الحقيقة أن الحديد يعتبر أهم عنصر فلزي عرفه الإنسان لأنه الأكثر استخداماً في الصناعات التطبيقية وهو اليوم رمز المدينة الحديثة التي نلمسها ونشاهدها وندركها أو نسمع عنها وذلك على الرغم من المحاولات المستميتة لإحلال مواد بديلة عنه هذا بالإضافة إلى أنه عنصر حيوي ذو أهمية بالغة بالنسبة للكائنات الحية حيث يعتبر نقصه لديها ممرضاً وربما مميت. المملكة تخوض غمار تنمية شاملة، وتنفذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل الإسكان والطرق والمواصلات والنقل العام وتمديدات الماء والبترول والغاز وبناء السفن والتوجه إلى تصنيع السيارات وغيرها من المعدات والأجهزة، وكل ذلك يحتاج إلى كميات موازية من الحديد. إن صناعة الحديد والصلب من الصناعات الهامة وذلك لأنها تقوم بدور حيوي ورئيسي في التنمية الصناعية والإنشائية والاقتصادية للمجتمع ناهيك عن وجود علاقة طردية بين كمية الحديد المستهلك والنمو الاقتصادي في الدولة كما يقاس مدى تقدم الدول اقتصادياً بنصيب الفرد من الحديد وخير دليل على ذلك ان نصيب الفرد من الحديد في الدول المتقدمة يزيد على 750 كجم سنوياً بينما يصل إلى 10 كجم فقط في الدول النامية. ولا أدل على أهمية الحديد من قوله تعالى: (لقد أرسنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز) الآية. ومن المعروف ان الحديد المصنع أنواع عديدة لكل منها استخداماته الخاصة ومنها: - الحديد الزهر وهو يستخدم في الأدوات التي لا تتعرض للصدمات وذلك مثل أنابيب المياه وأنابيب الغاز. - الحديد اللين أو المطاوع وهذا يستخدم في صنع المغناطيسات الكهربائية المستخدمة في الأجهزة الكهربائية كما يستخدم في قضبان التسليح المستخدمة في البناء. - الحديد الصلب ويستخدم في صناعة السفن وسكك الحديد والجسور وهياكل المباني والأبراج العالية. - سبائك الحديد الصلب وهذه عبارة عن خليط من الحديد ومواد أخرى مثل النيكل والكروم وذلك لجعل السبيكة أكثر مقاومة للصدأ أو جعلها أكثر صلابة فالأولى تستخدم في صناعة السيارات والثانية في صناعة كراة تسهيل حركة محاور المحركات (الرمان بلي). - وهناك أنواع أخرى تدخل في صناعات عديدة مدنية وعسكرية وطبية وغيرها. أما صناعة الحديد والصلب فهي من أهم الصناعات الاستراتيجية لأن لها دوراً رئيساً في التنمية الصناعية والاقتصادية كما ان لها علاقة وثيقة بالصناعات الأخرى.. وذلك مثل صناعات التعدين والحراريات والسبائك الحديدية والصناعات المستهلكة لمنتجات الحديد والصلب مثل صناعة السيارات والسفن والأجهزة والمعدات ومشاريع ومرافق الخدمات وقطاع البترول والغاز وقطاع التشييد والبناء والاسكان. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تعتبر صناعة الحديد والصلب من الصناعات التي تفتح فرص عمل جديدة في مجالها وفي المجالات المعتمدة عليها التي تدخل في صناعة كل حاجة من حاجاتنا الأساسية والكمالية اليومية ولذلك يعتبر الحديد أكثر المعادن استخداماً في العالم ولذلك تبلغ نسبة إنتاج الحديد حوالي 95٪ من الإنتاج العالمي للمعادن. ليس هذا وحسب بل ان الحديد يحتل المركز الرابع من حيث وفرته في القشرة الأرضية على صورة أكاسيد وهو من أكثر العناصر الكيميائية استقراراً على الاطلاق وذلك بسبب توازن القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية القوية داخل نواة الذرة، كما ان الحديد أقوى الفلزات على الاطلاق وأكثرها أهمية للأغراض الهندسية بشرط حمايته من الصدأ والتآكل. أما الأهمية الحيوية للحديد فتظهر من خلال انه يدخل كعنصر حيوي أساسي في تركيب العديد من المركبات العضوية والانزيمات في جميع الكائنات الحية وذلك مثل خضاب الدم وميوجلوبين وسيتوكروم وكذلك النترو جيناز. وعلى الرغم من أهمية الحديد وكثرة تطبيقاته الا ان كمية إنتاج العالم منه لا تتجاوز (1،8) مليار طن سنوياً وتعتبر الصين أكبر منتج له في العالم حيث تنتج (588) مليون طن سنوياً وهذا ما جعل سعره مرتفعاً نسبياً وهذا بدوره من أكبر الحوافز للاستثمار في صناعة ذلك المارد الذي نستورد منه كميات كبيرة جداً للوفاء بمتطلبات التنمية والنشاط العمراني الكبير الذي تشهده المملكة هذه الأيام. وهذا ما جعل واردات الحديد تتضاعف خلال الأعوام الأخيرة وذلك على الرغم من وجود أكثر من تسعة مصانع للحديد هي مصنع سابك للحديد ومصنع الانفاق ومصنع الراجحي واليمامة والمكيرش والوفور وطيبة وجازان واتون التي وصلت طاقتها الإنتاجية الإجمالية إلى 11 مليون طن سنوياً عام 2013م وحيث إن حجم الطلب في المملكة في حدود 8 ملايين طن سنوياً فإن هذا يعني ان هناك فائضاً في إنتاج الحديد في المملكة يصل إلى (3) ملايين طن وبالتالي فإن الفرصة أمام المصانع المحلية للتصدير للخارج متاحة وفي الحقيقة هناك تناقض بين ارتفاع نسبة واردات الحديد بمقدار (100٪) وبين وجود فائض لدى المصانع الوطنية حيث تستورد المملكة ما يصل إلى حوالي (500) ألف طن سنوياً من السوق العالمي. من هذا يتضح أننا أمام فرصة مواتية تتمثل في التوجه إلى إنتاج الحديد بجميع أنواعه محلياً وتصديره على ان يتم التصنيع بجميع مراحله من التعدين حتى الإنتاج النهائي محلياً وليس استيراد المادة الخام جاهزة كما هو حاصل الآن. ان الطلب على الحديد محلياً واقليمياً وعالمياً في زيادة مطردة وذلك لأسباب التنيمة وإعادة الاعمار في الدول غير المستقرة والتي قضت الحروب على بنياتها التحتية كما هو حادث في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول ناهيك عن ان مظاهر العمران الحديثة المعتمدة على بناء ناطحات سحاب عالية كما هو حاصل في الإمارات وقطر والمملكة وغيرها من دول الخليج يحتاج إلى كم هائل من حديد التسليح ناهيك عن تبني خيار ربط مناطق المملكة ودول الخليج بسكك حديدية ولا ننسى مشاريع النقل العام في المملكة وغيرها. إن التوسع في صناعة الحديد من خلال إنشاء مصانع جديدة وتوسيع القائم منها سوف يوفر الحديد وسوف يؤدي إلى خفض أسعاره محلياً وهذا سوف ينعكس ايجاباً على جميع الصناعات المعتمدة عليه ناهيك عن ان هذا سوف يؤدي إلى فتح فرص عمل معتبرة وعند التصدير سوف يشكل ذلك مصدراً من مصادر الدخل للمملكة. إذاً لابد من اعداد دراسة مستفيضة مبنية على حاجة السوق المحلية والاقليمية والدولية من الحديد تعتبر أساساً لاعداد جدوى التوجه لذلك الخيار الاستراتيجي الذي علمت بعض الدول بأهميته وبالتالي التوجه نحو الاستثمار فيه وخير مثال على ذلك الصين والبرازيل واستراليا والهند وروسيا حيث يبلغ إنتاج كل منها على التوالي 588 مليون طن، و318 مليون طن، 275 مليون طن، 140 مليون طن. وبالتأكيد لولا الفائدة الاقتصادية لما تحملت تلك الدول عناء الاتجاه إلى هذا النوع من الصناعات الثقيلة المكلفة. نعم المملكة تخوض غمار تنمية شاملة وتنفذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل الاسكان والطرق والمواصلات والنقل العام وتمديدات الماء والبترول والغاز وبناء السفن والتوجه إلى تصنيع السيارات وغيرها من المعدات والأجهزة وكل ذلك يحتاج إلى كميات موازية من الحديد، وكذلك دول الخليج والدول الأخرى. فهل نتجه لنكون من الدول الأكثر إنتاجاً للحديد للوفاء بمتطلبات الطلب المحلي وسد حاجة السوق الاقليمية والدولية؟.. والله المستعان..