فيما دعت دولٌ غربيةٌ أمس إلى التسريع بإلقاء مساعداتٍ جوَّاً على مناطقَ محاصَرةٍ في سوريا؛ رأت الأممالمتحدة «الحاجةَ إلى وقتٍ»، معتبرةً تنفيذ العملية «غير وشيك». وأقرَّ مساعد المبعوث الأممي الخاص بالأزمة السورية، رمزي عز الدين رمزي، بعدم إنجاز برنامج الأغذية العالمي خططه في هذا الشأن. ولاحظ حاجة هذه العمليات المعقَّدة إلى استخدام الممرات الجوية المعتمَدة للطائرات التجارية عادةً. وشرح أن الأممالمتحدة تحتاج، بناءً على ذلك، إلى ضوء أخضر من حكومة بشار الأسد «للسير قُدُماً في خطتها». وأتت تصريحاته عشيَّة عقد مجلس الأمن الدولي جلسةً طارئةً اليوم الجمعة للبحث في مدى ضرورية إلقاء المساعدات جوّاً. وتتعلق مطالب دولية خصوصاً بمدينة داريا الواقعة في ريف دمشق تحت حصارٍ من قوات الأسد. وكانت «المجموعة الدولية لدعم سوريا» حددت الأول من يونيو الجاري موعداً لانتهاء مهلةٍ يبدأ بعدها الإلقاء جوّاً دون موافقة دمشق؛ إذا تعذَّر دخول قوافل المساعدات برَّاً. وتزامُناً مع انتهاء المهلة؛ دخلت مساعدات أممية إلى داريا الأربعاء، وهي الأولى من نوعها التي تصل إلى المدينة المحاصَرة منذ 2012، لكنها لم تتضمن موادَّ غذائية. وعلَّقت منظمة «سيف ذي شيلدرن» بالقول «صاعقٌ وغير مقبولٍ إطلاقاً منع الشاحنات من إدخال الطعام». وأتى إدخال القوافل في إطار هدنة مؤقتة أقرتها موسكو في المدينة لمدة 48 ساعة. واعتبر السفير البريطاني لدى الأممالمتحدة، ماثيو ريكفورت، أنه «لا بد من إلقاء مساعدات إنسانية من الجو». وطالب نظيره الفرنسي، فرنسوا ديلاتر، ب «تنفيذ العمليات من الجو على كل المناطق المحتاجة إليها». وخصَّ ديلاتر بالذكر داريا والمعضمية ومضايا «حيث يواجه السكان المدنيون، بمن فيهم الأطفال، خطر الموت جوعاً» تحت حصارٍ من النظام. وكان مقرراً وصول قافلة أممية أخرى إلى داريا اليوم وعلى متنها أغذية، لكنها لن تصل بسبب قرارٍ بتأجيلها. وبعد اجتماعٍ أمس في جنيف لمجموعة العمل الإنسانية الأممية الخاصة بسوريا؛ ذكر مساعد المبعوث أن «إسقاط المساعدات جوّاً يبقى خياراً إذا لم ينجح إيصالها برّاً». وأبلغ رمزي الصحافة بقوله «إنه خيارٌ على الطاولة وسيتم تفعيله إذا لم ترضَ الدول الأعضاء في مجموعة دعم سوريا عن النتائج». وتحثُّ واشنطن ولندن الأممالمتحدة على المُضي قدماً في إسقاط المساعدات جوّاً نظراً لمنع دمشق إدخال المساعدات بالقدر الكافي. وتحدَّث رمزي عن مخاوف على سلامة أطقم الطائرات وطائرات الهليكوبتر التي ستنقل المواد الإغاثية، قائلاً «الروس ليسوا وحدهم القلقين حيال الأمن، إنه موضوع يجب أن يُحلّ». وترى أطرافٌ دوليةٌ عدَّة أن على روسيا، وهي أقوى حليف للأسد، مسؤولية إقناعه بالالتزام حيال المساعدات الإنسانية. وسمحت حكومته، التي لا تحظى باعترافٍ دولي إلا من حلفائه القليلين، بوصول قافلتي مساعدات الأربعاء إلى داريا والمعضمية. وبشأن قافلة ثانية إلى المدينة الأولى؛ أقرَّ رئيس مجموعة العمل الإنسانية، يان إيجلاند، بأن النقل قد يتأخر. واستدرك «هناك مؤشرات واضحة على أنها ستتوجه إلى هناك في غضون أيام، لكنها لن تصل الجمعة كما كان مقرراً لها». وكشف إيجلاند عن سعي الأممالمتحدة إلى إيصال المساعدات ل 11 منطقة محاصَرة ويصعُب الوصول إليها في سوريا خلال أيام قليلة، قائلاً «لديها بالفعل الموافقة على إيصال مساعدات غذائية إلى 3 مناطق أخرى الأسبوع المقبل». وأفاد الناشط في داريا، شادي مطر، بأنه «لم يعد هناك عمليات بيع وشراء في المدينة، فليس هناك أي مواد لبيعها بل ما يجري في كثير من الأحيان هو مقايضات وتبديل بين السكان». وحول كيفية تأمين المواد الغذائية حالياً؛ صرَّح الناشط «تدخُل بعض المواد عن طريق التهريب، إذ إن بعضهم يخاطر بحياته ويتسلل إلى الخارج»، مُبيِّناً «اعتمدنا لفترات طويلة على أدوية منتهية الصلاحية فيما كان جزء كبير من الأدوية غير متوفر أساساً». وبحسب تعبيره؛ تحتاج المدينة حالياً إلى كل شيء. ولاحظ مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، اعتماد السكان، كما في غالبية المناطق المحاصرة، على التهريب لتأمين الأغذية والأدوية «الأمر الذي يؤدي دائماً إلى ارتفاع كبير في الأسعار». وخسِرَت داريا المدمَّرة بشكلٍ شبه كامل 90% من سكانها البالغ عددهم 80 ألف نسمة، فيما يواجه من تبقَّى منهم نقصاً حادّاً في الموارد وسوء تغذية. وللمدينة أهميةٌ استراتيجيةٌ بالنسبة لقوات النظام، فهي ملاصقة لمطار المزة العسكري حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية. ميدانيّاً؛ تعهد تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» المدعوم أمريكيّاً بطرد تنظيم «داعش» الإرهابي من مدينة منبج والمناطق المحيطة بها شمالاً. وحثَّ التحالف الكردي- العربي السكان على تجنُّب مواقع التنظيم لأنها ستكون أهدافاً لحملته. وشنَّت قواته، التي تعتمد أساساً على وحدات حماية الشعب الكردية، هجوماً قبل أيام على مناطق تحت سيطرة «داعش» قرب الحدود التركية. وقدَّم التحالف الدولي بقيادة واشنطن دعماً جويّاً لهذه القوات، فضلاً عن قوات أمريكية خاصة على الأرض. وأعلن «قوات سوريا الديمقراطية»، في بيانٍ باسمه وباسم المجلس العسكري لمنبج، استمرار الحملة حتى يتم تحرير «آخر شبر» من أرض المدينة «التابعة لمحافظة حلب» ومحيطها. وتلا قائد المجلس العسكري للمدينة، عدنان أبو أمجد، البيانَ على ضفاف نهر الفرات. وجاء فيه «نناشد أبناء شعبنا في منبج الابتعاد عن كافة مراكز وأماكن وجود إرهابيي داعش لأنها ستكون أهدافاً عسكرية لقواتنا، وندعوهم إلى اتخاذ تدابيرهم لضمان سلامتهم». ودعا أبو أمجد السكان إلى «تقديم يد العون والمساعدة لقواتنا»، مضيفاً أن مجلسه العسكري يمثِّل كافة المجموعات العرقية في المنطقة وهي العرب والأكراد والتركمان والشركس. وركزَّ بيانه على توجُّه لتسليم المدينة بعد تحريرها إلى مجلسٍ مدني، وجاء فيه أيضاً «يا أبناء منبج الأبية؛ إن قواتنا قادمة لتحريركم من براثن جلادي داعش الإرهابي». والثلاثاء؛ فتح آلاف من مقاتلي «سوريا الديمقراطية» هذه الجبهة الجديدة في الحرب؛ بغرض طرد «داعش» من منبج التي يستخدمها كقاعدةٍ لوجستية وممرٍّ حدودي لمقاتليه. وتوقَّع مصدرٌ كردي، طلب عدم نشر اسمه، وصول مسلحي التحالف الكردي- العربي إلى المدينة خلال أيام بعد اقترابهم لمسافة 10 كيلومترات منها. ورأى أن من المبكر التنبؤ بسير المعركة. لكنه تحدث عن انهيار دفاعات «داعش» المتمركزة على الضفة الغربية لنهر الفرات مع بدء الحملة. وفي مايو المنصرم؛ تشكَّل في بلدة صرين القريبة مجلسٌ مدني يتأهب لإدارة شؤون منبج برئاسة الشيخ فاروق الماشي. والعام الماضي؛ أخرجت القوات الكردية التنظيم الإرهابي من صرين الواقعة على الضفة الأخرى. وأبلغ الشيخ الماشي عن بدء التنظيم حملة اعتقالات في منبج والمناطق الريفية مع محاولة قطع الاتصالات قبل الهجوم. بينما لفت ناصر الحاج منصور، وهو مستشار ل «سوريا الديمقراطية»، إلى «حدوث التقدم يحدث بوتيرة جيدة بشكل عام، مع الأخذ في الاعتبار أن التنظيم الإرهابي لا يزال يمتلك القدرة على القتال». وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» شنت هجومين كبيرين قبل نحو 10 أيام في محافظة الرقة القريبة. وتعد مدينة الرقة، مركز المحافظة، المعقل الرئيس ل «داعش» في البلاد. وأكد منصور استهداف أحد الهجومين بلدة الطبقة، وعدَّها مهمةً للغاية كونها تعد ترسانةً رئيسة للتنظيم. وفي تصريحاتٍ له أمس؛ اعتبر وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، أن التنظيم الإرهابي استخدم منبج، أو جيب منبج في تسميةٍ أخرى، كقاعدة لتدبير مؤامرات ضد أوروبا وتركيا والولاياتالمتحدة «مما جعل من الضروري شن هجومٍ» بدعمٍ من بلاده. وأبلغ كارتر الصحفيين، خلال توجهه إلى سنغافورة لحضور اجتماع أمني إقليمي، بأن القوة يقودها عرب وتدعمها الولاياتالمتحدة وهي تزحف باتجاه المدينة. وذكر أن المدينة كانت معبراً لتدفُّق المقاتلين الأجانب «مما يجعلها ضرورية ومهمة في القتال ضد التنظيم». وزاد «نعلم بوجود تآمر خارجي من منبج ضد أوروبا وتركيا وكل أصدقائنا وحلفائنا والولاياتالمتحدة أيضاً». ولم يوضِّح كارتر المؤامرات التي يقصدها. وأفاد مسؤولون أمريكيون بأن عدداً محدوداً من قوات العمليات الخاصة الأمريكية سيدعم الهجوم ميدانيّاً في صورة «مستشارين» بعيداً عن الخطوط الأمامية. وسيعتمد المهاجمون أيضاً على دعم الضربات الجوية الأمريكية، فضلاً عن دعمٍ من مواقع برية حدودية في تركيا. والعملية جزءٌ من المرحلة الأولى للحملة التي تنفِّذها «قوات سوريا الديمقراطية» في اتجاه الرقة. وتوقَّع مسؤولون أمريكيون أن تؤدي السيطرة على منبج إلى انعزال المتطرفين وتقويض قدرتهم على إرسال إمدادات إلى الرقة. وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أجاز نشر نحو 300 فرد من العمليات الخاصة على الأرض في مواقع سورية سرية. وسيُعنى الأفراد بمحاربة المتشددين بالتنسيق مع القوات المحلية. وأعلنت أنقرة، بدورها، أن منفذي هجوم منبج معظمهم من العرب فيما تقدِّم قوات كردية الدعم اللوجستي. وقالت مصادر عسكرية إن تركيا لا تشارك بدور مباشر في العملية القريبة من حدودها، لأنها لن تدعم عملية عسكرية تشارك فيها وحدات حماية الشعب الكردية. وتعدُّ أنقرة الوحدات منظمةً إرهابية. وذكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمرٍ صحفي أمس في نيروبي الكينية أن القوات التي تشن العملية العسكرية تضم 2500 مقاتل سوري عربي و450 عنصراً فقط من الوحدات الكردية. وأشارت مصادر عسكرية في بلاده إلى قتلِ الجيش 5 من مسلحي «داعش»، في قصفٍ عبر الحدود استهدف مواقع غربي منبج. وكان مصدر عسكري في أنقرة صرَّح الأربعاء بأن واشنطن أبلغت بلاده بالعملية «لكن المنطقة المستهدفة أبعد من مدى المدفعية التركية» و»تركيا لن تدعم أي عملية عسكرية يشارك فيها مقاتلون أكراد». ووفقاً لمصادر وكالة «رويترز» للأنباء؛ قصف حرس الحدود التركي بالمدفعية موقعين ل «داعش» أمس على مقربةٍ من بلدة أعزاز غربي موقع العملية العسكرية وجنوبي بلدة كلس الحدودية التركية. وإجمالاً؛ تعترض أنقرة على الدعم الأمريكي المُوجَّه إلى الوحدات الكردية، وتتحدث عن علاقة وثيقة بين الوحدات وحزب العمال الكردستاني. والأربعاء؛ لفت رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، إلى انتقال الأسلحة المقدَّمة للوحدات لأيدي حزب العمال الكردستاني المتمرد جنوب شرقي بلاده. وصرَّح «العناصر التابعة للمنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) في سورياوالعراق تحصل على هذه الأسلحة باسم محاربة الإرهاب وتنقلها إلى المنظمات الإرهابية في بلادنا، وهذا غير مقبول». ووفق «رويترز» أيضاً؛ ضربت المقاتلات التركية معسكراتٍ لحزب العمال في شمال العراق في وقتٍ مبكرٍ الخميس، ودمَّرت 7 أهدافٍ للحزب في منطقة متينا. ويتمركز الحزب بشكلٍ أساسي في جبال شمال العراق. وتخترق الطائرات التركية بصورةٍ منتظمةٍ المجال الجوي العراقي لضرب معسكرات ومخازن أسلحة الحزب، على الرغم من اعتراضات بغداد وحكومة إقليم كردستان شبه المستقل.