تشهد ظاهرة التجمهر حول الحوادث تفاقماً مطرداً يوماً بعد يوم، وأصبحت مع ما تمثله من إعاقة لحركة فرق الإنقاذ والإطفاء والإسعاف والشرطة وغيرها من الجهات المعنية بمباشرة الحوادث المختلفة، كالمرض المزمن الذي لا علاج له مهما تعددت الوسائل، إضافة إلى ما تمثله من خطورة على سلامة المتجمهرين أنفسهم. ولا تزال الأجهزة الحكومية المسؤولة عن استمرار هذه الظاهرة تغط في سبات عميق متجاهلة واجبها ودورها في إيصال الرسالة المتمثلة في خطورة هذه الظاهرة لكل أفراد المجتمع، بالرغم من أن الحوادث المرورية على وجه التحديد أصبحت تمثل الهاجس المقلق لكل فئات المجتمع من خلال استنزافها للموارد المادية والبشرية ومسببة للمشكلات الاجتماعية والنفسية. ومما لا شك فيه، فإن ظاهرة «التجمهر» زادت المشكلة أضعافاً، وذلك من خلال إعاقة الجهات الأمنية والفرق الإسعافية للقيام بمهامها أثناء حدوث الحوادث ما يضاعف الضرر ويزيد من إزهاق الأنفس التي قد تحتاج لثوانٍ معدودة من أجل إنقاذها، وقد يكون سبب ذلك التطفل من قبل المتجمهرين والنخوة والفزعة التي يدعيها البعض. وطالب ناصر قحطاني بإيجاد نظام صارم لردع المتجمهرين، مشيراً إلى أن التجمهر يعد سلوكاً غير حضاري، وأن الأدهى من ذلك ما يمارسه بعض المتجمهرين من هواية تصوير مثل هذه المواقف بدلاً من الإسهام في إنقاذ المصابين. ويرى عيسى حكمي أن أكثر الوفيات والزيادة في الخسائر سواء أكانت بشرية أم مادية دوماً ما تنتج بسبب عدم مقدرة الدفاع المدني أو سيارات الإسعاف الوصول في الوقت المناسب لمباشرة الحوادث، متسائلاً: هل سيتغير الحال بالتثقيف أم بوجود أنظمه صارمة؟ فيما أكد جبريل القبي أن سياسة التثقيف والتوعية جديرة بأن تقضي على هذه الظاهرة، أما العقوبات فليست الحل الأمثل. وعدّ عبده صوي أن أسلوب التثقيف قد لا يجدي مع الجيل الحالي، وإنما يجب التركيز على الجيل القادم بتوعيتهم بخطورة هذه الظاهرة من خلال المدارس وغيرها، موضحاً أن لديهم القدرة على التعلم والتقبل لأي شيء جديد، على حد قوله، فيما حمّل حسين الجوحلي الجهات الأمنية المعنية بمباشرة الحوادث المسؤولية، وذلك بسبب تأخرها لمباشرة الحادث وعدم تطويقها للموقع ووضع الحواجز التي تمنع الاقتراب منه وتسهيلها للحركة المرورية بعكس ما يحصل في الدول المتقدمة، وأوضح أحمد عمر أن التثقيف بخطورة الظاهرة يأتي بعد تجهيز جميع الجهات المتخصصة للتعامل مع تلك الحوادث من قوى عاملة مدربة وأجهزه حديثة ونظام فرز موحد يربط جميع الجهات المختصة للتعامل مع تلك الحالات بعد هذه المرحلة من التجهيز يأتي التثقيف لكلا الطرفين في كيفية تعامل المواطن مع أجهزة الأمن والعكس. من جهته، أوضح الناطق الإعلامي في جمعية الهلال الأحمر السعودي في منطقة جازان فهد بن حمود سبعي، أن ظاهرة التجمهر منتشرة بشكل كبير في المجتمع السعودي، خاصة عند وقوع أي حادث سير، حيث يترجل الجميع من سيارته ويقف أمام المصابين مشاهداً لما ستؤول إليه مجريات الأمور، مضيفاً أن من شأن ذلك أن يزيد من تفاقم وسوء حالة المصاب. وأشار سبعي إلى أن سبب انتشار هذه الظاهرة هو في المقام الأول والأخير ثقافة المجتمع، والحس التوعوي الذي يغيب عن البعض ممن يجهل سوء ما قام به، موضحاً أن هيئة الهلال الأحمر السعودي في منطقة جازان لا تألو جهداً في نشر الوعي الصحي الإسعافي، الذي يرتقي بالعملية التوعوية لدى المواطن والمقيم على حد سواء، وذلك عبر عدد من البرامج التي تنفذها الإدارة ممثلة بإدارة التدريب من خلال كادر إسعافي مؤهل على أعلى مستويات التدريب. وأهاب السبعي بالمواطنين والمقيمين عدم التدخل في إنقاذ الحالات الإسعافية الناتجة عن الحوادث المرورية إلا لمَنْ لديه الخبرة في كيفية القيام بالعملية الإسعافية، معللاً ذلك بأن بعض الإصابات قد تزداد سوءاً عند إنقاذها من أشخاص غير مؤهلين، وأن بعض الحوادث كالحرائق وحوادث السير قد تكون سبباً لضرر المتجمهر نفسه، مضيفاً أن جهاز الهيئة يُعنى بمهام العمليات الإسعافية الطارئة فقط، أما ما يخص الجمهور وعملية التجمهر في موقع الحادث فيعود إلى القوات الأمنية المعنية بذلك وهي ممثلة في عدد منها كالمرور والدوريات الأمنية. من جهة ثانية، بيَّن الناطق الإعلامي في مرور جازان النقيب معاذ الأسمري، أن المتجمهرين لحظة الحوادث يتسببون في تعطل الحركة المرورية، نافياً أن يكون تأخر الدوريات الأمنية لمباشرة الحوادث السبب في حدوث الظاهرة، مضيفاً أنه حتى لو تم تطويق موقع الحادث من قبل الدوريات الأمنية، فإن المتجمهرين يوقفون مركباتهم جانباً، ويأتون مشياً لموقع الحادث. وقال النقيب الأسمري إن نقص الوعي لدى المتجمهرين هو سبب عملية التجمهر ولا يستطيع أي شخص أن يمنع هذه الظاهرة، موضحاً أنه لا يوجد نظام لدى إدارته لمنع المتجمهرين أثناء الحوادث، ولا توجد أي مخالفة أو عقوبة مترتبة على ذلك، ولا توجد برامج توعوية منفذة للحد من الظاهرة إلا في مناسبة أسبوع المرور، وأضاف «الدفاع المدني من الجهات الأمنية التي تباشر الحوادث ويعاني منسوبوه أيضاً من المتجمهرين». بدورها، عرضت «الشرق» مشكلة التجمهر على الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني في جازان الرائد يحيى القحطاني، لإبداء مرئياته وتعليقه على الظاهرة، ومعرفة ما إذا كان هناك نظام خاص للتعامل معها، حيث وعد بالرد، إلا أنه حتى لحظة إعداد التقرير لم يصل الصحيفة أي رد منه، بالرغم من الاتصالات المتكررة.