اندثرت في هذا الزمن، وتحديداً مع التطور الذي نشهده تقنياً الكثير من العادات المجتمعية التي كانت في الماضي أساساًً للتلاحم والترابط بين الجميع، بل أصبح بعض الأشخاص يرفضونها، وآخرون يبحثون عن مواطنها، ومن ذلك تبادل الأطباق الرمضانية بين الأسر، خاصةً الجيران، حيث بدأت تختفي هذه العادة، إلاّ في بعض القرى والهجر التي يكون عدد سكانها قليلا وتربطهم علاقة أخوية قوية. عادة جميلة وذكرت "حنان الجابر" أنّ عدم معرفة الجارة لجارتها ربما يكون سبباً في عدم إرسال طبق معين لها، مبيّنةً أنّ الوقت تغيّر، وربما بعض الناس قد يخشى مما يقدم لعدم معرفتهم التامة بالجيران؛ بسبب قلة التواصل بين أفراد المجتمع، مشيرةً إلى أنّ تكرار هذا الفعل ربما يقارب الجيران ببعضهم، كما أنّ استثمار هذا الشهر قد يكسر الحواجز. الخادمات نافسن الأطفال في إيصال الأطباق ورأت "نوف عبدالعزيز" أنّ تلك العادة مستمرة ومتواجدة، خصوصاً في القرى الصغيرة، حيث يتبادل الجيران الأطباق، ويتنافسون على فعل ذلك، موكّدةً أنّ الأمر يقل في المدن الكبيرة المكتظة بالسكان، مشيرةً إلى أنّ التوسع الكبير الذي حدث في المدن ساهم في اندثار تلك العادة، مضيفةً: "ربما يسكن الشخص في منطقة يقل فيها عدد السكان لكونها جديدة، فهذا يجعل السكان بعيدين عن بعض نوعاً ما، ولا يمكن أن يكون بينهم تآلف كبير مثل الذي كان في الماضي". وبيّنت "بشرى الدريهم" أنّها تبادل الأطباق الرمضانية عادة طيبة ولا زالت موجودة، خاصةً في الأحياء التي دامت بها الجيرة سنين طويلة، مضيفةً: "أتذكر أنّ سفرتنا تمتلئ بما لذ وطاب من جاراتنا، حتى أنّ بعض الجارات ينسقن مع بعضهن، فمن تنوي عمل طبق تخبر جاراتها فتطبخ وجبة أخرى، وبذلك توفر الجهد والعناء على الجارات، ويدخل ذلك من باب البر وصلة الجار"، موضحةً أنّ أسباب ترك هذه العادة كثيرة، منها: التوسع العمراني، وحداثة الجيران، وتغيرهم، فمنهم المالك، ومنهم المستأجر، فلا تكوّن علاقات الجيرة عادة إلاّ بعد أشهر, وتغير الجيل وثقافته، فلا ارتباط بالتقاليد، وتحول الوضع من تبادل الطعام إلى التفاخر وحب التميز، ففي الماضي القريب كانت الأسر ترسل أطباقاً بسيطة ومألوفة، مثل: السمبوسة أو الثريد أو حتى قليل من الحساء لبيت الجيران، أما الآن فثقل الكاهل بالتكلف الزائف، والمفاخرة، وتتبع الجديد من الطبخات، إضافةً إلى عمل المرأة ووصولها في ساعات متأخرة، وقلة التواصل الاجتماعي بين الجيران خلال العام. عادة تبادل الأطباق الرمضانية اندثرت بين الجيران التوصية بالجار ولفتت "أسماء الضبع" -خبيرة في التنمية البشرية- إلى أنّ ما اعتاد عليه المجتمع في الماضي من تبادل الأطباق بين الجيران كان السر في نكهة الشهر المختلفة، موضحةً أنّ تلك العادة تلاشت لظروف الحياة والأعباء التي أصبحت تلقى على كاهل المرأة العاملة، إلى جانب تسارع الحياة الذي جعل البعض ينسى في خضم العجلة والسرعة مثل هذه العادات، بالإضافة الى وسائل الإعلام الحديث التي جعلت من التواصل مع الجيران الكترونياً أكثر من كونه مباشراً وحميمياً، منوهةً بأنّ المرأة الآن ليست مثل جيل الأمهات، فهي مشغولة ولاتكاد تجد الوقت الكافي لكل ما تريد فعله، معتبرةً أنّ التواصل بين الجيران شيء ضروري للغاية, وقد ورد في السنة النبوية أحاديث شددت على التوصية بالجار ورعايته، حيث أنّ ذلك من أنواع التكافل الاجتماعي؛ مما يساهم في تقليل الكره، والحقد، والشحناء والصفات البغيضة، إذ أنّ ذلك سيقرب ويهدأ النفوس, ويغرس الألفة بين أعضاء المجتمع, وأيضاً التواد والتراحم والتقارب بين الجيران. د. عبدالله السدحان ترابط اجتماعي وقال "د. عبدالله بن ناصر السدحان" -وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للتنمية الاجتماعية-: "حين النظر إلى هذه الظاهرة يجب أن نبحث عن سبب نشأتها، لنعرف بعد ذلك لماذا تقلصت أو انتهت، في السابق كان الحي كتلة واحدة، والمنازل بينها قرب شديد، والجيران بينهم تواصل؛ مما يجعلهم يعرفون بعضهم تماماً، ويعرفون حالة كل أسرة، من حيث ضعفها، وفقرها، وغناها، كما كانت الأسر في الغالب في احتياج إلى بعض، وهذا يجعلهم يمدون بعضهم ببعض الأطعمة لسد حاجة، إضافةً إلى التودد للجار الذي أوصى به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما أنّ الترابط الاجتماعي في السابق له دور كبير في إيجاد نوع من الألفة بين الجارات؛ مما يجعل الجارة حريصة على تقديم طبق ما أو أكلة ما لجارتها التي تودها، بسبب ما بينهم من قرب اجتماعي وتزاور وترابط". وأضاف: "تمدد المدينة وانشغال الناس أضعف الروابط الاجتماعية، وبالتالي انحسر التهادي بين الجيران، وإن كانت هناك محاولات لإحيائها بين بعض الجيران، لكن من المؤكّد أنّه ليس بالدرجة السابقة، وتوقف هذه العادة سيؤدي إلى المزيد من النفرة والتباعد، ففكرتها ومنطلقها تقديم الهدية إلى الجار، ومن المعروف أنّ قلة التهادي تقلل التحابب، مصداقاً لحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (تهادوا تحابوا) والعكس بالعكس"، مشيراً إلى ضرورة نشر الوعي بأهميته تلك العادة وأثرها الاجتماعي, خاصةً إذا رُبطت بالبعد الشرعي، وحث الإسلام على الجار وتعاهده والتواصل معه، كما أن تنشيط مراكز الأحياء سوف يعمل على تنمية هذه الظاهرة وإعادة وهجها السابق بين الجيران.