الشاعر العيّار -والغالب على شعره الهجاء- شخصية كوميدية تمارس فنّها من خلال “مسرح القصيدة” الذي قد يتجاوز “خشبة المسرح” التي لم يكن لها وجود بالسابق، فينتقل شعره بسرعة يغذيها شغف الناس بالنوادر، واستهواؤهم لحفظها، ورغبتهم في كشف المستتر الذي قد يتقاطع وبعض المحاذير الاجتماعية، وقبل انتشار وسائل الإعلام المعروفة كان “الشعراء العيّارون” يتمتعون بحظوة خاصة في محيطهم الاجتماعي، من حيث تصدّرهم للمجالس، وتمتعهم بالهدايا الثمينة والأعطيات الجزيلة التي تؤمّن لهم كافة أسباب العيش الرغيد دفعاً لسطوة هجائهم أو رغبة في مدائحهم! وقصة العنوان أن شاعراً مرّ بإحدى القرى بعد أن لفت انتباهه تجمع الناس لمناسبةٍ تقام، فأناخ راحلته بباب صاحب الدار مقيماً بضعة أيام -حيث إن الغالب في ذلك الوقت استمرار المناسبات لعدة أيام بسبب روح التعاون والألفة والمشاركة بين الجميع- وبسبب نرجسية الشاعر وإحساسه بعدم تقديره بما فيه الكفاية نظير شعره ومدائحه بصاحب الدار -بالرغم من عدم معرفته به- فقد خرج قبل انتهاء الاحتفالية متهيئاً للرحيل، ومع خروجه تبعته زوجة صاحب البيت بعد أن تفرّست فيه دلائل الغضب وسمعته ينشد أبياتاً في هجاء زوجها فعرفت أنه بصدد إلصاق “عيرة” لن يمحوها الزمن! فنادت عليه واختلقت شتى الأعذار لزوجها، ثم جمعت كامل “صيغتها” والتي لاتزيد عن “أوضاحٍ من الفضة” ودفعتها إليه مقابل أن يكف عن هجاء زوجها وهو ما كان! حيث غيّر ذلك الشاعر “قريحته” باتجاه 180 درجة منتقلاً -كأي لاعب محترف- من خانة الهجوم إلى منطقة تسجيل المدائح!