كانت العلاقة بين الجيران قوية ومتينة لسنوات طويلة، حتى باتت تشبه علاقة الأهل، وكان كل شخص يهتم بأحوال جاره، ولا يهدأ له بال عندما يفتقده -ولو لفترة بسيطة- حتى يعرف ويتأكد أنّه بخير، وقد يعاتبه عندما يقلّ في التواصل، أو عند اكتشافه أنّه بحاجة إلى من يساعده ولم يخبره، كما كان جميع الجيران يتشاركون في المناسبات، ويعلمون كافة المستجدات الطارئة في حارتهم، من خلال تزاورهم الدائم وعند لقائهم بشكل يومي في المسجد، حيث يسألون عن أحوال بعضهم بعد انتهاء الصلاة وقبل أن يعودوا إلى منازلهم. وبدأت تلك العادات الجميلة في الاندثار يوماً بعد آخر، وساد التفكك الاجتماعي بشكل كبير، حتى أصبح الجار بالكاد يعرف اسم جاره، مقتصرين على إلقاء التحية عندما يلتقون صدفة، ولتقريب الفجوة بين الجيران بادر البعض بتأسيس مجالس للأحياء، الهدف منها التقارب والتواصل ومعرفة أحوال الجميع، وتقديم المساعدة لمن يحتاج، إلاّ أنّ تلك المبادرات في بعض الأحيان لا تسير كما يتمنى المشرفون عليها، حيث يفضل البعض الانعزال وعدم التواصل، حتى مع وجود التقنيات الحديثة، التي من شأنها تسهيل الأمر من خلال رسائل تبعث عبر خدمة "الواتس اب" أو البريد الإلكتروني، تحتوي على دعوة للمشاركة في مناسبة زفاف أو واجب عزاء أو زيارة مريض. نحتاج إلى تعميم «مراكز الأحياء» نحو تفعيل التواصل بين ساكني الحي إن ما نُشاهده من انقطاع العلاقات بين الجيران يُحتم النظر في فكرة مراكز الأحياء، التي من شأنها تحقيق عديد من الأهداف كالتواصل الاجتماعي، من خلال الفعاليات التي يقدمها المركز، إضافةً إلى الاجتماعات التي يفترض عقدها بشكل دوري، كما أنه من خلال المركز بالإمكان تدعيم التواصل عبر التقنيات الحديثة كصفحات التواصل الاجتماعي، أو من خلال رسائل الجوال والبريد الالكتروني، بعد أن يتم تأسيس قاعدة بيانات تحوي جميع سكان الحارة التي يشملها مركز الحي. تحية من بعيد وتتسم مدن المملكة بكونها مناطق جذب للباحثين عن فرص عمل؛ مما ساهم في هجرة أهالي القرى الصغيرة إليها، وتحولت بعض المدن إلى مزيج بين ثقافات المملكة، حيث يجاورُ القادم من الجنوب شخصٌ قادمٌ من الشمال في شرق المملكة أو غربها، وقد يكون ذلك سبباً في خشية التداخل مع الجيران؛ لاعتقادهم أنّ هناك اختلافاً في الثقافة أو العادات ليصبحوا أغراباً متجاورين، غير مستعدين لأي مبادرة للتواصل، والاكتفاء بإلقاء التحية من بعيد. وكان الجيران سابقاً يقدّمون خدماتهم ومساعدتهم لبعضهم، من خلال ما يشتهر كل منهم وما يجيده من خبرات في مجاله كالنجارة والسباكة والكهرباء، وتبدل ذلك الواقع وأصبح الأغلبية يفضلون استئجار عمالة من الطريق بدلاً من سؤال الجار -حتى إن كان متخصصاً في المجال المطلوب-؛ خوفاً من الاعتقاد السائد أن من يطلب المساعدة يُعد جاراً ثقيلاً على القلب. بعض الجيران لا يُشجع الآخرين على التواصل معه تواصل مفقود وقال "عدنان شبر": إن هناك شبه انقطاع في التواصل الاجتماعي بين الجيران؛ مما ساعد في تزايد حالات السرقة للمنازل، بعد أن أصبح المجتمع لا يعرف من هم الأقارب والأصدقاء، مضيفاً أن ذلك ساعد بعض اللصوص ومكّنهم من الدخول إلى المنازل في وضح النهار، بعد تأكدهم من عدم وجود أهاليها، حتى وإن كان الشارع مزدحماً بالمارة أو الجيران، مبيناً أنّه على الرغم من مبادرات الجيران بتنظيم جلسات دورية في مجالسهم، إلاّ أنّ هناك من يمتنع عن التواصل أو الزيارة، في الوقت الذي يتشارك البقية الأفراح والأتراح، حيث يقدم الجميع كل ما بوسعه لخدمة جاره، فيما المنعزلون لا أحد يعلم عنهم أي شيء. قطيعة وانعزال وبيّن "نعيم المكحل" أنه تعرض لحادثة سرقة، حيث وقفت سيارة أمام منزله، وخرج منها شبان دخلوا وسرقوا مصوغات ذهبية وأجهزة مختلفة، وخرجوا أمام مرأى جاره، الذي لم يعلم أنهم لصوص، حيث فاته أن يركز في ملامحهم لتقديم أوصافهم، مضيفاً أنّ هذا الجار لم يكن اجتماعياً في الحارة، ويجهل أسماء أفراد الأسر المجاورة له، مشيراً إلى أنّ مثل هذه القطيعة أو الانعزال تساهم في تفكك أواصر المجتمع، رغم أنّ تعاليم الدين الحنيف تحث على مراعاة حق الجار وعدم هجرانه، مشيداً بتجربة السيدات في حارتهم، حيث يتواصلن بشكل مستمر ودوري في منازلهن؛ مما زاد من علاقتهن ومعرفتهن ببعض. تبادل الأرقام ولفت "يوسف السيهاتي" إلى أن العديد من الشباب يضطرون إلى العمل بعيداً عن مساكنهم، فيما تتعرض أسرهم في بعض الأحيان إلى مواقف طارئة تحتاج إلى مساعدة عاجلة من أقرب الناس لهم، مضيفاً أنّ عدم التواصل يمنع البعض من الاتصال هاتفياً وطلب المساعدة، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك تواصل فعّال بين الأسر المتجاورة، من خلال تبادل الأرقام الهاتفية لمعالجة الأمور الطارئة، التي لا يمكن إنقاذها في حال انتظار فرد من الأسرة يسكن بعيداً؛ مما يجعل الجار هو الاختيار الأول الذي يمكن أن يقدم الدعم والمساعدة، مشيداً بتجربة موقع التواصل الاجتماعي بحي الخليج في "سيهات"، متمنياً أن تستنسخ الأحياء الأخرى تلك التجربة مع تفعليها بشكل أكبر، بما يحقق الأهداف الإجتماعية والخدمية. زيادة التواصل وأشاد "عيسى المزعل" -عضو سابق في المجلس البلدي بمحافظة القطيف- بفكرة إنشاء مجالس الأحياء التي نفذها المجلس السابق، وكان هدفها الإلتقاء بأبناء الحارات والتعرف على مطالبهم، بحكم معرفتهم بتفاصيل أي عضو في المجلس البلدي، الذي سيكون ملماً بالحي الذي يسكنه في مدينته، مضيفاً أنّ مجالس الأحياء كانت فرصة مفيدة لزيادة التواصل بين الجيران، الذين قد تفرقهم التزاماتهم العملية والعائلية، إلاّ أنّ المشاركة كانت محدودة في تلك التجربة. وشدّد على أنّ فكرة مراكز الأحياء من شأنها تحقيق عديد من الأهداف كالتواصل الاجتماعي، من خلال الفعاليات التي يقدمها المركز، إضافةً إلى الاجتماعات التي يفترض عقدها بشكل دوري، كما أنه من خلال المركز بالإمكان تدعيم التواصل عبر التقنيات الحديثة كصفحات التواصل الاجتماعي، أو من خلال رسائل الجوال والبريد الالكتروني، بعد أن يتم تأسيس قاعدة بيانات تحوي جميع سكان الحارة التي يشملها مركز الحي. دور المسجد مهم في التواصل بين سكان الحي فجوة اجتماعية وقال "د. محمد عبدالله المطوع" -وكيل كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود-: التباعد ما بين الجيران تزايد بشكل واضح وأصبح يدعو للقلق؛ نظراً للسلبيات الكثيرة التي تسببها الفجوة الاجتماعية بين الجيران، الذين يفتقدون لأبسط مقومات الجيرة، التي تستند على الاهتمام والرعاية والمساعدة، إضافةً للسؤال عن حال الجار واحتياجاته، مضيفاً أنّ الانشغال بالأعمال والمسؤوليات الأسرية من أسباب هذا التباعد، إضافةً للثراء المادي الذي تسبب باستغنائهم عن بعض، فيما غاب دور المسجد حيث كان المصلون يسألون عن أحوال بعضهم بعد الانتهاء من الصلاة، فيما يهمون بالخروج الآن وبشكل سريع دون معرفة الجار المتغيّب عن الصلاة لظروف صحية أقعدته في المنزل. وأشار إلى نجاح فكرة إنشاء صفحات الكترونية على مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة، بحيث تكون محصورة بسكان الحارة، مع تداول آخر المستجدات ومعرفة أحوال الجميع، مؤكداً مساهمتها في لم شمل الجيران، من خلال آلية واضحة لأهداف مشجعة للجميع، عبر تدوين بياناتهم أو التسجيل في الموقع، الذي سيتيح لهم تقديم مقترحاتهم أو ملاحظاتهم باحتياجات الحي، حتى يوصلها المكلفون إلى الجهات المعنية. عدنان شبر نعيم المكحل يوسف السيهاتي د. محمد المطوع عيسى المزعل