برهان غليون بروكسل – غسان مفلح لم يعد الشعب السوري هو وحده المهدَّد وإنما شعوب المشرق العربي كلها. البديل عن التدخل العسكري لحسم الصراع هو فتح مسار سياسي للتفاوض. قال المعارض السوري البارز، الدكتور برهان غليون، إن الوضع العسكري للثورة السورية في مواجهة نظام بشار الأسد يحتاج إلى مراجعة جدية في ظل تشتت القوات وغياب القيادة العسكرية المركزية التي ترخي بظلها على كل كتائب الجيش الحر، واصفاً جبهة النصرة بأنها أصبحت جيشاً موازياً للجيش الحر. واعتبر غليون، في حوار ل «الشرق»، اجتماع «جنيف 2» المرتقب إعلاناً جديداً عن العجز الدولي وتعويضاً عن التدخل الإنساني المطلوب لوضع حد للمجزرة اليومية في سوريا، ورأى أن البديل عن حسم الصراع لصالح الشعب السوري كما حصل في ليبيا هو فتح مسار سياسي للتفاوض بموازاة المسار العسكري، وإلى نص الحوار: * هل نستطيع القول إن الدكتور برهان غليون مقتنع بتسمية الربيع العربي رغم نتائجه كلها؟ هل هو ربيع أم تحوَّل إلى خريف؟ قد يحدث في بعض فصول السنة أن تأتينا فترات نعيش فيها الفصول الأربعة في اليوم الواحد، وفي حقبة الانقلابات الثورية هذه تزداد الأيام التي نشهد فيها الفصول الأربعة أو تختلط فيها الفصول كلها، لكن هذه الأيام القليلة تعبِّر عن اختلاطات محدودة ولا تلغي فصول السنة الأربعة، ولا تعكس اتجاهها، نحن في الربيع العربي، في هذه المرحلة، نعيش أياماً أكثر من خريفية، أياماً نشهد فيها الفصول كلها: ساعة من الصقيع الخالص وساعة من النار الحارقة. * الثورة السورية الآن، أين تراها في ظل هذا الفضاء الدولي الذي لا يزال، بشكل أو بآخر، يغطي على جرائم السلطة الأسدية؟ بالنسبة لي، الشعب السوري قهر نظام الديكتاتورية الأسدية منذ أكثر من سنة وقوَّض كل أركانه المادية والمعنوية، وسوريا الحرة، سوريا التي تحررت من قيودها الأسدية، هي التي تواجه اليوم التدخلات الخارجية، وفي مقدمتها التدخل الإيراني من خلال الميليشيات الإيرانية المباشرة أو التابعة لها في لبنان، ولم يعد الشعب السوري هو وحده المهدد وإنما شعوب المشرق العربي كلها، وعلى العرب أن يتحملوا جزءاً من العبء الذي هو نصيبهم في معركة حرية العالم العربي واستقلاله وسيادة دوله في الوقت نفسه، الشعب السوري وحده لن يستطيع أن يقاوم إلى الأبد محوراً مكوناً من روسياوإيران والبلدان العربية التابعة لها والسائرة في مشروع هيمنتها الإمبراطورية، هناك قسط كبير من العبء يقع أيضاً على عاتق الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة التي يتحمل الشعب السوري اليوم، من دون حق، دفع جزء كبير من فواتير أخطائها وسياساتها السابقة في المنطقة، هذه معركة حرية الشعب السوري واستقلاله وسيادته، لكنها تصبح أكثر فأكثر معركة حرية العرب واستقلالهم وسيادتهم أيضاً في وجه التوسع الإيراني والنزوع الإمبريالي الجديد لروسيا المتعطشة للعودة إلى الحرب الباردة وروح إمبراطوريتها السوفيتيه الزائلة. * هل ترى أو لا تزال ترى إمكانية سقوط العصابة الأسدية دون تدخل دولي؟ لم يكن أحد من الثوار مع التدخل الأجنبي على الطريقة العراقية أو الليبية في الشأن السوري لأن السوريين كانوا يعتقدون أنهم بشجاعتهم الأسطورية سيقهرون عدوهم ويجبرونه على الرحيل، وقد نزل الشباب في الشوارع عراة الصدور في أكثر من مرة ليظهروا للنظام أنهم غير خائفين من الموت وأنهم مستعدون لكل الاحتمالات، وقد حققوا ما طمحوا إليه بالفعل وقهروا النظام، وهذا ما استدعى تدخل أسياده ووكلاء أمره وإرسالهم السلاح في جسور جوية أسبوعية، قبل أن يدفعوا بقواتهم البرية، التي ربما تجاوز عددها اليوم 50 ألفاً. لكنني، بالنسبة لي كنت أميز بشكل واضح بين التدخل الأجنبي والدعوة إليه، وفي بعض الأحيان دعوة حلف الأطلسي للتدخل على منوال ما حصل في ليبيا، وبين دعوة الأممالمتحدة لتدخل إنساني لحماية المدنيين على أساس مادة مسؤولية الحماية للشعوب المعرضة لجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية المدونة في ميثاق الأممالمتحدة، وكنت أعتقد أن تدخل الأممالمتحدة في أي شكل جاء يقلل من المخاطر السياسية لتدخل أجنبي في بلد حساس جداً من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية، وهو في حالة حرب مع إسرائيل التي لا يغيب عن أحد التزام الغرب بحماية حدودها ومصالحها. منذ البداية كنا ننادي بحماية المدنيين، وأيَّدنا إرسال قوات الأممالمتحدة لوقف القتال ومراقبة سلوك ميليشيات الحكم الفاشي، لكننا كنا حذرين من طلب التدخل العسكري الغربي، من جهة أولى كي لا تفقد القوة المعنوية والسياسية للثورة السلمية في سبيل تأمين أكثر ما يمكن من الدعم السياسي والإنساني، ومن جهة ثانية لأننا كنا نعرف أيضاً من نقاشاتنا مع الدول الغربية، ونحن لم نكن يوماً من حلفائها، أن سوريا غير ليبيا، وأن هذه الدول لن تضحي من أجلنا كما فعلت في ليبيا، وأن مصالحها في التدخل غير واضحة وغير أكيدة، لم نكن نريد أن نفقد رصيد سلمية الثورة ونغذي أوهاماً حول تدخل لن يحصل، وهذا ما كنت أعنيه عندما كنت أصرح مراراً بأن علينا أن ننزع شوكنا بأيدينا ولا نراهن على الدول الأجنبية، وبإمكانك الرجوع إلى تصريحاتي في تلك الفترة والمرات التي كنت أردد فيها أنه ما حك ظفرك مثل جلدك، وكنت أخشى أن يعتقد الثوار أن التدخل ممكن وقادم، ويركنوا إليه بدلاً من أن يعززوا قدراتهم واستعداداتهم لمواجهة النظام الغاشم، لكن لم يكن أحد يريد أن يسمع في ذلك الوقت صوت الحقيقة، كانت لدى ثوارنا أوهام كبيرة عن استعداد الغرب للتدخل، وكانوا يعتقدون أن غياب التدخل نتيجة فشلنا في إقناعه أو حتى رفضنا له، الآن الأمور واضحة أكثر، اليوم يظهر صواب تحليلاتنا في ذلك الوقت، الأمر الوحيد الذي لم يكن في حسبان أحد، بما في ذلك الأمريكيين أنفسهم، هو الانهيار المعنوي والسياسي الذي حصل، دون علم أحد، حتى الأمريكيين أنفسهم، للإمبراطورية الأمريكية، كنا نقول إن الأمريكيين يتذرعون بالفيتو الروسي حتى يتجنبوا الانخراط في النزاع السوري، خوفاً من إثارة الروس أو تأميناً لمصالح إسرائيل التي يهمها إضعاف سوريا وتدمير بنيتها التحتية، لكن ما ظهر الآن يدل على أن الموقف الأمريكي المتردد والخائر ينبع مما هو أخطر من ذلك، أي من إدراك عميق عند قسم مهم من القيادة الأمريكية، على مستوى النخبة والإدارة معاً، بأن أمريكا لم تعد قادرة على الاستمرار في سياسة الهيمنة الدولية والحفاظ على النفوذ العالمي الواسع. * لدينا ظواهر في الثورة تحتاج لنتوقف عندها، جبهة النصرة وما يقال وينشر حول ما تقوم به كمثال، ما رأيك؟. الوضع العسكري للثورة بأكمله في حاجة إلى مراجعة جدية، لا يمكن التقدم ومواجهة التدخل الأجنبي الواسع إلى جانب النظام من قِبَل إيران وحزب الله وروسيا والعراق دون تجاوز تشتت القوات، وانفصال قياداتها عن بعضها البعض، وضعف التمويل والتموين المركزي المنظم والدوري، وغياب قيادة عسكرية وغرفة عمليات محترفة على مستوى القطر ومستوى المناطق. ومشكلة جبهة النصرة، لا تكمن أساساً في تطرف أيديولوجيتها واختلاف عقيدتها مع عقيدة الجيش الحر فحسب وإنما، أكثر من ذلك، في استقلاليتها، وعدم خضوعها لأي قيادة مركزية سورية، بحيث تتحول إلى جيش مواز أو جيش داخل الجيش الحر، وبهذا المعنى مشكلة النصرة ليست خاصة بها فحسب، ولكنها تشكل جزءاً من مشكلة التشتت والبعثرة وغياب الاندماج والقيادة العسكرية المركزية التي ترخي بظلها على كل كتائب الجيش الحر، لا يهم اعتقاد الأفراد أو الجماعات ومذاهب أعضائها، المهم منظومة العمل والقتال التي تدخل فيها هذه القوى أو تُعد جزءاً منها، ولو وجدت مثل هذه المنظومة، واندرجت كتائب من النصرة فيها، وخضعت للقيادة المركزية، لكانت الأمور أقل خطورة والنتائج أقل سلبية، فمشكلة النصرة هي مشكلة كل الكتائب الأخرى، مع فارق أن النصرة تحظى كما هو واقع بدعم مالي وتسليحي وإعلامي أفضل يمكنها من الحفاظ على استقلاليتها والتوسع في اتجاه جذب عناصر من الجبش الحر المحرومة من الموارد والسلاح إلى صفها، وهكذا أصبحت تشكل، على الرغم من قلة عدد أعضائها، بالمقارنة مع مجمل أعضاء الجيش الحر، جيشاً خاصاً إلى جانب الجيش الحر، لا يتبع قيادة الأخير ولا يؤمن بأهدافه ولا يعمل معه لتحقيق نفس القيم والمبادئ والغايات، هذا الوضع لا يمكن ولا ينبغي أن يستمر، ولا بد من إخضاع جميع القوى المقاتلة في صف الثورة لقيادة مركزية واحدة، وتنظيم عملها حسب خطة واحدة، وأهداف تحددها القيادة السياسية بالدرجة الأولى، وينبغي على القيادة العسكرية، وهي متمثلة الآن في المجلس العسكري الأعلى أن تدخل في مفاوضات مع جميع القوى المقاتلة، بما فيها النصرة، لوضع خطة لتوحيد القوات وتوحيد عقيدتها القتالية والسياسية وعدم القبول بالجيوش الموازية والمنفصلة، ولا يمكن تحقيق برنامج دمج القوات من دون أن تنجح القيادة العسكرية والسياسية معاً في بناء قوة عسكرية مركزية تابعة مباشرة للأركان وقادرة على فرض النظام والانضباط على الجميع. * هذا أيضاً يحيلنا إلى سؤال آخر، هل ترى أن التخوفات سواءً من الغرب أو من الأقليات على مستقبل سوريا مبررة؟ وما هو الرد الفعلي على هذه التخوفات؟ أنا أيضاً متخوف على مستقبل سوريا وحاضرها، كل سوري وطني متخوف مثلي من انتشار الفوضى، ومن عدم الاستقرار ومن احتمال استمرار النزاعات إلى سنوات طوال ومن صوملة بلادنا، لكن ليس هناك ولا يمكن أن يكون تخوف أكبر من أن ينجح الأسد في البقاء في السلطة وأن يستمر حكم المافيا الدولية، ولو حصل لكنا أمام ولادة دولة عنصرية جديدة مشابهة لإسرائيل في معاملتها للسكان الأصليين، وفي رهانها في وجودها على العنف والقسوة الوحشية واعتمادها الرئيس في الدفاع عن نفسها على الارتهان للدول الأجنبية، سنكون في هذه الحالة أمام دولتين استثنائيتين تضعان نفسيهما فوق القانون والعُرف والأخلاق، حليفتين ضد العرب ومشاريع تحررهم جميعاً، إسرائيل التي تعمل تحت مظلة القوة الأمريكية وأداة في يدها للحفاظ على مصالحها الشرق أوسطية ضد أبناء المنطقة وشعوبها، وسوريا الأسد التي ستكون عميلة لروسياوإيران ومنصة للعدوان على الشعوب العربية، وأداة تحييدها وتركيعها لصالح الإمبريالية الروسية والإيرانية الصاعدة. * كيف ترى وضع الجيش الحر وقوى الثورة المسلحة الآن؟ وكيف يمكن إيجاد أساليب وطرق من أجل توحيد التمثيل العسكري للثورة؟ كما ذكرت لا يمكن لحالة التشتت التي تعرفها الكتائب المقاتلة، والموروثة من الحقبة الأولى لتسلح الثوار المدنيين في القرى والأحياء للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم، أن تستمر وتحقق نتائج مطلوبة لحسم المعركة، لا بد من إعادة بناء هيكل القوات وتنظيمها وتدريبها وتحويلها إلى جيش وطني يخضع لسلسلة قيادة واحدة ويتحرك كجسد واحد وعلى ضوء خطط واضحة تحت إشراف عسكريين محترفين وبمشاركتهم الميدانية، المطلوب في الواقع ليس توحيد التمثيل وإنما توحيد القوات نفسها، وإنشاء هيكل قيادة وتحكم وتوحيد موارد الدعم والإشراف الكامل عليها، والحال أن الكتائب المقاتلة لا تزال مستقلة عن الأخرى، ومعتمدة في قسم كبير منها على التمويل الذاتي، أو الخاص، ومفتقرة للقيادات المحترفة المدربة وللخطط الميدانية، والانفصال بين القيادة العسكرية والسياسية مسؤول إلى حد كبير عن ذلك. * ما هو وضع الائتلاف الوطني السوري الآن قبل اجتماعكم المرتقب لانتخاب هيئات جديدة له من جهة، ولماذا لا تترشح لرئاسته من جهة أخرى؟ وضع الائتلاف الآن غير جيد بالتأكيد، والسبب أن روح التكتلات سيطرت عليه ومعها الصراع على توسيع دوائر النفوذ لكل منها، والتزاحم على احتلال مناصب المسؤولية، فزادت شكوك الرأي العام السوري والدولي في مقدرته على القيام بالمهام الملقاة عليه في تمثيل الثورة وقيادتها، ولا يمكن لمن يفتقر للقيادة أن يشكل هو نفسه قيادة لأحد، لكن الائتلاف يعكس أيضاً ضعف خبرة النخب السورية السياسية المعارضة والانقسامات داخل الحراك الثوري المدني والمسلح، وآمل أن يتمكن الائتلاف في اجتماعه القادم من تجاوز نقاط ضعفه والسير بشكل أفضل نحو الاتحاد والعمل الإيجابي وتنمية روح المسؤولية والالتزام، بالنسبة لي لم أغير قراري منذ استقالتي من أول جمعية لحقوق الإنسان في باريس بعد أن أسستها كفرع للمنظمة العربية لحقوق الإنسان عام 1985 وهو أن الابتعاد عن أي منصب مهما كان حتى في الجمعيات الإنسانية رغبة في أن أجنب نفسي النزاع أو الصراع على أي سلطة مهما كانت، الاستثناء الوحيد كان عندما قَبِلتُ أن أتسلم رئاسة المجلس الوطني السوري في سبتمبر 2011 تلبيةً لما بدا لي في ذلك الوقت واجباً وطنياً في خدمة الثورة ورداً على دعم قطاع واسع من الثوار وتأكيدا لالتزامي بثورة الكرامة والحرية التي أنفقت عمري في الدفاع عن قيمها ومبادئها ومفهومها منذ تحرير كتابي الأول عام 1976 (بيان من أجل الديمقراطية.)، ولا أذيع سراً عندما أقول إن تجربتي كانت مخيبة للآمال، لأنني وجدت نفسي تماماً في مواجهة ما كنت أخشاه وما منعني لرفض أي موقع سلطة خلال سنوات طويلة، أعني التشاحن على المناصب والصراع من حول مواقع سلطة رمزية، على حساب القضية الرئيسة والهدف المنشود، لا أعتقد أن الوضع قد اختلف الآن، وتجربة الائتلاف التي رفضت أن أترشح فيه لأي موقع، كانت أكثر سلبية حتى مما عشته في المجلس الوطني ووصل فيه النزاع على النفوذ إلى درجة استدعت تدخل الدول لحله، مع الأسف. * اجتماع «جنيف 2».. ماذا يعنى للدكتور برهان خاصة أن «جنيف1» لم يعط أية نتائج سوى تمديد ما تقوم به مليشيات الأسد من قتل وتدمير، وكيف يمكن للمعارضة السورية أن تعالج الموقف منه؟ هو إعلان جديد عن العجز الدولي وتعويض عن التدخل الإنساني المطلوب لوضع حد للمجزرة اليومية ولهمجية نظام يعمل لصالح دول أجنبية، ورمي الكرة إلى السوريين ليتدبروا أمرهم حسبما يستطيعون، البديل عن التدخل لحسم الصراع لصالح الشعب الثائر كما حصل في ليبيا هو فتح مسار سياسي للتفاوض بموازاة المسار العسكري، لعله يكون بالإمكان التوصل إلى تسوية سورية سورية توفر على الدول مزيداً من الدعم وتخفف ضغط الرأي العام الدولي عن العواصم الكبرى، وتضمن قبل كل شيء مصالح هذه الأخيرة، السوريون جزء من المسألة في جنيف وليس القضية كلها. * أخيراً، الثورة إلى أين؟ ما أصابنا أكبر منا جميعا، ينبغي أن نعترف بذلك، وأن نعمل من منطلقه، وهو أكبر مما أصاب أي مجتمع خلال التاريخ كله، لم يحصل أن انقلبت دولة بكل ما تملك من وسائل عنف وموارد وجيوش وأجهزة على شعبها وصارت قوة احتلال وقررت أن تثخن فيه جراحاً وتدمر بنيته وحضارته وتحوله إلى ركام وتمحو ذكره من التاريخ، وهي التي كان من المفترض أنها قائمة لتحميه وتضمن حقوق أبنائه وسلامتهم، الرد على مثل هذا الوضع ليس سهلاً ولن يكون سريعاً، وهو لا يتجاوز فقط مقدرة معارضة لملمت صفوفها بالكاد بعد موت طويل وانضم إليها مئات وآلاف الشباب الذين لم يعرفوا يوماً خبرة العمل العمومي المنظم، وإنما يتجاوز أيضاً قدرة المجتمع الدولي كله، لسنا نحن المرتبكون أمام الكارثة، وإنما الدول الكبرى جميعاً التي تحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها معنا، نتائج انخراطهم معنا، تزيد من مأساتنا ومعاناتنا. سوريا شهدت حتى الآن معجزتين، الأولى معجزة تفجير الثورة نفسها ضد نظام لم تعد همجيته تحتاج وصفاً أو برهاناً، والثانية معجزة الصمود لمدة سنتين كاملتين في وجه استراتيجية القتل الممنهج والابتزاز بالدمار الشامل، وأخذ الشعب بطوائفه وأطيافه جميعاً رهينة وتهديده بالموت والدمار. تبقى معجزة ثالثة هي التي ننتظرها وينتظرها جميع السوريين، المعجزة التي سوف ترسم تاريخ ولادة سوريا الجديدة من أنقاضها، والخلاص الوحيد: العودة إلى سوريا الأم، سوريا الكرم والعطاء والإحسان، سوريا المدنية والألفة والقلب الواحد، ووضع الولاء للوطن والشعب والقانون قبل أي ولاء، وتقديم مصلحة سوريا وحقن دماء أبنائها فوق أي مصلحة أو أولويات داخلية أو خارجية. مقاتل من المعارضة السورية يشتبك مع قوات النظام في دير الزور (أ ف ب)