قبل أن يُسافر الحجاج قديماً إلى مكة، يحتفل بهم أهاليهم وأحياؤهم وقراهم، من خلال إقامة بعض الاحتفالات البسيطة قبل السفر، حيث تضم بعض الأهازيج والأناشيد المرتبطة بالمناسبة، متمنين أن يعودوا إلى ديارهم سالمين وغانمين، وأن يتقبل الله أعمالهم وحجهم. وعلى الرغم من التغيرات التي حدثت في كثير من المجتمعات العربية، إلاّ أن الأخوة المصريين لازالوا محتفظين بتلك الأهازيج مقارنة بغيرهم من الدول الأخرى، وما أن تجلس بالقرب من حملة قادمة من مصر إلاّ سمعت بعض الأناشيد اللافتة، ناهيك عن الوداع في بلادهم أو الاستقبال، حيث إقامة الاحتفالات في الأحياء لمن أدى الفريضة مع ترديد الأهازيج التي تزيد من فرحة الحاج أو الحاجة، كما كان للحج أهزوجة مشهورة ترددها السيدات في أداء جماعي عذب الترانيم في وداع الحجاج واستقبالهم، حيث كان من العادة أن تبدأ سيدتان الإنشاد معاً بعبارة: "يا هناه اللي انوعد"، فترد الجماعة: "يا هناه يا هناه اللي انوعد". وداع حار ومؤثر للحجاج مصر وقالت "عطيات عبدالرحيم" -من مصر-: إن هذه الأهازيج تسمى "حنون الحجاج"، وقد ظلت بعضها يُردد في وداع الحاج الذاهب إلى الأراضي المقدسة، أو في استقباله خاصةً في الريف المصري، مضيفةً أن الرسومات التي تزين بيوت الحجاج وينجزها فنانو الرسوم، تبدأ بمجرد سفر الحجاج، وعند عودتهم يجدون المنازل في كامل زينتها، ومن الأناشيد: صلوا على النبى وزيدوا صلاته دا كان يلاغى القمر محمد ويفهم لغاته يا نخل مكة يا طويل يا عالى والتمر منك دوا للمبالى يا بير زمزم سلبك حريرى والشربة منك دوا للعليلى ومنها: يا بو الخف زينة يا جمل يا جمل يا بوالخف زينة ورايح فين يا جمل دا أنا رايح أودى الحبيب يزور نبينا يا بو دراع حديدى يا بابور يا بابور يا بو دراع حديدى ورايح فين يا بابور دا أنا رايح أودى الحبايب يزوروا الحبيبى قُبلة من خلف الزجاج تستنزف دموع حاجة في طريقها إلى المشاعر المقدسة وأضافت: كان للحج أهزوجة مشهورة ترددها السيدات في أداء جماعي عذب الترانيم في وداع الحجاج واستقبالهم، والسيدات المسافرات للحج، حيث كان من العادة أن تبدأ سيدتان الإنشاد معاً بعبارة: "يا هناه اللي انوعد"، فترد الجماعة: "يا هناه يا هناه اللي انوعد". وأشارت "نبيلة الفايزي" إلى أنه مهما كانت حرارة الوداع قاسية، فإن حرارة الاستقبال تكون أشد وأقوى ابتهاجاً، فما أن يعلم أهل البلدة باقتراب موعد قدوم ركب الحجيج حتى يعمدوا الى تزيين الحارات والميادين والدواوين العامة بالأنوار والزينات المختلفة الأشكال والألوان، بل وتكون عيون الأطفال شاخصة تنتظر يوم الوصول كي تنغمس في حضن الجد أو الجدة، والتنعم بالهدايا الجميلة من الأراضي الحجازية، التي غالباً ما كانت "الجلباب الأبيض" مع الطاقية، والتمور، والسبح، وماء زمزم والمصاحف، مبينةً أنه عند وصول الحاج الى شارعه، تبدأ النسوة بالإنشاد بكلمات مفرحه ابتهاجاً وسروراً بعودة من غابوا عنهم شهوراً في رحلة الذهاب والإياب. وأوضحت "سعدية الزيكاوي" أن اليوم الذي يسبق وصول الحجاج، لا يقل بهاء وسعادة عن يوم العيد، فتجدهم يتجمعون عند بيوت الحجاج يساعدون أهل البيت بالتنظيف والترتيب وعمل ألوان مختلفة من الأكلات الشهيرة، مضيفةً أنه من أناشيد استقبال الحجاج: فاطمة يا بوي وأضوي العقود حجاج أبوك لفوا بالأسود فاطمة يا بوي واضوي القناديل حجاج أبوك لفوا بالتنابيل فاطمة يا بوي واضوي الشمع حجاج أبوك لفوا على الديوان فاطمة يا بوي واضوي العلية حجاج أبوك لفوا البرية وأضافت: تزيد النسوة في مدح الحاجة والإنشاد لها بالعودة الميمونة والدعوة لها بالمغفرة: حجينا ونلنا بشروا أحبابنا ع الرمل تمشي ما أحلاك يا حجة ع الرمل تمشي حنة ونكشة زينوا دارنا حنة ونكشة ما أحلى حلقها مع بياض عنقها ما أحلى حلقها للي خلقها وقفت محرمة للي خلقها فلسطين وقالت "مريم حسن" -من فلسطين-: هناك ذكريات يفوح منها الحنين والشوق، فقد كان الاستعداد للحج في الماضي يأتي قبل شهرين، من خلال تجهيز الراحلة والزاد، وليلة سفر الحاج يجتمع الرجال من أهل القرية لوداعه، فيطلب المسامحة من الجميع فرداً فرداً، وأمّا النساء فيجتمعن لوداع الحاجات، ثم يُرددن مدائح وتواشيح دينية معينة تسمى "التحنين"، ومن اسمها يُعرف أنها تعبر عن شوق الجميع لإداءِ هذه الفريضة ومنها: يا زايرين النبي خذوني في محاملكم لا أنا حديد ولا روباص أثقِّلْكُمْ وكذلك: خُذوني خُذوني يومٍ نَويتوا عالسّفَر لا تتركوني يحفظكم رب السما وأيضاً: ناموا ناموا ناموا وعيوني ما بتنام على بير زمزم نصبوا الخيام ومنها: حَنَّن الجَمّال قلبي لما نووا عالرحيل قلت له جمّال خذني قال أنا همي كبير قلت له جمّال بركب قال أنا حملي ثقيل قلت له جَمّال بمشي قال أنا دربي طويل وكذلك: يا زايرين النبي شو وصفة أحجاره يا سعد من راح مسجد النبي زواره يا زايرين النبي شو وصف هالقبة يا سعد من راح مسجد النبي وحبه وأيضاً: صيري طَريه يا درب الحجاج صيري طريه شربه هنيه من ماء زمزم شربه هنيه وأضافت أن ذلك يستمر معظم الليل، وبعد صلاة الفجر يسافر الحجاج إلى الديار المقدسة في الحجاز كل على قدر طاقته، إمّا بالطائرة أو بالحافلات المعدة خصيصاً لذلك، أو كما كان قديماً مشياً على الأقدام، أو في قوافل على الجمال تحت الحراسة. اليمن ولا يختلف الوضع كثيراً عند أهل اليمن، حيث أوضحت "فاطمة علي" أن توديع الحاج يكون بالدموع، يصاحبها تلعثم في اللسان وحشرجة في الحناجر، رافعةً أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الحجاج ويعيدهم سالمين غانمين، مضيفةً أنهم كانوا يقيمون للحجاج "مدرهة" وهي ك"الأرجوحة"، يجلس عليها الحاج ثم يُنشد أقرباؤه وأصدقاؤه ومودعوه بمجموعة تلاوات وأبيات شعرية، منها: أبدأ بقولي في الاله الواحد المنان وأثني بقولي في النبي الهاشمي العدناني وأثلث بقولي في علي ذي حطم الأوثان أبدأ بالي صف النجوم وأسمار الهلال وكذلك: بدأ بش يالفاتحة يا خيرة الأسامي وأخريش شن المطر ودحدح الوديان وأضافت: يبدأ "المدرهة" في تلاوة الأبيات الخاصة بالحاج أو الحاجة بصوته الشجي المغنى والملحن بأعذب الالحان التراثية القديمة مثل: وقد طلعت المدرهة ذي صوتها أشجاني وصوتها شجى الجبال ورعدل الوديان يا مدرهة يا مدرهة من ركبش عشية من ركبش على القمر والشمعة المضية يا مدرهة يا مدرهة ما لصوتش واهي ردت وقالت واهية ما أحدا كساني وكسوتي رطلين حديد والخشب الرماني يامدرهة سيري سواء لا ترخي الحبال لا ترخي الحبال السلب فوقك ثقيلة غالي يا حمامة عرفة حومي وحومي واعرفي لنا حجنا هو طويل خضراني واعرفي لنا وزرته هي كلها بيضاني واعرفي لنا عصيته هي شوحط أو رماني يا مبشرة بالحجيج بشارتك بشارة بشارتك صفا اليمن وتلحقه شرارة وذكرت "فاطمة علي" أنه قد يعتلي "المدرهة" أحد أولاد الحاج أو بناته فيتم ترديد الأبيات الخاصة به وهي: وأبي عزم مكة يحج وسامح الجيران وأوصى بما يملك معه الله يوديه سالي يا سائق الباص يا أمير أمانتك أمانة أمانتك شل السلام أحجنا وأصحابه أمانتك في وصلتك تذكره بأولاده قد أوحشتنا فرقته مش والفين لغيابه وحجنا قد سار يحج وطالب الغفران الله يوديه لأخوته والأهل والجيران الأردن وعن عادات أهل الأردن، أكدت "نبيلة الفايزي" على أنه وقبل أيام السفر يذهب الحاج إلى كل من له مظلمة أو دين، بأن يرد السُلفة أو يستأذن من صاحب المال بالسفر، ثم يأتي يوم التوديع تتجمع القوافل التابعة لهم وترفع الاعلام واللافتات، وبعد ركوب الحجاج هذه القوافل تسير بموكب واحد مع التهليل والتكبير بموكب تختلج فيه المشاعر، ثم يُزف الموكب والسير معه بإطلاق منبهات السيارات، وترديد الأناشيد التي منها: حجنا طاح البحر في يده كيله يا رب ترده سالم لهالعيلة حجنا طاح البحر في يده شربه يا رب ترده سالم من هالغربة حجنا طاح البحر في يده ابريق يا رب ترده سالم من هالطريق وأيضاً: حجي يا حجه ريحتك روايح من نور النبي ودم الذبايح حجي يا حجه ريحتك مليحة من نور محمد ودم الذبيحة وفي نشيد آخر يقال: من ورا الكعبة دوري حجه يا أم شعور ربي لا يغنيني ولا يغيبني شهور من ورا الكعبة طوفي يا أم الحزام ربي ما يجيب عاقه ولا تغيبي زمان من ورا الكعبة طوفي يا أم الهيبات ربي ما يجيب عاقه ولا تغيبي ساعات