لست ممن يؤمنون كثيراً بكتب تطوير الذات وتفجير القدرات وإطلاق «العملاق الذي في الداخل»، لأنني أعتقد أنها لا تقدم شيئاً جديداً وذا جدوى فعلية، فضلاً عن كونها قد أصبحت «أكثر من الهم على القلب»، وصارت مركباً سهلاً لكل من أراد أن يرى اسمه يزين غلاف كتاب قد «يضرب معه الحظ ضربته» ويبيع آلاف النسخ وتطبع منه عشرات الطبعات. ولأنني ممن لا يميلون للتعميم القاطع وإطلاق الأحكام التنميطية فيما يتعلق بأي موضوع أو قضية أتطرق لها، فسأبادر للقول بأن بعض تلك الكتب، والقليل النادر منها قد يحمل بعض الفائدة، خصوصاً إذا ما نجح مؤلفه في تقديمه بشكل يختلف عن المألوف ويكسر أفق التوقع، وهذا ما نجح في فعله أوستن كليون في كتابه الذي حقق مبيعات كبيرة في لائحة النيويورك تايمز لأكثر الكتب رواجاً أو مبيعاً لنكون أكثر دقة. أول ما يلفت نظرك في الكتاب هو عنوانه المثير للانتباه اسرق مثل فنان Steal Like an Artist». والأمر الآخر هو شكل الكتاب والمظهر الخارجي والداخلي له حيث يمتلئ بالرسوم والصور التعبيرية التي ترافق فصول الكتاب «إن صح لنا أن نطلق عليها هذا الاسم»، ولن يفاجئنا ذلك كثيراً إذا ما عرفنا أن المؤلف، إضافة إلى كونه كاتباً، هو فنان يحترف الرسم. ثمة أمر آخر مهم يميز هذا الكتاب عن غيره وهو أنه موجه لفئة معينة من القراء وهم المبدعون، أو الذين لديهم مشاغل إبداعية أيا كان مجالها، ولكن على وجه الخصوص الكتاب والمشتغلون بالفن، رغم أن مؤلفه يرى أنه «أي الكتاب» يمكن أن يكون مصدراً للإلهام لكل من يبحث عن بواعث الإبداع وأسراره في أي مجال من مجالات الحياة. «هذا الكتاب هو أنا متحدثاً إلى نسخة أقدم من ذاتي». هكذا يفاجئنا المؤلف بقوله في الصفحات الأولى من الكتاب، موضحاً ذلك بقوله إن الشخص الذي يقدم لك النصح إنما يحدث نفسه في الماضي. يقدم المؤلف إذن لنا «أو لنفسه» عشر نصائح «لم يخبرك بها أحد حول الإبداع» كما يشير في العنوان الفرعي الظاهر على غلاف الكتاب. النصائح العشر التي لم تكتب جميعها بصيغة النصائح المألوفة قد لا تقدم جديداً بالنسبة لكثير من القراء، ولكن هناك كثيرا من الأفكار المفيدة والمحفزة التي يمكن أن تعود بالنفع على المنصرفين للكتابة والفن على وجه الخصوص كما أسلفنا. من بين تلك الأفكار أن الالتزام بوظيفة «تسرق» معظم ساعات اليوم «وهو الأمر الذي طالما اشتكى منه الكتاب والمبدعون» ليس بالأمر السيىء بالضرورة، إذ إن لذلك تأثيراً إيجابياً في خلق روتين يومي يكيّف المبدع نفسه وفقه لاستغلال ما تبقى له من ساعات يومه لينصرف إلى إبداعه، أو يخصص ساعات محددة لذلك على أضعف الإيمان. كما أن توظيف التقويم «الرزنامة» بشكل يومي يساعد كثيراً في مراقبة المبدع لنفسه، وتتبع ما ينجزه على مدى أيام العام الواحد. أولى النصائح وأغربها وهي ما أصبحت عنواناً للكتاب هي «اسرق مثل فنان». وهذه الفكرة وحدها تستحق مقالة كاملة مخصصة لها لطرافتها ولخوضها في مسائل مرتبطة بجينالوجيا الأفكار كما يسميها المؤلف. قد تكون لنا عودة أخرى للكتاب في المقالة القادمة.