يحاول بعض الأبناء الذكور في مرحلة المراهقة الدخول إلى عالم الكبار، إلاَّ أنَّهم لا يدخلون هذا العالم من الأبواب التي تثبت رجولتهم الحقيقية، بل يدخلون إليه من النوافذ أو الأبواب الخلفية باقتراف بعض السلوكيات الخاطئة، التي قد تجلب لهم العديد من الأضرار الصحية والنفسية الكبيرة، وقد يدخل المراهق هنا إلى عالم التدخين اعتقاداً منه أنَّ هذا ذلك السلوك هو بداية الرجولة وإثبات الذات، وربَّما حاول في المراحل الأولى أن يختفي عن الأنظار فيمارس هذا الفعل خارج المنزل أو في أماكن الخلاء أو برفقة أصدقائه خارج المدرسة، كما أنَّه قد يحرص أيضاً على إخفاء أمره عن والديه وأفراد أسرته؛ لعلمه أنَّ هذا الطريق الذي بدأ السير فيه طريق محفوف بالمحاذير، إلاَّ أنَّه كلما زاد المنع، كان ذلك أكثر إثارة وتشويقاً له، كما أنَّ هذا المراهق يعلم أنَّ هذا السلوك خاطئ وغير جيد، وبالتالي فهو يشعر بالحرج الشديد من انكشاف أمره، إنَّ هذه الصورة تُعدُّ تجسيداً لما كان عليه الوضع قديماً. أمَّا في الوقت الراهن، فإنَّ التدخين لم يعد حكراً على الذكور، بل أصبحت الفتيات يشاركن في التجربة من أجل إثبات الذات، فالمراهق من الذكور يدخن؛ لأنَّه يرغب أن يصبح كبيراً، في حين تدخن الفتاة المراهقة؛ لأنَّها تبحث عن الحرية والتحرر من القيود، ومع ذلك فإنَّ الذكور أصبحوا يمارسون هذا السلوك علانية دون وجل أو خجل، فيما كان المراهق في الماضي يخفي الأمر عن جاره؛ لكي لا يفشي سره لوالده. ويبقى هناك سؤال مهم، وهو:"ماذا يجب على الوالدين والأسرة، حينما يجدون أنَّ ابنهم الصغير دخل إلى عالم التدخين، وأصبح يفعل ذلك بجرأة دون أيّ خجل؟، وكيف لنا أن نحميه من مخاطر هذا العام دون أن نمارس عليه الوصاية؟ ضعف الرقابة وقالت "أمجاد الدوغان" إنَّ عادة التدخين انتشرت بشكل لافت في أوساط العديد من المراهقين، مُضيفةً أنَّها لم تعد حكراً على الذكور دون الإناث، مُبيِّنةً أنَّ هناك حالات في بعض المدارس تشير إلى ضبط "السجائر" بحوزة فتاة لم تتجاوز سن (14) عاماً، في الوقت الذي تمارس فيه هذا الفعل دون أن تخجل من صنيعها، فكيف حينما يكون الحديث عن المراهق من الذكور، الذي أصبحنا نجده يدخن "السجائر" قريباً من منزله مع أصحابه أو أمام معلميه، وكأنَّ في ذلك مجدا كبيرا أحرزه للتو. وأضافت أنَّ ضعف الرقابة والمتابعة من قبل الأسرة جعلت الأمر يتفاقم، حتى زاد الأمر سوءًا عبر تحول المراهق إلى مدمن على "السجائر" في سن مبكرة جداً، موضحةً أنَّ الدلال المفرط واعتقاد الأسرة أنَّها يجب أن تستخدم الأساليب الحديثة في التربية دفعت هؤلاء المراهقين إلى التمادي وممارسة التدخين دون خجل أو تردد، لافتةً إلى أنَّ الأب أصبح يطلب من ابنه المدخن التوقف عن ممارسة هذه العادة السيئة بدلاً من أن تكون هناك متابعة وتربية حقيقية منذ البداية. بيئة الأسرة السبب الأول في تدخين المراهق عقوبات رادعة وشدَّدت "أمجاد الدوغان" على ضرورة أن يكون هناك غرامات وعقوبات رادعة لمن يبيع السجائر على المراهقين، مشيرةً إلى أنَّها رأت فتاة في سن (18) عاماً تدخل إلى أحد المحال التجارية، مبيّنةً أنَّها طلبت من البائع نوعا معيان من "السجائر" دون أن تخجل، في ظل وجود العديد من المتسوقين، لافتةً إلى أنَّ هذا الفعل يدل على أنَّ هناك تمردا واضحا وانحرافا فكريا لدى بعض أبناء وبنات الجيل الحالي، خاصةً فيما يتعلَّق بمفهوم الحرية والتمدن. ولفت "سعد عطية" إلى قصته مع ابنه الذي لم يتجاوز (14) عاماً، حينما اكتشف أنَّه يدخن، مُضيفاً أنَّه تفاجأ بشدة، خاصةً أنَّه غير مدخن، كما أنَّ زوجته حريصة جداً على توفير الجو المثالي داخل المنزل، مُبيِّناً أنَّه على الرغم من فتح باب الحوار الدائم عن خطورة التدخين والإدمان عليه والرفقة السيئة، إلاَّ أنَّهم صدموا حينما اكتشفوا أنَّ ابنهم يدخن، موضحاً أنَّ ابنه اكتسب هذا السلوك السلبي من أصدقائه، مشيراً إلى أنَّه حاول هو وزوجته أن يتحاورا معه ومحاولة إقناعه. وأوضح أنَّ ابنه وعد بالإقلاع عن التدخين، إلاَّ أنَّهما لاحظا بعد فترة أنَّه ما يزال يمارس هذا السلوك، لدرجة أنَّهما شعرا أنَّه لا يمانع من فكرة التدخين وإقرارها أمامهما، مضيفاً أنَّ المشكلة هي أنَّ هناك جرأة بالغة وعدم شعوره بالتردد في اقتراف سلوك التدخين من جانبه، مشيراً إلى أنَّ العديد من المراهقين يعتقدون أنَّ التدخين دليل على الرجولة والحرية والاستقلالية، مؤكداً على أنَّ جزءًا كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق وسائل الإعلام، خاصةً بعض القنوات الفضائية، ممن تضع صورة المدخن في موضع البطولة والتميز. برامج ثقافية وأضاف "سعد عطية" أنَّ بعض البرامج الثقافية التي يتم عرضها على تلك القنوات تلتقي ببعض الشخصيات من المفكرين والمثقفين وتجري هذه اللقاءات معهم في مواضع كثيرة، حتى والواحد منهم يدخن "السجائر"، موضحاً أنَّ ذلك رسَّخ في مخيلة البعض أنَّ التدخين هو من سمات الأبطال والشخصيات المبدعة، مشيراً إلى أنَّ هناك كثيراً من الأفلام التي تعرض صورة البطل في موضع المدخن الشره، فحينما يغضب يدخن، وحينما يسعد يدخن، وعندما يخطط ويفكر فهو يدخن، حتى ارتبط التدخين في خيال العديد من المراهقين بالرجولة والتميّز. وانتقد بعض المحال التجارية التي لا يهمها صحة الأبناء وسلوكياتهم، عبر بيع "السجائر" للمراهقين، مضيفاً أنَّهم حينما يتم انتقادهم يشيرون إلى أنَّ المراهق يجبر العامل المغلوب على أمره ببيعها له، مشدداً على ضرورة تحميل أصحاب هذه المحال المسؤولية عن هذا العمل غير اللائق، إلى جانب سن العقوبات الرادعة بحق المخالفين، وكذلك وضع الضوابط المنظمة لبيع "السجائر"، ليس من منطلق القانون، إنَّما من منطلق الرقابة الذاتية، مؤكداً على أنَّ ذلك لن يحدث –للأسف- طالما كان همّ هؤلاء هو الحصول على الربح المادي فحسب. وازع ديني ورأت "هدير الشايب" أنَّه يجب الاعتراف أنَّ الخلل يكمن في ضعف الوازع الديني لدى بعض المراهقين، مضيفةً أنَّ بعض الأسر لم تحسن التعامل مع أبنائها، إذ إنَّ الأب يحث ابنه على المحافظة على الصلاة، لكنَّه في مقابل ذلك يهمل صلاته، وربما نجده يحذّر ابنه عن مخاطر التدخين، وهو يمارس هذه العادة السلبية، مُبيّنةً أنَّه يوجد في المقابل نماذج ايجابية من المراهقين، إذ نجد أنَّهم رجال حقيقيون، بل ربَّما كان لديهم من الرجولة والاحترام مالا يملكه بعض الكبار. وأضافت أنَّ الأمر نفسه ينطبق أيضاً على الفتيات، مشيرةً إلى أنَّ الأم قد لا تعرف عن ابنتها سوى أنَّها تناولت طعامها وبدأت في استذكار دروسها، إلاَّ أنَّها في مقابل ذلك قد لا تعرف شيئاً عما تفكر فيه ابنتها، ولا من هنَّ صديقاتها، مؤكدةً على أنَّ البيت هو أساس التربية، فإن صلح البيت صلح الأبناء، وبالتالي صلح المجتمع، موضحةً أنَّ هناك مشكلة حقيقية تتمثَّل في الفهم الخاطئ والمبالغة فيما يتعلَّق بمفهوم التربية الحديثة، لافتةً إلى أنَّ هناك من الآباء من يظن أنَّ التربية الحديثة تعني الحرية المطلقة والحديث بمرونة مع الأبناء في كل شيء. بوابة الرشد وأكد "د.علي الزهراني" -استشاري نفسي، وأستاذ مشارك، ورئيس قسم صحة المجتمع بكلية الطب- أنَّ مرحلة المراهقة كما هو معروف لدى علماء علم نفس النمو هي بوابة الرشد، بمعنى أنَّ المراهق يظهر للآخرين أنَّه شخص راشد، ولكنَّه في الواقع يعيش بعقلية طفولية، مضيفاً أنَّ ذلك يتضح من خلال سلوكياته وتصرفاته، وهنا نجد أنَّه يتصرف بنوع من العدوانية ليثبت لوالديه ومعلميه وللمجتمع المحيط به أنَّه عكس ما يتصورون، والدليل أنَّه مستقل بذاته عن والديه وبقية أسرته، لذلك نجده يستخدم كل الوسائل الممكنة والمتاحة لإثبات أنَّه كذلك، ومن ضمنها ممارسة التدخين. وأشار إلى أنَّ التدخين لا يعطيه فقط هذا الشعور بالاستقلالية، بل يحميه من الأشخاص الآخرين الذين يتربصون به أو يحاولون التحرش به، مضيفاً أنَّنا نجد أنَّه من الداخل يقاوم تلك النظرات المتحرشة بأخذ "شفطة" طويلة من التدخين متزامنة مع التركيز في عيون المتربصين به، وكأنه يقول لا يهمني نظراتكم، فأنا أصبحت مثلكم كبيراً أستطيع المقاومة، مبيناً أنَّ على الوالدين عدم الإصرار على التفتيش والمتابعة وكأنهم جهة أمنية، بل عليهم التعامل معه بمبدأ "شعرة معاوية"، أيّ نهدد ولكن لا نحرص على ضبطه متلبساً بفعلته. وحذَّر "د.الزهراني" الآباء والأمهات من محاولة ضبط الابن متلبساً بممارسة التدخين، مشيراً إلى أنَّه يجب عليهم بدلاً من ذلك إرسال رسائل عامة "مشفرة"، وليست موجهة من أنَّ التدخين هو "بوابة الإدمان"، وأنَّ التدخين يُعد القاتل الأول للبشرية، وغير ذلك من إبراز الأمور السلبية الناتجة عن تدخين "السجائر"، لافتاً إلى أنَّ الابن مع مرور الوقت وتخطيه مرحلة المراهقة سيكتشف بنفسه مخاطر التدخين.