تعرض منزل «أبوسلطان» للسرقة في وضح النهار وفي منتصف الأسبوع، بعد أن استغل بعض أرباب السوابق غيابه وأفراد أسرته عن المنزل لبعض الوقت، ليسرقو ما غلا ثمنه وخف حمله من المجوهرات وبعض الأجهزة الكهربائية، إضافةً إلى إحداث بعض التلفيات في المنزل، ثم فرّوا هاربين، وأثناء التحقيق تبين أن بعضا من أفراد العصابة كانوا يتناولوا المرطبات ومشاهدة التلفاز، مما يعني أنهم كانوا مطمئنين بأنه لا أحد سيكتشف أمرهم، وعند حضور مالك السكن أُصيب بالصدمة؛ وذلك لأن السرقة تمت في وقت الذروة من النهار والحي الذي يسكنه مزدحم بالجيران وبعض المحلات التجارية، ورغم ذلك لم يلحظ أحد خروج المسروقات من المنزل وتحميلها والهرب بها! أصبح الجار تحصيلا حاصلا في حياتنا الاجتماعية، غاب دوره الذي أوصانا به الدين الإسلامي، على الرغم أن المجتمعات تتشكل من جيرة وجيران، فإذا نظرت يميناً أو يساراً تجد بمنزلاً لجار قريب منك، قد يلاصق بابه باب منزلك أحياناً، أو بعيداً عنك ببضعة أمتار وتجده بجانبك في المواقف الصعبة، وطبيعة الإنسان أنه لا يعيش وحيداً، بل في مجتمع يلتف من حوله الناس، وقديما قالوا: «جارك القريب أفضل من أخوك البعيد»، وعندما أوصى جبريل عليه السلام بالجار لم يحدد وصفاً محدداً بمعنى لا مذهب أو ملة أو ديانة، وكأن الفضل يجب أن يعم كل الجيران، وهناك مقولة شائعة بين الناس وهي «على قدر الجار يكون ثمن الدار». ويُعد الجار الصالح نوعا من السعادة، بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الدين الإسلامي محبة الخير للجيران من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه»، والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله، وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره، وقد جعل الله حاجة الناس إلى بعضهم البعض حتى يأتي التعاون بصورة فطرية بينهما وهنا يظل الترابط كما قال الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، والهدف من التنوع هو التعارف والتقارب وأن يحسن بعضنا إلى بعض ويقضي بعضنا حاجة بعض، كذلك يجب علينا الموازنة في الجيرة بين المحافظة على الخصوصية والتواصل الاجتماعي، بحيث لا يؤذي الجار جاره بل يجب أن يكون معاوناً له على الاستقامة وإن ظهر فيه عيب يخفيه ويعالجه بالحكمة. وأوضح ديننا الإسلامي حقوق وواجبات الجار منها التعاون والنصيحة الطيبة والعون والمحبة؛ لأن الحب للجار ناشئ من الحب لله، كذلك يجب أن يكون الجار حريصاً على جاره أميناً على مصالحه ودوداً لا يسيء إليه أبداً، عالماً بضرورياته وعوناً له إذا احتاج إلى المساندة، بمعنى أن يجعل بينه وبين جاره رباطاً أساسه التعاون، وأن يكون العين التى تراقب منزله في غيابه ولا يرضى له ما لا يرضاه على نفسه، وفي حال سفر جاره يصبح الجار الأمين. «الرياض» تناقش أهمية معرفة الجار عن سفر جاره، وكيفية إعادة بناء هذه العلاقة الإنسانية من جديد، مما يجعل أهل الحي الواحد يتكاتفون ليصبحوا السد المنيع أمام أي ثغرة يستطيع منها ضعاف النفوس أن يتسللوا الى المنازل لسرقتها في غياب أصحابها. ثلاثة محاور في البداية «د. إبراهيم الجوير» -أستاذ علم الاجتماع-: الأصل في الجيران أن يكون بينهم تعاون ومحبة ومعرفة، لهذا قال عليه الصلاة السلام: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، وهناك نقطة مهمة بالنسبة للجيران، فالمسجد الذي يصلون فيه يُعد نقطة تواصل بينهم وتعارفا يؤدي الى التعاون، ويقوي الصلة بين الجيران، لكن الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة سوياً تكون الصلة بينهم ضعيفة، مضيفاً أن المسجد محور رئيس في قوة العلاقة مع الجيران، ومعروف في علم الاجتماع أن هناك ثلاثة محاور تساعد في صلة الجيران؛ أن يكون بينهم تعاون أو حاجة مشتركة، مثل توصيل الأبناء للمدرسة أو حاجة تربطهم مع بعض، أو أن تكون هناك صلة أخرى مثل صلة قرابة أو صداقة وزمالة، وبذلك يكون الرابط قويا بينهم، مبيناً أنه إذا كان الجار زميلا في العمل تصبح صلتهم أقوى، فوجود علاقة الجيران مع علاقة أخرى أمر جيد، ذاكراً أنه في بعض الأحيان لا تكون للجار علاقة مع أقارب أو أصدقاء خارج نطاق الجيرة، بمعنى أن يكون أتى للمدينة التي يسكنها وليس له معارف آخرون ويكون اهتمامه وعلاقته بالجار أقوى لعدم وجود العلاقة البديلة، مشيراً إلى أنه إذا كان بينهم تعاون لغرض معين فإن ذلك سيساعد الجيران في حال حدوث طارئ كما كان يحدث أيام زمان أوقات الأزمات مثل نزول الأمطار، حيث كان الجيران وقتها يتكاتفون من أجل تصريف مياه السيول، وهذه الأحداث رغم صعوبتها إلاّ أنها كانت تقوي العلاقة بين الجيران. علاقة جافة وأوضح «د. الجوير» أن العلاقة بين الجيران في الوقت الحالي بدأت تجف تدريجياً، لعل بعض أسبابها وجود السيارات، فالساكن في الحي يدخل ويخرج بسيارته إلى عمله ويعود إلى منزله دون أن يلتقي بأحد، وهذا مما ساهم في تقليل عملية التواصل بين الجيران، مضيفاً أن هناك دراسات عن تأثير دور السيارة في التقليل من التواصل بين الناس، مبيناً أنه ساهم في هذا الانقطاع وجود وسائل التواصل، فقد أصبح الناس يتواصلون بشكل دائم مع من يبتعدون عنهم ويعيشون في الفضاء الجغرافي تاركين الجيران والأصدقاء، مُشدداً على أهمية دور الأسرة والمرأة تحديداً في عملية التواصل مع نساء الحي؛ لأن الزيارات تزيد من أواصر العلاقة بين الجيران، ذاكراً أنه من أجل التعاون وحماية المنازل في غياب أصحابها يجب أن يعرف الجار أن جاره مسافر حتى يكون العين التي تراقب منزله، مؤكداً على أن غياب ذلك تسبب في الكثير من الحوادث، نظراً لغياب المعلومة عن الجار، والذي لا يعرف أن جاره مسافر أو بعيد عن المنزل. د. إبراهيم الجوير د. صالح الدبل توسع الأحياء وأكد «د. صالح الدبل» -أستاذ مشارك في علم اجتماع الجريمة بكلية الملك فهد الأمنية- على أننا أهملنا العلاقة مع الجيران والتعامل معهم، وذلك لأننا تعودنا في الزمن القديم الجميل على أن الأوضاع آمنة ومستقرة، وكان عدد الناس قليلا ومن يعيشون في الحي أشخاص معروفون، لكن مع توسع الأحياء والمدن وزيادة عدد السكان والمقيمين والذين يتنقلون من حي لآخر لم يعد هناك التعارف المناسب، مضيفاً أن مشكلة تعرض المنازل للسرقات في غياب أصحابها أمر أصبح واردا، والجهات الأمنية خاصةً في المدن الكبيرة بحاجة إلى معاونة المواطن الأمني، وهذا ينطبق على الجار الذي يجب أن يكون متيقظا وحذرا لما يحدث في الحي، مبيناً أن من أهم الأسباب التي تسببت في هذا النوع من القطيعة بين الجيران هي الطرق الشبكية، والتي تُعد مداخلها ومخارجها كبيرة، كذلك الملاحظ أن الحي الواحد يتقاطع فيه أكثر من ثلاثة شوارع، لدرجة أنه يمنح فرصة لضعاف النفوس تخطيط سرقة المنازل الخالية من سكانها، موضحاً أن المدن وبشكل خاص يتنوع السكان فيها بكثرة والمنتقلون من القرى للمدن أحياناً يسكنون في مناطق لا يعرفون فيها أحدا، والمشكلة أن الناس أحياناً يتخوفون من العلاقات، خاصةً باتجاه السكان الجدد، وتكون لديهم صعوبة في الفردية والتشكك وصعوبة التعرف على الآخرين، وهذه أوجدت مناخا غير آمن في الأحياء. وأضاف: هناك أسباب أخرى منها العمالة المنزلية ووجود العمالة في الشوارع للعمل في مشروعات البناء والمحلات التجارية، مؤكداً على أن وجودهم داخل الأحياء وهم أغراب يساعد في وقوع السرقات، خاصةً وأن مجتمعنا لا يشجع على إقامة العلاقات الاجتماعية مع الغرباء، وهذا يفتح مجال آخر لوجود فئات أخرى من غير المواطنين. أهمية التواصل وشدّد «د. الدبل» على أنه من أجل إعادة الثقة في بناء العلاقة مع الآخرين فإن هذا ممكن من خلال خطين؛ أولهما اجتماعي نابع من المجتمع المحلي، بحيث يكون لديهم أشبه ما يكون بالتواصل كالاجتماع في المسجد، أو من خلال جمعة للجيران يتعارفون فيها على بعض، مقترحاً أن تكون المبادرة من إمام المسجد، وهذا سيخفف من حد القطيعة، ويساعد على تأمين الحي؛ لأنهم سيعرفون بعضهم بعضاً، وسيتمكنون من ملاحظة أي غريب عن الحي، مبيناً أهمية مراكز الأحياء عن طريق الإلزام الرسمي بتواصل جميع المنازل بهذا المجتمع التابع لمراكز الأحياء، بحيث أن كل مستأجر جديد في الحي تدون معلوماته تحت مسمى مركز المعلومات، لافتاً إلى أنه من الأمور التي تتبع وتساهم في ضبط الناحية الأمنية تكوين مجموعة من الجيران لأشبه ما يُسمى ب»الدورية»، تعمل بالتناوب بين الجيران، بحيث يجلسون في جو عائلي يتجاذبون الحديث، وهذا معمول به في الكثير من دول العالم، حينما وجدوا ان التحضر والتصنيع فتت العلاقات الاجتماعية، وأصبحت هناك فردية، فابتكروا أساليب رقابية محلية بين الأحياء بالتناوب؛ للمساعدة من تخفيف مشاكل الحي. غياب العلاقة بين الجار والآخرين قد يُعرض منزله للسرقة تواصل الجيران يحافظ على أمن الحي ضد الجريمة