يجفل الكثير من المسؤولين الكبار عن كتابة مذكراتهم، ويبخلون بتوثيق سيرتهم وأعمالهم التي قاموا بها، وما واكبها من تفاصيل وأحداث ومع ذلك هناك بعض الإشراقات، فالمكتبة تشهد بوجود عدد قليل من الوزراء قاموا بتدوين مذكراتهم التاريخية، تدفعهم القناعة بأن ما اكتسبوه خلال الممارسة يجب أن يكون متاحا للجميع وليس محبوسا خلف الأبواب وبأن تلك الأحداث في مرحلة زمنية محددة هي ارضية إضافية لتجويد الأداء الإداري ولوضوح الرؤية الاستشرافية للمستقبل. أسوق حديثي هذا وقد استمتعت بقراءة كتاب (لكم وللتاريخ.. سيرة وزارية صريحة) وهو عبارة عن مذكرات وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع.. استحضر فيها الكثير من القصص والأحداث التي ارتبطت بعمله الوزاري طيلة 6 سنوات كانت عامرة بالعديد من الإنجازات والنجاحات. أعجبتني الأحداث والحقائق التي رصدها الكاتب، منها المكاشفة في مواجهة الفساد والفاسدين في قطاع حساس يتقاطع مع حياة الإنسان وحقيقة الحزام الصحي وإنشاء 13 مدينة طبية تخصصية وتوحيد سلم الرواتب الذي واجه ممانعة كبيرة من القطاعات الصحية العسكرية والتخصصية وخصوصا ملابسات صدور قرار مجلس الوزراء بإلزامية الفحص الطبي قبل الزواج للحد من انتشار الأمراض الوراثية والمعدية كون هذا القرار تم ترتيبه بذكاء من الوزير المانع عندما زار وزير العدل واتفق معه على آلية تحقق هدف منع الزواج دون الحصول على وثيقة الفحص الطبي وبعدها قابل ولي العهد آنذاك الملك عبدالله قبل جلسة مجلس الوزراء بساعتين وعرض عليه الموضوع ليصدر ولي العهد أمره الكريم بإلزامية الفحص قبل الزواج كأسرع قرار تاريخي مر على وزارة الصحة. أحلم بأن يحذو باقي الوزراء حذو المانع وقبله القصيبي في كتابه (الوزير المرافق) والخويطر في كتابه (وسم على أديم الزمن) ويقوموا بتدوين مذكراتهم وسيرهم الذاتية وتوثيق تجاربهم بشفافية وموضوعية فالأمم لا ترقى إلا بمعارفها وخبراتها التراكمية وتصبح أكثر قدرة ودراية بتجنب مواقع الزلل والإخفاق.