جرَّم مختصون ظاهرة «التجمهر»، واعتبروا إعاقة الفضوليين أعمال الإنقاذ وإسعاف المصابين جريمة تستدعي التعزير شرعاً بحقهم، في الوقت الذي بُحت فيه أصوات جهات الاختصاص الممتعضة من تنامي الظاهرة وما تسببه من مضايقات لأعمالها في مباشرة الكوارث سواء كانت حريقاً أو حادثةً مرورية أو سيولاً أو فيضانات وغيرها من الأمور التي أسهمت كثيراً في تأثر أدائها إلى درجة تصل حد فقد أرواح أشخاص بسببها. وذهبوا إلى أنه على رغم ارتفاع وعي المجتمع السعودي وتقدمه في كثير من المجالات، إلا أن ظاهرة «التجمهر» لا تزال في ازدياد مطرد من خلال مشاهدتها في كثير من الحوادث. وشكا مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة العميد عبدالله جداوي مما يسببه «التجمهر» من بعض الفضوليين من تعطيل للجهات المسؤولة في عمليات الإنقاذ أثناء حوادث الحريق أو الحوادث المرورية، مشيراً إلى أنه بمجرد وصول آليات الدفاع المدني إلى مكان الحادثة يبدأ التجمهر، الأمر الذي يعطل تشغيل الآليات والوصول إلى الموقع، كاشفاً اضطرار إدارته إلى الاستعانة بفرق الجهات الأمنية الأخرى لتفريقهم وإبعادهم عن مواقع الحوادث المراد مباشرتها، مشدداً على أن كثيراً من «المتجمهرين» يعملون على إيقاف مركباتهم ما يؤدي إلى صعوبة المباشرة في الوقت المطلوب، معتبراً ذلك من أكثر العوائق التي تواجههم. وقال: «إن تعطيل وصول آليات الدفاع المدني قد يزيد من الإصابات في بعض الحوادث بل ربما ينتهي بعضها إلى وفيات عدة»، مبيناً عدم استطاعته تجريم المتجمهرين، لكنه نوه إلى ضرورة تقيدهم وتوعيتهم بإفساح الطريق أمام آليات إدارته في أسرع وقت ممكن. وانتقد جداوي (بشدة) تصرفات بعض سائقي المركبات في الحوادث المرورية، لافتاً إلى أن نزول كثير منهم بمجرد توقف حركة السير نتيجة حادثة مرورية، من الطريق والوقوف على الخط الأصفر المخصص لسيارات الدفاع المدني والمرور والهلال الأحمر يصعب وصول تلك الجهات إلى موقع الحادثة، مضيفاً: «بعض السائقين يصنفون صنيعتهم ضمن إطار «الشطارة» بيد أنها في حقيقة الأمر لا تعدو كونها تصرفاً خاطئاً كفيلاً باستمرار معاناة فرق الدفاع المدني التي تباشر الحوادث»، مفيداً أن «التجمهر» في حوادث الحريق لا يساعد وإنما يعطل الجهات المختصة، خصوصاً أن «هناك حوادث تكون أحياناً مميتة وتحتاج إلى الاستفادة من الوقت لإنقاذها». وفيما وصف استشاري الطب النفسي الدكتور جمال الطويرقي ظاهرة «التجمهر» ب «اللقافة»، اعتبر المتجمهرين مجرمين. وقال: «تعبر الظاهرة عن ثقافة مجتمع وتربية سلوكية خاطئة»، مستنكراً ما يحبذ الفضوليون إشعاره للناس بأنهم سيساعدون في المصاب لكنهم في حقيقة الأمر لا يفعلون ذلك. وأضاف أن كثيراً من الدول تعاقب وتحاسب على «التجمهر» أو (الفضول) بموجب قوانين وأنظمة رادعة، مشيراً إلى أنهم يعتبرون المعنيين به (المتجمهرين) أصحاب جرائم ويعرف في الشريعة ب «القتل غير المتعمد» خصوصاً على اعتبار أنهم يعيقون وصول سيارات الخدمة سواء مروراً، أو شرطة، أو إسعافاً ما يؤدي إلى وفاة المصاب أو تفاقم المشكلة، مرجعاً أسباب انتشار الظاهرة في المجتمع السعودي إلى ما كان يحدث في الماضي، حين كان الناس يساعدون بعض المتضررين بكل ما أوتوا، بينما يقفون الآن للفرجة فقط وإعاقة الحركة لا أكثر. وأشار إلى أن الظاهرة لم تتوقف عند الفرجة فحسب بل إن الأمر أخذ منحى أكبر بدخول موضة «التصوير» بكاميرات «الهواتف الخليوية» بغية تنزيلها على الموقع العالمي «يوتويوب» وكأن في الأمر سباقاً، معتبراً العملية تشهيراً بالمصاب، مطالباً بوجود توعية بهذه المشكلة من طريق المدارس أولاً ثم معاقبة كل من يتكدسون في مواقع الحوادث. بدوره، شدد المحامي وعضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً الدكتور إبراهيم الأبادي على ضرورة محاسبة «المتجمهرين» وإحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لمعاقبتهم، مفيداً أن القانون يسمح بإحالتهم إلى المحكمة لمحاكمتهم «تعزيراً» وفق ما يراه القضاء. وأوضح أن «التجمهر» الذي يؤدي إلى أضرار يتحمل المشارك فيه ما ينتج منه، إذ تعيق فعلتهم الجهات المختصة لإنقاذ المتضررين، مذكراً بأن القاعدة الشرعية نصت على أن «الغنم بالغرم»، وهي أن أي شخص تسبب في ضرر يتحمله سواء في الحق العام أو الخاص. من جهته، كشف مصدر في إدارة مرور محافظة جدة معوقات جمة تواجههم أثناء مباشرة إدارته حوادث مرورية تحيل بينهم وبين الوصول إلى الحادثة بسبب تجمهر الفضوليين الذين يغلقون في أحيان كثيرة الطرق، ما يؤخر وصول الخدمات، إضافة إلى عرقلة حركة السير وتعرضهم لحوادث دهس نتيجة الازدحام والفوضى التي تعرض حياتهم للخطر!. وتابع: «الشيء نفسه يذكر بالنسبة لآليات الدفاع المدني التي لا تكد تصل إلى موقع الحادثة حتى تجده قد طُوّق بالجمهور من كل مكان، فتظل في حال معاناة وكفاح كي تصل إلى موقع المشكلة، وبسبب التجمهر يتفاقم الوضع وتكبر الخسائر، كما أنه يشكل أيضاً خطراً على الجمهور أنفسهم، وذلك كون الحريق عدواً لا يرحم ولا يُتنبأ بنتائجه، فقد يحدث فجأة من دون سابق إنذار سقوط جزئي أو كلي للمبنى على من كان فيه ومن بجانبه، إضافة إلى أن انفلات خراطيم المياه من شدة الضغط المستخدم لإخماد النار قد يسبب أضراراً كبيرة لمن حولها من الجمهور الذي لا يعي ذلك الخطر، «ولا يقف الأمر عند هذا الحد فكلما توقفت مركبة الإسعاف لحمل شخص يعاني آلام المرض أو الجراح لا تكد تتحرك من موقعها بسبب من يحيط بها من أشخاص فضوليين، الأمر الذي يجعل الوضع يزداد سوءاً بالنسبة للمراد إسعافه والمسعفين أنفسهم». وربط بين رقي الإنسان وتحضره وبين بروز هذه الظاهرة بشكل واضح، بقوله: «كلما زاد وعي المجتمع وتقدمه قلت وانحسرت هذه الظاهرة الممقوتة على اعتبار أن هناك تناسباً عكسياً».