في اللغة يُقال: فلان ينتسب إلى بلاد كذا، فالنسب لا يعني إذاً النسب الوراثي بالضرورة. الناس في الوراثة ينتسبون قدرًا لا اختيارًا، إنما قد يكون انتسابهم اختيارًا في مذاهبهم وقناعاتهم وانتماءاتهم ولذلك فهو مبرر -في ظني- أن نجعل للمذيعين نَسبًا إداريًا. وزارة الثقافة والإعلام، والآن هيئة الإذاعة والتليفزيون، في شق الإعلام هي المذيع المحترف والإداري المحنك والمهندس الإذاعي المحترف أيضًا، هؤلاء كيان الوزارة في الواقع، أو الهيئة، والمذيع في العادة لا يعرفه حق المعرفة إلا المذيع الذي يساويه أو يفوقه في إمكاناته الإعلامية، فإذا عرفه أنزله المنزلة التي يستحقها، والإداري المحنك أيضًا يعرفه مثله، وقس على هذا. وإذاً فحين الحديث عن المرجع الإداري للمذيعين ابتداءً من رئيس قسم المذيعين إلى موقع وكيل الوزارة المساعد لشؤون الإذاعة، هؤلاء على وجه التحديد، وأيضًا من يساويهم في هيكل هيئة الإذاعة والتليفزيون ينبغي أن يكونوا مذيعين متميزين ابتداءً. أنا لا أتحدث عن المواقع الإدارية القيادية من هذا، لأنني على قناعة أن الاكتفاء بتولي المذيعين المناصب الإدارية إلى موقع وكيل الوزارة المساعد لشؤون الإذاعة يكفي. هؤلاء سيكونون كفاءات إدارية إعلامية محترفة رديفة للكفاءات الإدارية العليا. معقد الفكرة هنا، أن هناك منطقًا نفسيًا فوق المنطق المهني أو الإداري، إذا اجتمع الاثنان ستكون النتيجة مبدعة متميزة، وأنا أعني على وجه التحديد ألا يكون غير المذيع رئيسًا للمذيعين، وألا يكون في المواقع الإدارية إلى منصب وكيل الوزارة المساعد لشؤون الإذاعة إلا مذيعون متمرسون ومميزون أيضًا. هذا مهم، حين يحدث هذا ندفع احتمال تفاوت القيمة، حين يدير المذيعَ غيرُ المذيع قد تحدث فجوة في طبيعة الاهتمامات. المذيع ليس موظفًا، لكنه موهبة لا ينطوي عليها كل أحد، إنها موهبة تعطي صاحبها تميزًا في طبيعتها، وهي إذًا تعطي نوعًا من علو الصفة، وهي مورد كبير للحسد والغيرة، ونحن حين نأتي بشخص دون هذه الصفة ليكون في موقع قيادي يرأس المذيعين نظلمه ونظلمهم، لأنه لا يحسن لغتهم، فهو في الواقع دونها. فما الذي نظنه إذاً؟ إذا كان التدرج الوظيفي -أحيانًا- يجعل الناس في غير أماكنهم فإنه ينبغي أن نراعيَ هذه المسألة ونجعلهم في أماكنهم، نعطيهم امتيازاتهم الوظيفية كاملة في المكان الذي يصلح لهم ويصلحون له. رئيس المذيعين ينبغي أن يكون مذيعًا محنكًا، وبنفس المقياس مدير البرنامج والمدير العام إلى موقع الوكيل المساعد لشؤون الإذاعة. ليس من المناسب أن نجعل قوة القرار الإداري مستعلية على قوة الموهبة الإذاعية، لماذا نقلب السلم بهذه الطريقة؟ شجرة النسب الإداري التي أقترحها: مذيع – رئيس مذيعين – مدير برنامج – مدير عام – وكيل مساعد، هؤلاء كلهم مذيعون تتشابه عقولهم، وتشابه العقول قوة مهنية حين تلتئم. صدقوني.