نشأت “سعاد” على أنغام أغاني عبدالحليم حافظ، وتَرَعْرَعَتْ على قصائد الشاعر نزار قباني، وعاشَتْ صباها الأول في أجواء الأحلام الرومانسية، وطقوس مناجاة القمر ومراقبة النجوم. وفتنت إلى أبعد الحدود بصوت أم كلثوم وشعر أحمد رامي وبيرم التونسي، وجميع الأغاني التي حَمَلَتْ شتى أنواع وأصناف العواطف، وجميع أشكال وتجليّات الضنى والسهاد، والأسى والهجر والبعاد. ودَاوَمَتْ، بل أدْمَنَتْ حضور الأفلام العربية بالأسود والأبيض وبالألوان، وخاصة أفلام فريد الأطرش وعبدالحليم. وبسبب هذه النشأة، ترسَّخَ في ذهنها شعور الهيام بالمجهول، وسيطرت على مخيّلتها رفوف الأحلام الوردية وأسراب التهيؤات الضبابية! وخلافاً لمسار ومسيرة تلك التمنيات، ولأسباب حياتية قاهرة، فقد عَقَدَت زواجها على مهندس شاب يعمل في حقل البناء والمقاولات، وذلك على الرغم من عدم تمتّعه بأدنى حدّ من الشروط والمواصفات الرومانسية التي تطلبها وتحلم بها. ومنذ البدء، حاولت “سعاد” أن تبني حياتها معه، ولو بجزء يسير من طوفان أحلامها السابقة. وكان زوجها “المهندس” إنساناً، قليل الكلام، عاشقاً من الطراز الأول لمهنته في الهندسة والمقاولات والتزام المشروعات، واهباً كل وقته وتفكيره ومزاجه للتجارة والإعمار. وبعد انقضاء خمس سنوات على هذا الزواج، أصيبت “سعاد” بالإحباط، حيث أنَّها لم تسمع منه طوال تلك المدة أي كلمة أو عبارة توحي بالتودّد والتغزل والملاطفة، ولم تلحظ منه على الإطلاق أي تصرّف يشي بالحب من قريب أو من بعيد. ولم يحدث أن أعلن أو صرَّح أو هَمَسَ أو أومأ بشيء يدل على التقرّب والمسايرة وكسر البرودة! وحدث عصر ذات يوم من أيام شهر تموز أن ذهبا مع ابنتهما الصغيرة إلى الشاطئ بقصد السباحة، وهناك تمدّدا بملابس البحر على الرمل تحت أشعة الشمس، وبعد أقلّ من ساعة سَيْطَرَ عليها الصمت بينهما، وبدون أي مقدمات أمسك المهندس “الزوج” بلطف ظاهر، حفنةً من الرمل الأسمر الناعم ورفع قبضته عالياً، وبدأ يُفْلِتُ ذَرَّاتها ببطء مقصود، كشلالٍ طفولي صغير، على بطن زوجته المكشوف، وهو يبتسم برقَّة وحنان ظاهرين، وتعلو وجهه السعادة، مما جعل سعاد تحاول الطيران فرحاً، رغم عدم استيعابها لما يجري ويدور. وظنَّت للوهلة الأولى أنها في حلم وردي جميل، وأنها زائغة في عالم الخيال! وعندما تأكَّدت أن ما تراه وتحسّه وتشعر به، هو حقيقي وواقعي مائة بالمائة، طار صوابها غبطةً وحبوراً، من هذا التغيُّر العاطفي المفاجئ، ومن هذا الانقلاب الجذري، الذي جيَّش العواطف والمشاعر من خلال تلك الحركة “الرملية” الرومانسية اللمَّاحة، وتساقط حبيباتها من كفَّ زوجها النصف مطبق، رويداً رويداً، كنسيم راح يداعب جسدها، فاستسلمت لهديل نشوة غامرة، حلّقت بها على هَوْدَجٍ من غيوم، فأغمضت عينيها من جديد وراحت تتمتم بحمد الله على نعمته، باستعادة أحلامها القديمة وتمنياتها السالفة. وبصوتٍ رقيقٍ مبتهج، مال الزوج نحوها وهمس قائلاً: يا سعاد... شايفة نعومة وصفاء ونظافة وبريق وجمال هالرمل؟ تنهَّدَت “سعاد” وأجابت بغنج ودلال، تضَمَّنَ كل شحنات كبت زمنها الرومانسي الحالم: طبعاً، يا حبيبي...! ثمّ أكمل تساؤله، وباللهجة الرقيقة نفسها: مش معقول، يا سعاد، قديش هالنوع من الرمل بينفع وبيصلح للبناء وللعمار!