أثار الخبر الذي نشرته بعض الصحف عن إرسال الملحقية الثقافية في بريطانيا رسائل للمبتعثات عن ضرورة التواجد الدائم للمحرم المرافق في أماكن سكناهم، الذعر لدى العديد من المبتعثات، وقد يشكل في حالة عدم التساهل في تنفيذه خطراً يحدق بالعديد من المبتعثات في بريطانيا أو في بلدان أخرى، فقد يفقدهن بعثاتهن الدراسية التي أكمل البعض منهن معظم سنوات دراستهن ولم يبق إلا القليل حتى يتخرجن ويعدن إلى الوطن بشهاداتهن التي حصلن عليها بعد سنوات من الكد والتحصيل. صحيح أن شرط المحرم المرافق هو أحد شروط الابتعاث لأي أنثى وبدونه لا تنال البعثة تحت أي ظرف، مما حذا ببعضهن أن يبحثن عن أي قريب محرم لمرافقتهن، حتى لو شكل ذلك عبئاً عليهن وتخصيص جزء من وقتهن لرعاية هذا المحرم، حينما يكون هو من يحتاج العناية، ولم يراع هذا الشرط جانب العمر أو الخبرة في التعامل مع الآخرين، بل ساوى بين الجميع، ولكنه في هذا الأمر ميّز بين المرأة والرجل. إن الوقوع في الخطأ أو سوء التصرف لا يكون سببه جنس الفاعل وإنما قد يكون بسبب محدودية المعرفة وقلة الخبرة في التعامل مع ظروف حياتية مختلفة، وإلا لماذا لا نرسل مرافقاً مع أولادنا المبتعثين اليافعين؟ أم أن الوقوع في الخطيئة أمر خاص بالمرأة دون الرجل، وأن الشاب لا يخطئ؟ نحن لم نسمع حتى الآن عن واحدة من المبتعثات قد تورطت في أمرغير شرعي أو في جنحة أو جريمة، بينما نسمع بين الحين والآخر عن وقوع أحد أبنائنا في مشكلة قانونية نتيجة لجهالة أو سوء تصرف، وهذا لا يستدعي التعميم، فالأغلبية، ذكوراً وإناثاً والحمد لله، مهتمة بالدراسة وبتحصيلها العلمي. إن الخوف من وقوع كل أنثى سعودية في الخطيئة لأنها دون محرم يرافقها أمر ليس مثبوتاً من واقع تجارب حياتنا اليومية، فمن رُبيت تربية سليمة وزرعت فيها الثقة في النفس ودربت على التمييز بين الطيب والخبيث فهي في غنى عن المحرم المرافق. إن فوائد الابتعاث للخارج عديدة ومن ضمنها اعتماد المبتعث أو المبتعثة على نفسه، تدبير أمور حياته دون مساعدة من قريب، اطّلاعه على ثقافات واخلاقيات مختلفة تؤهله للتعامل معها مستقبلاً بدراية وثقة، وعليه فالمرأة التي يتاح لها هكذا فرصة تكون قادرة على تدبير أمور حياتها بكفاءة أكثر ممن لم يتح لهن ذلك، فإذا كنا حريصين على بناء جيل قادر على إكمال مسيرة التنمية بساقين متساويين فمن الأجدى منحهما الثقة وعدم الخوف من التعثر والوقوع في خطايا لا أساس لها إلا في عقول لا ترى في المرأة إلا إنساناً عاجزاً غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، ولابد من رجل يحميها حتى من نفسها. إنه، ولكي نتجاوز أمر المحرم وما يشكله من ربكة للمبتعثات وتبديد للأموال، يمكن للوزارة أن تعطي لأهل المبتعثة حرية الاختيار في سفر المبتعثة بمحرم أو بدون، وهذا ما قد يرضي الجميع.