شدد وزير الصحة السابق، الدكتور حمد المانع، في تصريح ل «الشرق»، على أن كتابه «لكم وللتاريخ.. سيرة وزارية صريحة»، ليس سيرة ذاتية، لكنّه توثيق للوزارة التي عمل فيها فترة من الزمن. وقال إن هناك أعمالا كثيرة جرت في وزارة الصحة إبان تسلمه دفتها، لكنّ تلك الأعمال لم توثّق، وهي عادة يلحظها على كل الوزراء السابقين الذين لا يوثقون أعمالهم الوزارية بشكل كتابيّ، حسب قوله. وأضاف أن الفترة التي كان فيها وزيراً للصحة شهدت أعمالاً كثيرة منها الفحص قبل الزواج، ومشروع المراكز الصحية، ومشروع المدن الطبيّة. وذكر أنّه يحزن على الأمور التي طرحت أثناء وزارته ولم تكتمل، ويفرح كثيراً بالأشياء التي أنجزت في عهده. وكان المانع قد أوضح في كتابه هذا، أنه لم يكن متشبثاً بكرسيّ أو منصب لأنّه لم يكن يحلم يوماً أن يكون وزيراً أو مسؤولاً كبيراً. وأشار في كتابه، الصادر حديثاً عن دار طوى للنشر والتوزيع، إلى أنّه نجح في إفساد كل علاقة بالنَّاس قد تؤثر على شرف المهنة أو تخدش الأمانة التي حملها، مبينا أن السِّر الذي يقف وراء هذا التوجه الشخصي، يرجع إلى أنه وجد نفسه في أن يكون استشاري الأنف والأذن والحنجرة! وذكر أنه لم يكن يتوقع أن يجلس يوماً لكتابة سيرته أو تسطير جزء منها؛ بسبب أن الحديث عن النفس فيه مشقة بالغة، خاصة أن الإنسان مهما كان منصفاً، فهو في النِّهاية يرى بعينيه فقط، ولا يدرك بيقين تام دوافع الآخرين ولا أهدافهم. وقال إنه كتب سيرته الشخصية دون أن يتعرض لأحداث وأشخاص وهيئات وأفكار كانت متفاعلة مع صاحب السيرة إن سلباً أو إيجاباً، لكنّه استخار الله، بعد أن ألح عليه بعض زملائه للكتابة عن الفترة التي قضاها وزيراً للصحة. وأشار المانع في كتابه إلى أنه كان صادقاً مع نفسه، ومع القرّاء، ومع التَّاريخ، وأنه ملتزم في كتابه بالحفاظ على أسرار الدولة ومقتضيات القسم الذي تشرف بأدائه أمام ولاة الأمر، إضافة إلى أن كل إنجاز يتحدث عنه يشاركه فيه عدد من زملائه الكرام الذين سعد بالعمل معهم وإن لم يشر إليهم، دون أن يتهرب من أي خطأ أو تقصير وقع أثناء عمله وزيراً للصّحة. وقال إنّ من أهدافه في نشر هذه السيرة العملية أن تكون مرجعاً أميناً لتوثيق فترة زمنية عاصرها على أرض الواقع. وألمح المانع إلى فتنة الكراسي التي من أجلها قامت حروب، وهُدِّمت صوامع وبيع، وبسببها افترق الأقارب، ودونها نكص أصدقاء على أعقابهم فانقلبوا أعداء! وفي الهُيام بها تلاقت مصالح الأباعد فصاروا أحبَّة أصفياء! وشغفاً بحبِّها خاض بعض النَّاس صراع البقاء منزوع الإنسانية والأخلاق أحياناً! وفي كنفها التقى «سهيل» و«الثُّريا» وهما لا يلتقيان أبدا! وأضاف أنّ كرسي وزارة الصحة كان مادَّة دسمة، لأنَّ الوزير يقف على رأس الهرم الإداري لمؤسسة حكومية للنَّاس معها تاريخ طويل، ولبعض النَّاس فيها مآرب خاصَّة؛ وشؤون يعقبها شجون أبقت في حلوقهم غُصصاً يتجرّعونها كلما ذُكر على مسامعهم اسم وزير أو وزارة! وأشار المانع إلى أنّه ليس أول من زكمت أنفه رائحة الفساد في هذا الوطن الكريم الذي لم يقصِّر في حق أبنائه، لافتا إلى أن قرار إنشاء هيئة لمحاربة الفساد إقرار ضمني بوجود هذا «السَّرطان». وذكر أن وزارة الصحة عانت من الفساد كثيراً، لكنَّ الفساد يكون أقبح حين يسري في أصحاب الأقلام والأعمدة والرَّأي، لما في ذلك من تفريط وادعاء وتزييف، وصناعة صورة ذهنية كاذبة خاطئة عن منشأة أو مشروع أو شخص أو مبدأ؛ دون رعاية حق النَّاس في الوعي ومعرفة الحقيقة، فضلاً عن حقوق الآخرين وشهادة التَّاريخ. واستعرض المانع في سيرته العديد من المواقف التي بدأت معه في حياته في العمل الإداري بعد أن توجَّس خيفة عام 1419ه، حين عرض أن يتولى إدارة الرُّخص الطِّبية وشؤون الصَّيدلة في منطقة الرياض، وهي الإدارة المعنية بشؤون القطاع الخاص. إذ لم يكن يدرك يوم وافق على الجلوس في مقعد مدير الرُّخص الطِّبية المثقل بالتَّحديات أنَّه يضع كلتا يديه في «جحر الضَّب» أو داخل «عشِّ الدَّبابير» وربَّما «بيت الثَّعابين». لأنّه كان يوماً بعد يوم يكسب المزيد من عداوات المتجاوزين الذين جُبلوا على السُّلوك المنحرف إلى حد التَّطبع به، فأصبح وجود مَنْ يتحرى الدِّقة والأناة في كلِّ قرار يضع توقيعه عليه، سيفاً مصلتاً على رقاب هؤلاء الذين فسدت فطرهم، وتلوَّثت طبائعهم، حتى استمرؤوا الغشَّ والتَّدليس والتَّلاعب بأرواح النَّاس، وصار أيسر عليهم من شرب الماء البارد في اليوم القائظ، غير آبهين بعواقب جرائرهم إن في الدُّنيا أو الآخرة. وقال إنّ قدره أن يكون في مواجهة ثلة من الفاسدين الذي يتاجرون بعافية النَّاس وأرواحهم دون مبالاة. وأشار إلى أنّه لم يكن لديه خيار سوى رفض أيِّ مخالفة للنِّظام المعمول به، ذلك أنَّ أيَّ صمت أو تهاون يعطي الضَّوء الأخضر لجيوش المرض كي تعبر ثغور البلاد وتفتك بأهلها. وذكر أنّ من الأمثلة المؤسفة التي تُدمي جدار الذَّاكرة حين يسحبها المرء من بين ركام مشاهد الماضي، تلك الممارسات التي أقدم عليها بعض ضعاف النُّفوس، مستغلين قرار الدكتور أسامة شبكشي (وزير الصّحة آنذاك)، القاضي بالسَّماح للقطاع الخاص بإصدار شهادات فحص العمالة الوافدة، على أن يتولى الإشراف على مركز الفحص طبيب استشاري سعودي متفرغ. وأوضح أنّ الجولة التي لا ينساها من بين جولات الرَّفض والوقوف في وجه محاولات العبث والمتاجرة بصحة النَّاس، هي الجولة التي كان ميدانها أحد المراكز الصّحية الخاصَّة بحي الملك فهد، الذي يديره «أحد الإخوة العرب»، وهو أيضاً مالكه الحقيقي، وإن كان مسجّلاً على الورق باسم مواطن سعودي!. وبين أنّ ألفي مركز صحي رقم يعتزّ به ويجيّره للحكومة التي تبنته ووقفت إلى جانبه، بعد أن أمر بإنشائها في مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها الملك فهد قبل عشرين سنة. وقال: لكنّ الأوضاع المالية التي مرت بها المملكة آنذاك حالت دون التَّنفيذ، حيث إننا في عام 1429/ 1430ه، وبعد اعتماد شراء الأراضي من المبلغ المرصود لاستكمال المشروع وهو سبعة مليارات، طلبنا من إدارة المشاريع والصِّيانة بالوزارة وضع نموذج موحد لجميع المراكز الصّحية في مناطق المملكة ومحافظاتها بمدنها وقراها، مع اختلاف الحجم حسب الاحتياج وفق منهجية الجغرافية الطِّبية، بحيث يكون المبنى من المعالم البارزة، وبالفعل تم ذلك وبدأ العمل على تصميم مبان ذات طابع مميز. وعن الضمان الصحي، ذكر المانع في كتابه، أنّ لديه قناعة شخصيّة بأن الضَّمان الصّحي يحتاج إلى مزيد من الدِّراسة المتعمقة والمتأنية، كون النِّظام الصّحي في المملكة لم يتغير منذ إنشاء وزارة الصّحة عام 1373ه، ولأنّه كان يعرف أنّ الوضع الصّحي كان وما زال هاجساً لقادة البلاد؛ فقد أراد الملك فهد نقل النِّظام الصّحي نقلة نوعية وكيفية؛ حتى أنَّه أعطى الدكتور غازي القصيبي عندما عينه وزيراً للصّحة، صلاحيات استثنائية واسعة، ومبلغاً قدره مائة مليون ريال للشِّراء المباشر، إلاَّ أنَّ فترة القصيبي لم تدم سوى عام أو أكثر بقليل، ولذلك لم يتمكن من استكمال الرَّغبة السَّامية. وأضاف أنّه حين دلف إلى الوزارة، وجد قرار مجلس الوزراء القاضي بتطبيق نظام الضَّمان الصّحي ساكناً ينتظر التَّفعيل، ونظراً لأنَّ الأمر يتعلق بشركات التَّأمين بوصفها شريكاً في العملية، فقد اجتمع مع محافظ مؤسسة النَّقد العربي السُّعودي -آنذاك- حمد السَّياري؛ لوضع آلية للتَّطبيق، وتم التَّوقيع عليها، ومن ثمَّ رفعت للمقام السَّامي الكريم لطلب إقرارها كي يبدأ التَّنفيذ؛ فلا مجال لتضييع الوقت، موضحا أنّه اجتمع فيما بعد مع ممثلي شركات التَّأمين، وحدثهم عن رغبته في تطبيق الضَّمان الصّحي على المقيمين ونبههم إلى أهميّة الاستعداد لذلك! إلاّ أن علامات الدهشة بدت على بعضهم، وكأنهم يتوقعون أنه لا يأخذ الأمر على محمل الجد، ولا سيما أنَّ عدد المقيمين يفوق ثمانية ملايين نسمة، لكنَّ الأمر تأكَّد لهم مع تكوين مجلس الضَّمان الصّحي وتعيين أمين عام له، والاتفاق مع الجوازات على ربط الإقامة بالتَّأمين، وعندها شعرت الشَّركات بجدية العمل، شرعت تقدم العروض وطلب التَّراخيص حتى بلغ عددها أكثر من 23 شركة. وذكر أنّ عدد المؤمن عليهم كان قد بلغ ثمانية ملايين شخص من الوافدين قبل أن يغادر الوزارة. وأشار المانع إلى أنه كان يريد البدء في تطبيق التأمين على المواطنين بعد الانتهاء من تطبيقه على المقيمين. فقد كان يرغب في أن يحمل كل مواطن بطاقة تأمين صحي يستطيع بموجبها تلقي العلاج في المستشفى الذي يريده داخل المملكة. وعن خصخصة المستشفيات، وبداية مرحلة جديدة من المنافسة بين القطاع الصّحي الخاص والقطاع الصّحي العام، ذكر المانع أنّ هناك استراتيجية تمّ رفعها للملك تتضمن الحلول الكاملة لجميع المشكلات الصّحية في المملكة، وقد عرض هذا المقترح على الملك ووجَّه بأن تعرض الدِّراسة على مجلس الوزراء قبل أن يُطلَب الرَّأي حولها من هيئة دولية، وما تزال الدِّراسة موجودة في مجلس الوزراء، «ولا أعلم حتى الآن إلام آلت، وكيف ستنتهي؟».