تثير مرحلة المراهقة حساسية معظم الأسر، ومعاناتهم المستمرة مع أبنائهم، وتحديداً في سلوكيات ردات الفعل والتقليد والرغبة في الاستقلالية والاعتماد على الذات بطريقة ربما تكون خاطئة. وتحاول كثير من هذه الأسر التكيّف مع تلك السلوكيات، بينما لا تجد الأخرى حلاً مقنعاً في التعامل معها بالشكل الصحيح؛ الأمر الذي قد ينعكس سلباً على سلوك الابن وغالباً مع من حوله من أفراد أسرته، حيث يسعى الابن المراهق إلى إخفاء سلوكه الخاطئ عن أسرته، وبالتالي قد يكون في حالة تسمح لرفقاء السوء أن يضلوه، أو يستغلوه، وهنا يكون الخطر الأكبر. حسّاس، مغامر، عنيد، متمرد، مزاجي، مزعج، «مهايطي».. ويعيش صراعاً لم ينتصر فيه وعيه ويحاول المراهق أن يفرض شخصيته -التي صنعها لنفسه بشكل خاطئ غالباً- في أخذ حقة بيده، والتصرف بخشونه، والتعبير عن رأيه بشكلٍ غير موضوعي في شبكات التواصل الاجتماعي، أو إنتاج المقاطع وتبادلها في المواقع الالكترونية، حيث يعرف من يتحدث معهم أنّ هذا الشخص يمر بمرحلة مراهقة، من خلال حديثه وأسلوبه الذي يستخدمه في الصراخ والشتم، والمجادلة، والعصبية، و"المهايط" في كثير من الأحيان؛ فالمراهق يتصرف من خلال عصبتيه وعناده، ويريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوتراً بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به. المراهقون بحاجة إلى دعم المجتمع "أرشيف الرياض" تغيرات جسمية واعتبر "د.محمد بن مترك القحطاني" -أستاذ علم النفس وكيل عمادة التقويم والجودة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- مرحلة المراهقة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان؛ بسبب التغيرات الجسمية والنفسية والفكرية التي تطرأ عليه، مشيراً إلى أنّ مرحلة المراهقة ليست سيئة كما يعتقد البعض حينما ينعتون شخصا بأنّه "مراهق"، لكنها مثل باقي مراحل النمو الإنساني. وأضاف أنّه تظهر على المراهقين أحياناً بعض التصرفات التي يجب أن ننتبه لها، فمثلاً قد يُردد بعض المراهقين عبارة "أنا غير" وتعرف ب"ظاهرة الغيرية"، حيث يَعتقد المراهق أنّه مختلف عن من حوله، لافتاً إلى إحدى الظواهر المهمة لدى بعض المراهقين والتي تُعرف ب"الحساسية الانفعالية"، حيث يكون المراهق حساساً في انفعالاته جداً، فقد يغضب بشدة لأتفه الأسباب، وقد يفرح بشكل كبير لشيء عادي، فهو متقلب المزاج، وقد يعود السبب في ذلك إلى التغيرات الهرمونية. الوعي بحقوق الإنسان يحفظ سلوك الإنسان تعامل بحذر ونوّه "د.القحطاني" بأنّه من الضروري الحذر في التعامل مع الأبناء والبنات المراهقين؛ لأننا لا نتنبأ بالسلوكيات التي قد تصدر منهم، متجنبين استخدام الضرب مع المراهق؛ لأنّه قد يؤدي إلى سلوكيات غريبة تصدر منه، لافتاً إلى أنّ "الشلة" التي يُصادقها المراهق من الظواهر الطبيعية، حيث يكوّن صداقات من خلال الحي الذي يسكنه أو من خلال الأقارب والمدرسة، مبيّناً أنّ تلك الظاهرة مهمة للتكوين النفسي للمراهق، فهو يحتاج للأصدقاء لكي يقضي معهم وقته ويتفاعل مع المجتمع، إلاّ أنّ تأثير الأصدقاء عليه قد يكون أكثر من الأسرة أحياناً، فهو يَسمع ويتعلم منهم ويُطيع أوامرهم في كثير من الأحيان؛ لكي يمشي معهم، وكم من مراهق ساءت أحواله الأسرية والدراسية بسبب أصدقائه. سلوك التدخين أكثر ما يزعج الأهالي من أبنائهم مراقب وهمي ولفت "د.القحطاني" إلى أنّ بعض المراهقين يهتم بشكله الخارجي كثيراً؛ بسبب التغيرات الجسمية التي طرأت عليه، حيث كان في السابق طفلاً والآن أصبح رجلاً كما يرى نفسه، ونجده في لبسه وفي حركاته حيث يعتقد بأن الناس تُراقبه وهذه الظاهرة تُعرف باسم "خشبة المسرح" أو"المراقب الوهمي"، وبالتالي قد لا نَستغرب إذا عمل تسريحة شعر غريبة، أو تعمد ارتداء ملابس غير لائقة، مؤكّداً على ضرورة أن نتعامل مع المراهق بنصح وطيب، ونوفر لهم نماذج إيجابية حتى يقلدونها ويتعلمون منها. وأضاف أنّ المراهق في بعض الأحيان يُحب أن يُشارك الآخرين ذكرياته وأحزانه وأفراحه، حيث انّهم يَرفعون صوت المسجل في السيارة، وقد نجد بعض المراهقين يكتبون على الجدران؛ معتقدين بأن ذكرياتهم لها أهمية ويجب أن لا تنسى، وبالتالي يجب على المعلمين والمعلمات وأولياء الأمور أن يكونوا جاهزين للتعامل مع مثل هذه الظواهر بشكل جيد وبعقلانية من دون تسرع. تحدي الصمود وأكّدت د.هبه ناصر أحمد بدوي" -دكتوراه بالصحة النفسية- على أنّ لكل مرحلة من حياة الإنسان سلوكيات خاصة بها، ومن أبرز سلوكيات المراهق العواطف الحساسة، حب المغامرة، والعناد، والتمرد، والمزاجية المتقلبة، والتصرفات المزعجة، منوهةً بأنّ المراهق يحتاج في هذه الفترة إلى التوجيه والإرشاد بعد فهم ووعي سلوكياته، من أجل ضبط عواطفه، وتعديل سلوكه، حتى تتم المحافظة عليه من الانسياق المتطرف وراء رغباته. وأضافت أنّه من الضروري تبني برنامج يتسم بالهدوء والشفافية، بعيداً عن القسوة في التعامل، حيث إنّ الصمود في التعاطي مع المراهق من أصعب التحديات، منوهةً بأهمية التعرف على مشكلة المراهق، من خلال التعرف على اهتماماته، وأن يكون المربي على دراية كاملة بما يشغل اهتمام ابنه، عن طريق استقطاع الوقت لذلك، إلى جانب تعليمه مهارات الحياة وتشجيعه على النشاطات المنزلية، مبيّنةً أنّ المراهقين يميلون للخروج من البيت إلى أماكن مختلفة مع أصدقائهم، لا يهم أين، مشددة بضرورة أن يتم تهيئة البيت ليكون بيئة مناسبة للمراهق، تساعد على الحد من خروجه. صراعات داخلية وأوضحت "د.هبة" أنّ المراهق بحاجة إلى عملية تثقيف وإقناع بالدين فهو صمام الأمان من الانزلاق في متاهات الرذيلة والانحراف، إلى جانب التربية المتوازنة، حيث إنّ لكل موقف طريقته في التعامل، فليس مطلوباً الحزم بصورة مطلقة وليس اللين بصورة مطلقة، مبيّنةً أنّ المراهق يحتاج إلى اهتمام شامل وله متطلبات خاصة، ومن الخطأ أن نهتم بجانب دون آخر، ولابد من الاهتمام بكل ما يتعلق بشخصيته، حيث إنّه حينما يجد أنّ شخصيته محترمة ينمو فيه روح الاحترام، لافتةً إلى أنّه من الضروري مراقبة ومتابعة المراهق من قبل الوالدين؛ كي يضمنا سيره في الاتجاه الصحيح، بعيداً عن كل ما من شأنه أن يأخذ بيده إلى الاتجاه الآخر، مشيرةً إلى أنّ الأبناء مهما كبروا يظلون بحاجة إلى حنان وعطف آبائهم، البعيد عن أي مصلحة ومنفعة. وأضافت أنّ المراهق يعاني من صراعات داخلية، كصراع الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، وصراع بين طموحاته الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، إضافةً الى الاغتراب والتمرد، حين يشكو من أن والديه لا يفهمانه؛ لذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين، كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل؛ لأنّه يعدّ أي سلطة فوقية أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد، واستهانة بالروح النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة، وفقا لمقاييس المنطق. وأشارت إلى وجود علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي عند المراهقين، بمعنى أنّ المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة تؤدي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور، وغضب واكتئاب عند الإناث، وبالتالي تظهر سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانية، إلى جانب السلوك المزعج والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة من دون اعتبار للمصلحة العامة. استجابة المراهق وقال "د. بندر بن عبدالله الشريف" -أستاذ مشارك في علم النفس التربوي- إنّ دماغ المراهق ينمو بشكل سريع؛ مما يؤثر في فص الدماغ الذي يتحكم في القدرة على استبصار المستقبل، ويجعل المراهق عادة ما يكون سريعاً في اتخاذ القرار من دون النظر إلى العواقب، واستيعابها بشكل أكثر عمقا واستبصاراً، مشدداً على ضرورة تفهم هذا السلوك ومراعاته عندما نجد المراهق يتخذ قراراته من دون تبصر وإدراك كامل لعواقب القرارات التي قد تؤثر في مسيرته الحياتية. وأضاف أنّ البعض يلاحظ على المراهقين عدم الاستجابة والاعتراض على بعض القرارات؛ مما يجعلنا نتهم هذا المراهق بعدم الانصياع والطاعة لمن هو أكبر سناً، وتعد هذه الاستجابات التي تلاحظ على المراهق نتيجة من نتائج النمو في هذه المرحلة وهي تتعلق بتطور التفكير التجريدي، مشيراً إلى أنّه يمكننا في هذه المرحلة أن نوضح للمراهق أننا نهتم بما يقوله ونستمع له، ويتم ذلك من خلال عدة أمور يمكننا أن نمارسها مع المراهق في مثل هذه الحالات، ومنها ملاطفته وممازحته، وإشراكه دوماً في القرارات والأمور الأسرية، مع تقليل الاعتراضات عليه، ودعمه والعمل على موافقته. مساعدة المراهق وبيّن "د. الشريف" أنّ المراهق في حاجة إلى أن نكون صادقين معه وأكثر شفافية، محترمين ومقدرين له، والعلاج يكمن في تحفيز ودعم العائلة له ومساعدته في التخطيط وأخذ القرارات وتوفير بيئات صالحة له مقاربة لمرحلته العمرية، لافتاً إلى أنّه يقترب من أصدقائه أكثر من اقترابه لعائلته في هذه المرحلة لمروره بتشكل هويته الشخصية والاستقلال بها؛ مما يربطه دوماً بأصدقائه ورفاقه، مؤكّداً على أنّ الأسر في حاجة إلى أن تعرف أصدقاء أبنائها، وأن توضح لهم خصائص وصفات الصديق الجيد، مشدداً على ضرورة أن نجعل المراهقين يتحملون بعض المسؤوليات، ونساعدهم على ذلك، ونشكر لهم نجاحاتهم البسيطة، ومسؤولياتهم المنوطة بهم.وأشار إلى أنّ المراهق في حاجة إلى جو ودود في المدرسة يتفاعل من خلاله الجميع بهدوء وحب واستمتاع، وعلى من يدعم المراهقين بأن يحثهم على استثمار الأوقات بصورة بناءة برامج وأنشطة فاعلة تخدم دينهم ثم وطنهم ومجتمعهم، منوهاً بأنّ المراهق في حاجة إلى بناء سلم قيمي راق من أخلاق مثل الصدق والاحترام، وتدريبهم على مجموعة من مهارات التخطيط واتخاذ القرار ومهارات المقاومة وحل النزاعات بطرق سلمية، وندعم هويته الإيجابية ونعزز قوته الذاتية واحترامه لذاته، ولنشعره بأهمية وجود هدف في حياته، ونكسبه النظرة الإيجابية للمستقبل الشخصي، وتعويده ومساعدته على القيام بالعبادات والطاعات المختلفة. د. محمد القحطاني د. بندر الشريف