شهدت مدينة حلب ومحيطها غارات كثيفة شنتها قوات النظام السوري أمس (الجمعة)، تسببت بمقتل نحو 60 مدنياً، في وقت أعلنت الأممالمتحدة موافقة السلطات السورية على إيصال مساعدات إنسانية عبر قوافل برية إلى 12 منطقة محاصرة خلال حزيران (يونيو) الجاري. وتزامناً مع انعقاد جلسة لمجلس الأمن لبحث سبل إيصال الأدوية والمواد الغذائية لمئات آلاف السوريين المحاصرين، أعلنت الأممالمتحدة حصولها على ضوء أخضر من دمشق لإيصال هذه المساعدات. وفي المقابل، أفاد ديبلوماسيون في وقت سابق بأن الأممالمتحدة ستطلب غداً موافقة دمشق للتمكن من إلقاء المساعدات جواً. ومع تصدي الفصائل المعارضة في مدينة مارع، شمال حلب، لهجوم عنيف شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) فجراً، كشف وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أن عناصر التنظيم الذين يواجهون قوات «سورية الديموقراطية» في مدينة منبج، شمال شرقي حلب، «يطمحون» إلى التخطيط لشن هجمات إرهابية في الخارج. وأكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تعرض الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل في مدينة حلب وطريق الكاستيلو الذي يُعد المنفذ الوحيد منها باتجاه غرب المدينة، إلى غارات جوية كثيفة أمس. وقال مصدر في الدفاع المدني في الأحياء الشرقية أن 57 مدنياً على الأقل قُتلوا نتيجة غارات كثيفة على أحياء عدة في المدينة تسيطر عليها فصائل مقاتلة. وتحدث مراسل وكالة «فرانس برس» عن قصف «جنوني» بالبراميل المتفجرة، بخاصة على أحياء الكلاسة والسكري وباب النيرب حيث سقط غالبية القتلى، في وقت ألغت المساجد صلوات الجمعة وخلت الشوارع من المارة. وعمل رجال إنقاذ على البحث عن ناجين بين أنقاض المباني المتضررة أو المدمرة. وتراجع إيقاع الضربات بشكل كبير مساءً، وسط إطلاق صواريخ بشكل متقطع. وانعدمت الحركة في شوارع الأحياء الشرقية، خصوصاً أن وتيرة الغارات، هذه المرة، أعنف بكثير من جولة القصف الأخيرة قبل أقل من شهرين. وكان اتفاق هدنة تم التوصل إليه في مناطق عدة من سورية بينها حلب في نهاية شباط (فبراير)، انهار بعد نحو شهرين من دخوله حيز التنفيذ في المدينة وأوقع 300 قتيل، ما دفع راعيَي الاتفاق، الولاياتالمتحدة وروسيا، إلى الضغط لفرض اتفاقات تهدئة، ما لبثت أن سقطت بدورها. وتتعرض طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد المتبقي لسكان الأحياء الشرقية باتجاه غرب البلاد، لقصف جوي متكرر. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن الطريق «باتت بحكم المقطوعة نظراً إلى تكرار استهداف حركة المارة والحافلات»، لافتاً إلى أن «الأحياء الشرقية باتت عملياً محاصرة». وفي غرب حلب، أفاد المرصد عن سقوط عشرات القذائف منذ ليل الخميس على أحياء تحت سيطرة قوات النظام، مصدرها مواقع الفصائل المعارضة. وأحصت «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) مقتل طفلين وإصابة أربعة أشخاص بجروح «نتيجة اعتداء المجموعات الإرهابية بالقذائف الصاروخية على حي الحمدانية». وتشهد مدينة حلب اشتباكات عنيفة منذ عام 2012، بين شطريها الشرقي والغربي وتبادلاً للقصف بين الطرفين. وأكد المرصد صد الفصائل المقاتلة في مدينة مارع فجر أمس، هجوماً عنيفاً ل«داعش» بعد ساعات من تسلمها ذخائر ألقتها طائرات أميركية تابعة للتحالف الدولي. وأفاد المرصد بأن مقاتلي التنظيم لم يتمكنوا من تحقيق أي تقدم، مشيراً إلى مقتل ثمانية من مقاتلي الفصائل و12 متشدداً خلال المعارك. وأوضح مدير تحرير وكالة «شهبا برس» القريبة من المعارضة، مأمون الخطيب ان مقاتلي الفصائل «تصدوا لهجوم نفذه نحو 500 عنصر من تنظيم (داعش) حاولوا اقتحام المدينة فجراً». وتأتي الاشتباكات بعد ساعات من تأكيد مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إلقاء ذخائر للفصائل المقاتلة بالقرب من مارع. وبحسب الخطيب، فإن الذخائر التي تسلمها «لواء المعتصم» المقاتل، عبارة عن «ذخائر للرشاشات الثقيلة من عيار 23 وعيار 14 ونصف وذخائر للبنادق الروسية، لكنها بأعداد قليلة». ويحاول المتشددون منذ السبت اقتحام مارع، ثاني أبرز معقل للفصائل في حلب، إثر تمكنهم من قطع طريق الإمداد الوحيد الذي كان يصلها بمدينة أعزاز الحدودية مع تركيا، ما جعل عشرات آلاف المدنيين عالقين بين جبهات القتال والحدود. وأشار المرصد إلى أن قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي حققت تقدماً من جهة الجنوب باتجاه مدينة الطبقة التي يسيطر عليها «داعش» في محافظة الرقة. وفي الوقت نفسه، تقدمت قوات «سورية الديموقراطية» التي تضم مقاتلين أكراداً وعرباً مدعومة من الولاياتالمتحدة باتجاه المدينة نفسها من جهة الشمال، مواصلة هجوماً بدأته في 24 أيار(مايو). وفي شمال شرقي حلب، تواصل قوات «سورية الديموقراطية» هجوماً بدأته مطلع الشهر لطرد «داعش» من مدينة منبج، أحد أبرز معاقله في شمال سورية. وعلى صعيد المساعدات، طلبت الأممالمتحدة دخول مساعدات إنسانية إلى 34 منطقة إما محاصرة أو يصعب الوصول إليها. ووافقت دمشق على إيصال المساعدات إلى 23 منطقة، 12 منها محاصرة. ومن بين المناطق المحاصرة، رفض النظام السوري خصوصاً الدخول إلى حي الوعر في حمص ومدينة الزبداني، وسمح بإيصال مساعدات محدودة إلى ثلاث مدن هي المعضمية وداريا ودوما، المحاصرة من جانب الجيش السوري. وأبدى بعض الديبلوماسيين شكوكاً، مذكرين بأن الموافقات السابقة لدمشق في الماضي لم تتحقق على الأرض. ويسكن قرابة 600 ألف شخص، بحسب الأممالمتحدة، 19 منطقة أو بلدة يحاصرها المتحاربون، خصوصاً قوات النظام، كما أن هناك نحو أربعة ملايين في مناطق يصعب الوصول اليها، يعاني جزء منهم من سوء التغذية.