فيما أعلنت موسكو صباح أمس سريان هدنةٍ في حلب شماليّ سوريا؛ أبلغ المرصد السوري لحقوق الإنسان عن شنِّ النظام غاراتٍ جويةٍ استهدفت مناطق في المدينة تحت سيطرة المعارضة. وأفاد المرصد ذاته باندلاع قتالٍ داخل حلب وخارجها بعد ساعات من إعلان بدء وقف إطلاق نار لمدة 48 ساعة. وتتقاسم قوات بشار الأسد وفصائل المعارضة السيطرة على المدينة التي كان يسكنها أكثر من مليوني شخص قبل النزاع. وفي إفادتها بشأن الهدنة الجديدة؛ لم توضِّح موسكو الأطراف الموافِقة عليها، في وقتٍ لم يصدُر فيه تعليقٌ علني سواءً من النظام أو المعارضة. وذكر مرصد حقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، أن ضرباتٍ جويةٍ أصابت عدداً من أحياء حلب وسط أنباءٍ عن سقوط قتيل وتسجيل بعض الإصابات. وأكد المسؤول في الدفاع المدني المتمركز في مناطق المعارضة، بيبرس مشعل، استهداف القصف بعض الأحياء المدنية وتسبُّبه في حرائق وأضرار. و»كان من المتفق عليه أن تبدأ الهدنة عند الساعة ال 12 ليل الأربعاء – الخميس، لكن حالياً لا توجد أي هدنة»، بحسب مشعل. كذلك؛ عاين اثنان من سكان المدينة إسقاط طائرات هليكوبتر عدداً من البراميل المتفجرة أمس. وانعزل القطاع الخاضع للمعارضة في حلب عن العالم الخارجي خلال الأسبوعين الماضيين نتيجة تصعيد النظام الضربات الجوية وضربات المدفعية على الطريق الوحيد في المنطقة. وعلى الإثر؛ بات التنقل محفوفاً بالمخاطر وحوصِر مئات الآلاف. وعلاوةً على القصف الجوي؛ اندلع قتالٌ عنيفٌ بين قوات الأسد والمعارضة خلال ليل الأربعاء- الخميس حول طريق الكاستيلو وسط قصفٍ عنيف من جانب الطيران الحربي. وعاين شاهدٌ طائراتٍ حربية ومروحية تحوم بصفة دائمة فوق طريق الكاستيلو منذ الفجر. والكاستيلو هو الطريق الوحيد الرابط بين مدينة حلب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، والريف الشمالي للمحافظة. وإلى الشمال من المدينة؛ ضربت غارات جوية للنظام قرى عدنان وحيان والحريتان، بينما اندلع قتال عنيف إلى الجنوب بين المعارضة من جانب وقوات النظام وحلفائها وبينهم مقاتلون من حزب الله الإرهابي من جانب آخر. وتبادل الطرفان السيطرة على أراض في المنطقة أكثر من مرة هذا الأسبوع. في غضون ذلك؛ اتهم فصيل «جيش الإسلام»، المتمركز في الغوطة الشرقية بريف دمشق، حكومة الأسد بالكذب بعدما زعمت أن المعارضين استخدموا مواد سامة ضد قواتها في هذه المنطقة. وذكَّر المتحدث باسم «جيش الإسلام»، إسلام علوش، بأن الحكومة هي من كان يملك أسلحة كيماوية ويستخدمها في السابق في الغوطة الشرقية. بدوره؛ أكد مرصد حقوق الإنسان عدم توفُّر أي معلومات لديه بشأن ما أورده إعلام النظام من تقارير بخصوص موادٍ سامة. وكان محققون تابعون للأمم المتحدة قالوا، في وقتٍ سابق، إن غاز السارين استُخدِمَ في هجومٍ في الغوطة الشرقية عام 2013. واتهمت الولاياتالمتحدة، آنذاك، نظام الأسد بالضلوع في الهجوم الذي أودى بحياة 1429 شخصاً بينهم 426 طفلاً. واتفقت الأممالمتحدة والنظام، في وقت لاحق من العام نفسه، على تدمير المخزون السوري من الأسلحة الكيماوية في عمليةٍ قيل إنها استُكمِلَت في يناير الماضي. إغاثياً؛ تحدث المستشار الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية، يان إيجلاند عن «تقدم كبير» في إيصال المساعدات إلى المدن السورية. واعتبر إيجلاند، بعدما رأَس اجتماعاً أمس في جنيف لمجموعة العمل الإنسانية الدولية الخاصة بسوريا، تطبيقَ هدنةٍ في حلب لمدة 48 ساعة نقطة تحوُّلٍ محتملةٍ على صعيد إمكانية الوصول إلى كافة المناطق المحاصَرة من جانب قوات النظام وبينها داريا ودوما. وأبلَغ الصحفيين بقوله «تشعر بعض الدول وبينها روسيا بانكسار الحاجز النفسي من خلال القدرة على الوصول إلى داريا ودوما المحاصَرتين». وتطلع إيجلاند إلى «نقطة تحولٍ في قدرتنا على الوصول إلى المناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها»، مستدركاً «لكن لنكن واقعيين؛ فالحرب مستمرة وفي مناطق الحروب كل شيء هش». في سياقٍ آخر؛ تحدثت وكالة الأنباء «رويترز» عن تحقيق الحلفاء السياسيين ل «قوات سوريا الديمقراطية» تقدماً في مسعاهم لتوسيع نظام حكمٍ فيدرالي. وأُعلِنَ هذا النظام في مناطق في شمال البلاد في مارس الماضي. والهدف من توسيعه ضم المناطق التي سيطرت عليها «قوات سوريا الديمقراطية» مؤخراً. وهذه القوات عبارة عن تحالفٌ عسكري يضم آلاف المقاتلين الأكراد وعدداً أقل من العرب؛ ويتلقى دعماً من واشنطن في حربه ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. ويحرز هذا التحالف، المعتمد أساساً على مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردية»، تقدماً ميدانياً في الشمال. ونقلت «رويترز» عن مسؤولةٍ كرديةٍ قولها إن الاتحاد الفيدرالي الذي يتمتع بالحكم الذاتي – وتعتزم الأحزاب الكردية السورية وحلفاؤها إقامته- يتبلور بسرعة. وتوقعت المسؤولة استكمال إعداد دستور لهذا الاتحاد خلال 3 أشهر «وربما أقل» على أن يعقُب ذلك انتخابات على وجه السرعة. وتصرُّ الجماعات الكردية على اعتبار هذا المسعى غيرَ انفصالي، لكن تحقيقه سيعيد رسم الخريطة في وقتٍ تعجز فيه الأممالمتحدة عن إنهاء النزاع. وتتخوف تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، من تنامي النفوذ الكردي في الشمال السوري الذي بات يُعرَف بين داعمي الفيدرالية ب «روج آفا» أي غرب كردستان. واكتسبت خطة الفيدرالية أهميةً أكبر منذ تقدمت «قوات سوريا الديمقراطية» هذا الشهر صوب مدينة منبج آخر موطئ قدم ل «داعش» على الحدود التركية. والأسبوع الماضي؛ شارك مسؤولون بمجلسِ محليّ تشكَّل لإدارة منبج في نقاشٍ بشأن انضمام المناطق التي وقعت تحت السيطرة في الآونة الأخيرة إلى «الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي». ونسبت «رويترز»، إلى هدية يوسف، وهي رئيسة مشارِكة للمجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي، قولها «أعطيناهم فكرة عن الخطة التي نعمل عليها وأعربنا لهم عن رغبتنا في أن تكون منبج جزءًا من منطقة الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي بعد تحريرها». وتابعت يوسف «كانت وجهة النظر متفائلة بهذه المسألة، أعجبتهم الخطة». بدوره؛ تحدث مسؤول في مجلس مدينة منبج، طالباً عدم نشر اسمه، عن توقعات بطرح النظام الفيدرالي على المجلس «لكن أعضاءه ليسوا مخولين للبت في هذا الأمر». واعتبر أن البت في مثل هذه المسائل يرجع إلى المجلس الموسع الذي سيتم تشكيله فيما بعد. وتعتمد خطة نظام الحكم الفيدرالي أساساً على 3 مناطق تحت سيطرة الوحدات الكردية، وهي القامشلي وكوباني (عين العرب)، وهما في الشمال الشرقي، وعفرين غرباً. واتسع نطاق هذه المنطقة ليشمل مدينة تل أبيض التي طردت الوحدات مقاتلي «داعش» منها. والوحدات من أبرز شركاء التحالف الدولي التي تقوده واشنطن ضد «داعش»، لكنها أنقرة تعتبرها منظمةً إرهابية على صلةٍ بحزب العمال الكردستاني. ويشن الحزب حملة تمرد، منذ أكثر من 3 عقود، في جنوب شرقي تركيا. وبعد تأسيس «قوات سوريا الديمقراطية» العام الماضي؛ انضمت فصائل مقاتلة عربية إلى القوات الكردية، وهو من الاعتبارات المهمة للتمكن من دخول مناطق تقطنها أغلبية عربية. لكن محللين يقولون إن «وحدات حماية الشعب» ما زالت تملك أكبر قوة نيران وصاحبة أكبر نفوذ رغم أنها لم تعد تتصدر المشهد العام. ولم تخفِ الجماعات الكردية رغبتها في إيصال المنطقتين التابعتين لها في الشمال الشرقي ، القامشلي وكوباني، بعفرين في الغرب. ويحول دون ذلك شريطٌ من الأرض بامتداد 80 كيلومتراً على الحدود التركية يخضع لسيطرة «داعش» بالقرب من منبج، كما تحول دونه جماعات من المعارضة السورية تعادي «وحدات حماية الشعب». ويعتقد ساسة أكراد مشاركون في مساعي إقامة الاتحاد الفيدرالي أنه سيصون حقوق كل الجماعات العرقية، الأمر الذي يسمح للتجمعات السكانية بحكم نفسها وتقديم نموذج لتسوية الحرب. لكن المشروع واجه معارضة واسعة من أطراف مختلفة منها الولاياتالمتحدة ومعارضو الأسد. وكشفت هدية يوسف عن اجتماعات عُقِدَت في الولاياتالمتحدةوروسيا ودول أوروبية لشرح الخطة الخاصة بالفيدرالية و»إشاعة الطمأنينة بأن الهدف ليس إقامة دولة مستقلة». ورجَّحت يوسف قبول المشروع، مبيِّنةً «نعمل على كسب الدعم الدولي والإقليمي والداخلي». وخلال مكالمة هاتفية من الداخل السوري؛ قالت إن «الدستور الذي سيعرف باسم العقد الاجتماعي أوشك على الاكتمال». وأي منطقة تود الانضمام للنظام الاتحادي سيتعين عليها الموافقة على هذا العقد الذي يتضمن حقوقاً مساوية للنساء وقيادة مشتركة لكل الجهات الإدارية وشكلاً من الاقتصاد الاشتراكي. ومن بين القضايا العالقة تصميم علَمٍ جديدٍ ليُرفَع إلى جانب العلَم السوري، وتحديد موقع المجلس التشريعي الذي سيُعرَف باسم «مؤتمر الشعوب»، فضلاً عن ترسيم الحدود الإدارية للمناطق في النظام الجديد. و«خلال ثلاثة شهور من المفروض أن نكون انتهينا من كل التحضيرات والصياغات للعقد الاجتماعي»، بحسب يوسف. وبمجرد الموافقة على الدستور من قِبَل المجلس التأسيسي المؤلَّف من 151 عضوا؛ سيبدأ الإعداد لانتخابات بعدها ب 3 أشهر. وتتوقع يوسف استغراق العملية كلها 6 أشهر وربما أقل، مقرَّة بأن المعنيين لم يقرروا بعد أي انتخاباتٍ ستجري أولاً «انتخابات مؤتمر الشعوب أم المجالس الإقليمية».