لم يتخيل أكثر المتشائمين أن تتعامل الوزارات المعنية بتوفير الأمن الغذائي مع أزمة ارتفاع الأسعار بهذه السلبية، إذ بدت وكأنها غير قادرة على إيجاد حلول فاعلة من الممكن أن تهدئ من الارتفاع التصاعدي للأسعار، بيد أن أزمة الغذاء كشفت عن جانب آخر يتمثل في افتقار الوزارات إلى المعلومات والإحصاءات التي تتعلق بحجم الاستهلاك، وهو ما يُظهر جانبا مهما في رسم استراتيجيات عملها وتصوراتها المستقبلية، التي من الممكن أن تتبنى من خلالها حلولا تؤدي إلى استقرار الأسعار. الارتفاع الأخير الذي حدث في أسعار الدجاج، لمجرد ارتفاع مؤشر بورصة أسعار الأعلاف العالمي، هو برهان دامغ على ما نؤكد عليه، حيث تبين أننا لا نملك حائط دفاعٍ رسمياً يطمئن المواطنين، ويقلل من تأثير ارتفاع الأسعار، وبدلاً من ذلك خرج علينا المسؤولون ليعلنوا أسباب ارتفاع أسعار الدجاج، وتجنبوا ذكر الحلول، لأنها ببساطة غير موجودة في أجندة عمل الوزارات المعنية. وليس باستطاعة أيٍّ كان وضع سقف سعري لرغيف الخبز، بعد اتجاه السعودية إلى إيقاف زراعة القمح نهائياً في العام 2016، بداعي الحفاظ على الثروة المائية، متناسين أن تأمين رغيف الخبز محلياً، والاعتماد على النفس وليس على الغير في توفير الغذاء الأساسي، ثروة في حد ذاتها، كان ينبغي الحفاظ عليها، ولو كلفنا الأمر كثيرا. المملكة تستهلك حالياً قرابة ثلاثة ملايين طن من أجود أنواع القمح في العالم، وهذا الرقم يزداد مع زيادة السكان، فماذا سنفعل إذا قل الإنتاج العالمي من القمح، في ظل أزمة الغذاء، حيث سيصبح سعر طن القمح قريبا من ألف دولار، بدلا من 350 دولاراً، متوسط سعره الحالي. فهل سندرك وقتها أننا كنا مخطئين في إيقاف زراعة القمح، أم سنتحمل زيادات الأسعار. نعتقد أن الفرصة مازالت موجودة كي نستعد جيداً لأزمة الغذاء العالمية بأساليب عمل جادة ومبتكرة، وأول ما يجب علينا أن نبدأ به، إنشاء هيئة للخزن الاستراتيجي في أسرع وقت ممكن، وتأمين السلع الأساسية بأسعار اليوم، لأنها بالتأكيد ستكون أفضل من أسعار الغد، وإعادة حساباتنا في إيقاف زراعة القمح، فربما كانت فوائد زراعته أكثر من فوائد إيقافه، خاصة أننا كنا نصدر الفائض منه للخارج. وهنا نحذر من أن أزمة الغذاء ستكون كبيرة، والاستعداد لها لابد أن يكون أكبر.