ثمة اعتراف «غير قلق» -إن صح التعبير- من القيادات السورية المعارضة في الجناح السياسي والعسكري بوجود بعض ظواهر التطرف، إلا أنهم يرون بأنها ظاهرة لا تستحق الخوف على مستقبل المجتمع السوري، الذي يعتبرونه يعي مسؤوليته في بناء الدولة الجديدة. وفي ذات الوقت يرى هؤلاء أن الحديث المتكرر عن التطرف، مفتعل من المجتمع الدولي، لتبرير مواقفه المتخاذلة لحماية الشعب السوري، فضلا عن كونه فزاعة جاهزة للرد على التقاعس وعدم القدرة أو الرغبة على حسم الأزمة السورية دوليا. بدورها، وقفت «عكاظ» مع قادة عسكريين وقيادات سياسية بين صفوف المعارضة، لتوصيف وتحليل ظاهرة التطرف بين صفوف الثوار، فحاورنا رئيس المجلس الوطني السابق وعضو الائتلاف الدكتور برهان غليون، واللواء سليم إدريس قائد الأركان في الجيش السوري الحر، وكذلك العقيد رياض الأسعد القائد السابق للجيش الحر وقائد ميداني فاعل ين الكتائب المقاتلة الآن. فإلى تفاصيل تصريحات القيادات السياسية والعسكرية. يرى الدكتور برهان غليون الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري وعضو الائتلاف أنه ليس هناك متطرفون في سورية بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلا أن هناك تشددا من قبل بعض المقاتلين، وهذه الظاهرة لا أراها مخيفة على سورية ما بعد الأسد، مؤكدا أن الثورة السورية لا تسير في هذا الاتجاه. وأوضح غليون وفي معرض تفسير لمستقبل هذه الظاهرة، أنه يمكن استيعاب هذه الحالة، كما هو الأمر الآن في مصر، حيث وجود أحزاب دينية تمارس العمل السياسي، مؤكدا أنه كذلك الأمر في سورية خصوصا أن المجتمع السوري مجتمع متسامح وواع لا يحمل تاريخا في التشدد. وانتقد الدكتور في علم الاجتماع في السوربون في باريس، الحديث عن قضية التطرف في هذه الفترة، لافتا إلى أنها ليست قضية أساسية في الحالة السورية، موضحا أنها تشكل تحديا مثلها مثل باقي التحديات في مرحلة ما بعد الأسد، فهناك قضايا كثيرة، منها إعادة الإعمار وتنظيم الدولة والإغاثة، متابعا القول: إن ظهور هذه الجماعات مثلها مثل هذه التحديات التي سيعمل الشعب السوري على تجاوزها وبناء دولته الحديثة. وقال إن الغرب بات يستذرع بالتطرف، ويستخدمه كفزاعة في سورية، لتبرير التخاذل الدولي وعدم التدخل لوقف القتل بحق المدنيين، متسائلا: أليس من الأخلاقي أن يتدخل الغرب لحماية المدنيين وهذا أمر يتكفل به القانون الدولي. وحول ما يظهر بين الفينة والأخرى حول مطالب بإنشاء دولة إسلامية، اعتبر أستاذ السوربون أنه لا خوف من هذه المطالب، لأن سورية ليست البيئة المناسبة لمثل هذه المطالب، لأن الشعب السوري يعي قيمة وحقيقة الثورة ضد نظام الأسد والانتقال إلى العدالة والحرية وبناء الدولة الديمقراطية. وتستضيف وزارة الخارجية البريطانية اجتماعا دوليا للترتيب للفترة التي ستعقب رحيل الأسد القاتل. ويشارك في الاجتماع الذي سيعقد يومي الأربعاء والخميس بمشاركة خبراء متخصصين في الشؤون السورية وأكاديميين متخصصين في تحقيق الاستقرار بعد الصراعات وممثلين للمعارضة السورية. واستمر رئيس المجلس السابق في انتقاده للدول الغربية، وقال حول مؤتمر لندن الذي عقد في يومي الأربعاء والخميس الماضيين حول سورية ما بعد الأسد، صحيح أن هناك حاجة للتفكير بسورية ما بعد الأسد وبالمشاريع اللازمة لإعادة البناء لكن في الوقت الذي تعلن فيه المؤسسات الإنسانية تهديد مليون سوري من اللاجئين وغير اللاجئين بالمجاعة وموت العديد من الأطفال من البرد، واستمرار عملية القتل الجماعي والتدمير الممنهج للمدن والقرى وبيئة الحياة في سوريا كلها ما تقوم به المجموعة الدولية باسم بناء سورية ما بعد الاسد لا يهدف الى بناء شيء وإنما الى التغطية على الاستقالة الأخلاقية والسياسية. وهي وسيلة رخيصة من قبل المجموعة للهرب من التزاماتها وواجباتها الإنسانية. وأضاف: أنا استغرب التشدق الغربي حول التطرف، بينما ما يحدث في مخيم الزعتري للاجئين السوريين يشكل وصمة عار على جبين الجميع، تشكيلات المعارضة السورية والحكومات العربية والمجتمع الدولي. كلنا يعرف أن الشتاء قادم ومنذ أشهر والتقارير تشير إلى أن وضع المخيم مأساوي وغير صالح للحياة، ومع ذلك لم يقم أحد بأي عمل. سمعنا كثيرا عن معونات قدمت ودول تطوعت لتحسين شروط المعيشة في المخيم. المسؤول الأول عما يجري هو بالتأكيد نظام القتلة الذي شرد السوريين وحرمهم من بلدهم للاحتفاظ لعائلة الأسد وبعض الأسر الأخرى بالسلطة إلى الأبد. لكن مسؤولية الآخرين الذين لم يقوموا بواجبهم، واجب التضامن الإنساني، ليست قليلة أبدا. ولا ينبغي السكوت على ذلك. الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية جميعها ضالعة في هذه المأساة. ولم تقف تساؤلات «عكاظ» عند رأي أستاذ علم الاجتماع، إلا أنها انتقلت إلى القادة العسكريين في الثورة السورية، لتستطلع آراءهم أيضا حول الحديث المتنامي عن التطرف. وقال اللواء سليم إدريس قائد أركان الجيش السوري الحر في تصريح ل«عكاظ»، إن كل ما يقال عن وجود تطرف بين كتائب الثوار، لا يعدو إلا كونه تخويفا وتبريرا للموقف الدولي المتردد في التدخل لحل الأزمة السورية. وأضاف: إذا كان التطرف هو «إطلاق اللحى»، فدعني أقول لك أن لا وقت للثوار لحلق ذقونهم. فالغرب ومن هم معنيون بالأزمة السورية ينظرون بسطحية إلى الثورة السورية، ويتناسون مطالب الحرية التي قدم الشعب السوري حياته من أجلها. وحول ضبط سلوك هذه المجموعات، دافع اللواء ادريس عنهم، وقال أنا لا أنكر بالمطلق وجود بعض الجماعات التي تمارس أساليب مرفوضة، إلا أنه ومن خلال الحوار مع معظم الكتائب التي يطلق عليها مسميات مختلفة، وجدت أنهم شباب يتطلعون إلى الحرية والدولة الحضارية. ووجه إدريس اللوم إلى المجتمع الدولي بالقول بدل أن يروج لوجود متطرفين بين الثوار، فليذهبوا إلى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا ويتأملوا حجم المأساة اليومية التي يعاني منها الأطفال والنساء والشيوخ. مؤكدا أن إرهاب الأسد هو من يستحق القلق والخوف.. متسائلا: كل هذا القتل والتدمير الذي ارتكبته قوات الأسد ولم يفكر المجتمع الدولي بالتدخل.. أليس هذا تواطؤا على الشعب السوري الذي باتت دماؤه منظرا يوميا على شاشات التلفزيون. وحرصا من «عكاظ» على استكمال الاستطلاع من كافة جوانبه، سألت قائد الجيش الحر السابق العقيد رياض الأسعد، أحد القادة الميدانيين على الأرض عن مدى انتشار التطرف بين الثوار. وأجاب: إن كان هناك بالفعل تطرف بين الكتائب المقاتلة التي ليست ظاهرة واسعة بحسب ما يصورها البعض، فهذه مسؤولية المجتمع الدولي الذي حتى الآن يعمل على إطالة أمد الأزمة السورية. وأرجع نشوء بعض هذه الجماعات إلى تأخر المجتمع الدولي في التدخل لوقف القتل اليومي، إذ أنها باتت فعلا معاكسا وليس عقيدة قتالية، فإجرام الأسد اليومي جعل من الكل يحمل السلاح مدنيين وعسكريين. وحول مدى تأثير هذه المجموعات على المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الأسد، قلل الأسعد من خطورة هذه المجموعات، معتبرا أن نهاية الأزمة كفيلة بغياب هذه الظواهر، على اعتبار أن الكثير من هؤلاء المقاتلين من خارج سورية. وأنهى بالقول: إننا لا نهتم بما يقوله الآخرون حول الثورة السورية، مؤكدا أن أولوية الشعب السوري والكتائب المقاتلة هي إسقاط نظام الطغيان، وإزاحة أسوأ حقبة تاريخية في حياة سورية. أما المجتمع الدولي، فليبق منهمكا في هذه المبررات، حتى تصبح الأزمة السورية في دول الإقليم.