العالم اللغوي بروس إنغام، أو كما يحب أن ينادى (أبوحسين الظفيري) أستاذ اللغويات في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن كتب ابحاثا أكاديمية محكمة عن اللغة العربية ولهجاتها وتراثها الشفهي وكتب عن (السالفة)، وهي كما قال عنها وفقا لدراسة عامة للدكتور سعد الصويان: الرواية التاريخية الشفهية لوسط الجزيرة والقبائل العربية الموالية لها في صحراء بادية الشام وتروي أحداثا تاريخية هامة لشخصيات تاريخية معروفة في عالم البادية تحفظ شفاها وتنتقل من جيل إلى آخر مع ما يطرأ عليها من تعديلات وإعادة صياغة، مبينا أن موضوع الأسلوب الأدبي يشتمل على الحياة البدوية والقيم الحربية التي كانت تنظمها ومن الممكن ان تتحول إلى قصة واقعية تعالج مسألة تجسيد قيم المجتمع، بما يتعلق بأحداث هامة في تاريخ المنطقة. وعرض قصة الأمير عبدالله بن رشيد أحد أمراء حائل كنموذج عندما أجبر على الفرار من جبل شمر تحت ضغط هجمات أعدائه، ففر ذات مساء مع مرافقه المخلص حسين ولحقت به زوجته التي كانت على وشك الولادة، وأثناء الليل لحق بهم العدو واقترب منهم فاضطر بن رشيد لترك زوجته مع مرافقه حتى ينجو بنفسه، مع علمه أنه لا أحد يتعرض للنساء في هذه الحال طبقا للقيم والعادات البدوية وأن المرافق الذي يرعاها ويحميها لا يقتل هو أيضا. وقبل أن يغادر ابن رشيد أعطى أوامره لحسين أنه في حال ولادة زوجته فإن عليه تحديد نوع المولود إن كان ذكرا أو أنثى وفي الحالتين قتله ودفنه حيث إن المولود لن يتمكن من العيش بمثل هذه الظروف وهذه الصحراء الشاسعة والخطر يحدق به ويلاحقه. هناك ثمة رواية أن ابن رشيد طلب من مرافقه حسين البقاء معها بعدما فاجأها المخاض، وبعد مغادرته بفترة وجيزة بدأت زوجته تتعرض لآلام المخاض. وبعد أوقات عصيبة حيث الصحراء الموحشة مترامية الأطراف واقتراب الأعداء أنجبت زوجته ذكرا بحضور المرافق حسين الذي خالف أوامر سيده هذه المرة فقام بتمزيق قماش أكمام ملابسه واستخدمها في تغطية المولود وشد بطن الأم بعد الولادة ثم حمل الطفل وأخفاه بداخل ردائه ويلحقوا بابن رشيد حال تمكنت سيدته من المشي. كانت السيدة المترفة بنت الشيوخ المدللة منهكة وحافية القدمين وغير معتادة على مثل هذا الترحال. وأدمت قدماها بسبب الأحجار والأشواك فقام حسين بتضميد قدميها واختار لها طريقا رمليا أكثر ليونة، مبتعدا عن الأراضي الصخرية، وأخيرا لحقا بابن رشيد وقدما له المولود والذي أصبح بعد ذلك وفق رواية إنغام ب (محمد بن رشيد) أشهر حكام حائل (هكذا قال). وشعر حسين بالرغم من ذلك بالحرج والضيق حيث كان مع زوجة ابن رشيد وحده في هذه الحادثة، وعندما لا حظ عبدالله بن رشيد هذا الموقف ألقى قصيدة شعرية مشهورة في إطراء حسين ليحله من أي حرج وليصف رحلته مع سيدته من حائل: أرم الحذاء لمغيزل العين يا حسي واقطع لها من ردن ثوبك ليانه يا حسين والله ما لها سبت رجلين يا حسين شيب بالضمير اهكعانه جنب حفاة القاع واتبع بها اللين قصر خطا رجليك وامش امشيانه وان شلتها يا حسين تر ما بها شين حيث الخوي يا حسين مثل الامانة ما يستشك يا حسين كود الرديين والا ترى الطيب وسيع بطانه يصل بعد ذلك إنغام وفق كتاب (عاشق البادية الانجليزي) تأليف عطية بن كريم الظفيري إلى انه غالبا ما يقتبس - كما هو الحال في هذه القصيدة - آخر بيتين ويعدان من الأمثال الشعبية التي تنتقد الشخصية المرتابة مؤكدا أن هذه القصة هي مثال جيد على السالفة، وتضرب المثل على الترابط الوثيق بين الشعر والنص (السالفة). كما أنها قد رويت بخلفية التعرض لحرب والتغير السريع للأحوال التي يستخلص منها قيم الكرم وحسن الضيافة والوفاء، ولاحظ الكاتب انه على الرغم ان زوجة ابن رشيد شخصية محورية في القصة الا انه لم يذكر اسمها وظلت مجهولة طوال القصة، وتجسد القصة أيضا قيم الشجاعة والجلد والإخلاص واحترام نساء القبيلة. وبالتأكيد فإن الكاتب وإن كانت القصة للاستدلال فقط، قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية المعروفة ومنها على سبيل المثال ما ذكره ان الطفل هو محمد العبد الله الرشيد بينما هو في الواقع (متعب العبدالله الرشيد) ثالث حكام الجبل في الفترة بين 1866 – 1869م الذي يقال ان التسمية (متعب) مشتقة من تعب الأحداث والظروف التي ولد بها، أيضا تحدث إنغام عن رفيق الرحلة (حسين) وكأنه أحد الأتباع بينما تؤكد روايات أخرى انه صديق مخلص من علية القيوم واسمه حسين الذنيب وقيل حسين بن مسطح. بروس إنغام (أبوحسين الظفيري) وعطيه بن كريم الظفيري د. سعد الصويان غلاف (عاشق البادية الانجليزي)