الطبعه الأولى *1425ه . 4 – **المدخل إلى السياسة الشرعية ، عبدالعال أحمد عطوة ، الرياض إدارة الثقافة ****** والنشر بجامعة الإمام 1414ه . 5 – **النظام الدستوري في المملكة العربية السعودية ، عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن شلهوب ، الرياض الطبعة الثانية 1426ه . 6 –* *النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم ( أ/90 ) بتاريخ ******* 27/8/1412ه . 7 – *نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ، وحيد حمزة هاشم ، جده : مكتبة دار ***** جده / الطبعة الأولى 1419ه . 8 – ** النظام السياسي للسعودية ، عبدالله بن إبراهيم الطريقي ، الرياض : دار غيناء * ***** الطبعة الأولى 1429ه . 9 – *النظام السياسي والدستوري للمملكة العربية السعودية ، أحمد بن عبدالله بن باز ، الرياض دار الخريجي ، الطبعة الثانية 1419ه 10 –* *نظام هيئة البيعة الصادر بالأمر الملكي رقم ( أ/ 135 ) وبتاريخ *** *****26/9/1427ه . 11 – وظيفة الدولة الإسلامية في المجال الاجتماعي ، مرزوق محمد العشير ، رسالة دكتوراه بقسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1428ه* .