تعد إقامة معارض الكتب خطوة مهمة في حياة الشعوب والأمم المتحضرة؛ لكونها مرآة تعكس ثقافة وتطور الدول التي تقام بها؛ حيث يستشعر الجميع أهمية الثقافة والاطلاع على مستجدات العلم والثقافة، وفاعلية الكتاب والقراءة، كما أن إقامة مثل هذه المعارض يحفظ للكتاب قيمته وأهميته ودوره البارز في تطور الإنسان وتعلمه، ولذا يسعى أغلب المنظمين لتلك المعارض إلى إبراز الكتاب وإعادة وهجه القديم من خلال الاقتناء والقراءة؛ حيث تأثر الكتاب كثيراً بعد التطور التكنولوجي وظهور الإنترنت والكتاب الإلكتروني الذي أجبر كثيراً من القرّاء على هجر الكتب الورقية والتوجه إلى الكتاب الإلكتروني. في مثل هذه الأيام من كل عام تشهد مدينة الرياض فعالية ثقافية ينتظرها المثقفون والأدباء والباحثون، ألا وهي إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي سيقام في يوم الثلاثاء المقبل 23/ربيع الآخر/1434ه، 5/ مارس/2013م، وستكون دولة المغرب الشقيقة هي ضيف الشرف لهذا العام. معرض الرياض الدولي للكتاب أصبح حدثاً مهماً ومناسبة طيبة تحتضنها بلادنا وتفتخر وتسعد بها كل عام وينتظرها الجميع بشغف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زيادة الوعي الثقافي للمجتمع السعودي بمختلف توجهاته الفكرية والثقافية، بدليل التدفق الكبير لزوار المعرض من مختلف فئات المجتمع. ومن وجهة نظري فإن معرض الكتاب ساهم مساهمات كبيرة على مستوى الوطن والمثقف والفرد. فعلى المستوى الوطني فقد ساهم المعرض في رسم صورة ذهنية مضيئة عن بلادنا من خلال إقامة هذا المعرض سنوياً وبمشاركة عربية ودولية، وكذلك ساهم في تعريف الأوساط المعرفية والثقافية في عديد من الدول بحقيقة المشهد الثقافي السعودي خصوصاً أن هناك دائماً محاولة لتشويه صورة المواطن السعودي أنه عدو للثقافة والاطلاع، لذلك فإن إقامة مثل هذه المعارض تعكس الواقع الصحيح لمجتمعنا بأنه محب للثقافة والاطلاع على كل المستجدات في العالم، ومحب للمساهمات الفكرية والثقافية. أما على جانب الوسط الفكري والثقافي فقد ساهم في تفعيل الحراك الثقافي بين أوساط المثقفين والمثقفات؛ حيث صرنا نشهد سنوياً إصدارات لعديد منهم متزامنة مع افتتاح المعرض، كما ساهم المعرض في تفعيل حركة النشر والتأليف ودعمها في المملكة بشكل ملحوظ؛ خصوصاً بعد أن تبنت وزارة الثقافة والإعلام منح جوائز مالية للكتب الفائزة أو لدور النشر المتميزة، وتخصيص جناح للمؤلف السعودي الذي ينشر على حسابه الخاص، وكذلك شَكّل المعرض قضية فكرية تتطرق لها النخب السعودية كل حسب اتجاهه الفكري وأطروحاته الثقافية على مستوى المجتمع من خلال النقاش على مستوى الإعلام الرسمي أو الإعلام الجديد، أو الندوات المصاحبة التي تقام على هامش المعرض، والهوية الثقافية التي اعتمدها المعرض هذا العام هي: (الحوار… ثقافة وسلوكاً). أما على مستوى المجتمع فقد ساهم المعرض في ربط الأسرة السعودية بالكتاب من خلال الاطلاع والاقتناء، وخصوصاً من الجيل الجديد، حيث نلاحظ الإقبال الكبير على المعرض من العائلات والشباب والأطفال، وهذا الحضور الكثيف من مختلف مناطق المملكة يدل على أهمية إقامة هذا المعرض والاهتمام به ودعمه دعماً قوياً للاستمرار في مساهماته الفكرية والثقافية التي تفيد الوطن والمواطن. ونتمنى أن يكون التنظيم للمعرض لائقاً لمستوى هذا الحدث الكبير كما هو معتاد في كل عام، وذلك بتوفير المعلومات الوافية والمفيدة للزائرين، وتوزيع جدول الندوات وأوقاتها بشكل مستمر حتى نضمن تفاعلاً وحضوراً جماهيرياً كبيراً لتلك الندوات. وختاماً نقول: إن استمرارية إقامة معرض الكتاب يشكل تظاهرة فكرية ومعرفية وطنية يجب المحافظة عليها وتكريسها ودعمها، كما يجب أن نتنبه إلى أن الجدل الذي يحدثه المعرض سنوياً بين بعض الاتجاهات الفكرية في بلادنا هو جزء من ظاهرة الفعل المعرفي الذي يثري من خلالها المعرض المناخ الثقافي السعودي ويجب ألا نتضايق من ذلك كثيراً، بل نبني عليه موقفاً فكرياً أكثر اتساعاً واستعداداً لقبول التباينات والاختلافات التي تخدم فكرة التنوع داخل النسيج الاجتماعي والثقافي السعودي كما أن إقامة مثل هذه المعارض تجعلنا على تواصل دائم مع الشعوب الأخرى من خلال التبادل المعرفي الذي يفيد في الاطلاع على كل المستجدات الحاصلة في العالم.