عندما ينوي الإنسان أداء فريضة الحج فإنه يشعر بفرح شديد وشوق مُلتهب لا يطفئه سوى رؤية تلك المشاعر المقدسة، وفي هذه الأيام تتوافد الجموع المؤمنة حجاج بيت الله الحرام من كل بقاع الدنيا.. إلى أقدس بقعة من جنسيات مختلفة نحو رحاب الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، ومهبط الوحي، الأرض الطاهرة، بلادنا الحبيبة التي سخّرت كل إمكاناتها وطاقاتها وجميع خدماتها لخدمة ضيوف الرحمن وترحب بهم وبقدومهم الميمون كما قال الشاعر عبدالله بن سعود العتيبي: المملكة ترحب من أقصاه لدناه والشعب والدولة تزف البشاير كل الحكومة ساهرة مع رعاياه في خدمة الحجاج كل الدواير خدمة شرف للبيت واللي تنصّاه بالحج والعمره فريضه وزاير سقا صوب الحيا مزنٍ تهاما على قبرٍ بتلعات الحجازي ولقد كان الحجاج في الماضي عندما يريدون أداء مناسك الحج يواجهون كثيرا من المخاطر والصعاب.. نظراً لصعوبة الطريق، وبعد المكان، وعناء مشقة السفر، وعدم القدرة على العلاج بسبب انتشار بعض الأوبئة القاتلة في ذلك الوقت، فقد ارتبط كثير من قصائد الشعراء القدامى بحدث معين خلال طريق الحج مثل قصيدة الشاعر الوجداني محمد بن لعبون عندما ذكر أرض الحجاز التي كانت معشوقته (ميّ) بين جبالها وتسير في وديانها ووافاها القدر المحتوم في تلك الديار فماتت في طريق الحج فقال قصيدته المشهورة التي يعجز القلم عن ذكرها، وتقف الكلمات حائرة أمامها، فبقيت هذه القصيدة الرائعة تعيش معنا حتى وقتنا الحاضر.. فقد أجاد ابن لعبون عندما عبر عن ما في نفسه تجاه معشوقته بقصيدته الرثائية التي يقول في مطلعها: سقا صوب الحيا مزنٍ تهاما على قبرٍ بتلعات الحجازي يعط بها البختري والخزامى وترتع فيها طفلات الجوازي وغنت راعبيات الحماما على ذيك المشاريف النوازي صلاة الله ربي والسلاما على من فيه بالغفران فازي عفيف الجيب ما داس الملاما ولا وقف على طرق المخازي وعندما يبدأ الحجاج قديماً رحلة الحج يودعون أهاليهم وجيرانهم ومعارفهم فالرحلة طويلة ومتعبة، وربما يكون هذا الوداع في قلوبهم هو الوداع الأخير لكون الطريق صعب ومملوء بالمخاطر والمشاق، وفي هذا الشأن أنشد العديد من الشعراء بمشاعر توضح ألم الوداع واللهفة لمشاهدة المشاعر المقدسة كما يقول الشاعر سالم بن تويم الدوّاي في وداع بعض جماعته عندما ذهبوا للحج: بأمان الله يا ناس من الديرة نووا يمشون ومخليين عوايلهم رجا في رحمه الوالي مخليين بعض جهالهم من عقبهم يبكون يبون المغفرية يتعادل وزن الأعمالي صغير السن عقب أهله يبيح خافي المكنون تشوف الدمع من عينه على الوجنات همالي عساهم عقب غربتهم لألهم والوطن يلفون رجيته من كريم مالنفعه جنس وأشكالي ومن القصائد الرائعة التي خفقت بها مشاعر الشعراء لهفة وشوق لمشاهدة المشاعر المقدسة قصيدة الشاعر منصور الخرقاوي عندما حجت والدته قديماً في وقت الصيف ولم يتمكن من الذهاب معها فقال منشداً: أمس أنا واليوم ماخذني العزم ودي أقعد عن وداع الراحلين حيث قلبي مني اليوم انقسم قسمتينٍ من يسار ومن يمين محدٍ قلبه من الدنيا سلم أحمد المحمود في شدّة ولين عاقني عن شوف بيتك والحرم عارضٍ ويايّ من مدة سنين يا خفي اللطف يا باري النسم ألطف بحجاج بيتك زايرين من سموم الصيف من حرٍ بسم شرها واحرورها بأمرك يهين مشترين ارضاك ياربي امم وأنت اعلم في قلوب الصادقين جمعهم يشدي لغيمٍ مرتكم للدعا حتى الجمل قلبه يلين العرب تسعى لها ويا العجم كلهم من صوب وجهك قاصدين من يرى قبر النبي المحترم هل دمعه هوله حق اليقين وفي أيام الحج المباركة يجتمع الحجاج ويحلون في الديار المقدسة لقضاء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، لمن استطاع إليه سبيلا، ملبين النداء (لبيك اللهم لبيك) ومشاعرهم متوحدة ومترابطة تسودهم السكينة والأمن والألفة والمحبة والإخاء على هذه الأرض الكريمة، وهم يؤدون مناسك الحج التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف ونص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة على إتباعها.. فيجب الحفاظ على أداء هذه المناسك الدينية على أكمل وجه فلا رفث ولا فسوق في الحج، وأن نخلص جميع عباداتنا وطاعتنا لله عزوجل لكسب رضاه وفي هذا الموقف يقول الشاعر الشعبي عبدالله بن حمود بن سبيل: يالله ياللي تسجد الناس لرضاه يا وامرن خلقه على حج بيته تفرج لمن سده على الناس ما ابداه راضي على مقسومك اللي عطيته ما أغلاها من بضاعة وحجاج بيت الله الحرام يقفون أمام الله في تلك البقاع المقدسة ملبين الدعاء يربطهم التعاون والتآلف، فإن شاء الله يكون حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً، وعسى الله يحفظ بلادنا المباركة ويوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده كل خير على ما تقدمه المملكة من خدمات جليلة من أجل خدمة الحجيج وهي أمور لا نستطيع وصفها ولكن بوح الشعر أنشد في ذلك كما يقول الشاعر جارالله السواط: السعودية.. بعزم أفعالهم تخدم الحجاج واللي زائرين البشاره.. والسعد.. قدامهم يا صلون ويرجعون مكرمين نطلب من الله حسن أعمالهم مالك الأملاك رب العالمين نسأل الله أن يقبل حج الحجاج، وأن يتم مناسكهم على أكمل وجه وأحسنه وبيسر وسهولة، وأن يوفقهم في العودة إلى بلادهم وأهلهم سالمين غانمين، وأن يتخلصوا من المعاصي والآثام، وتقبل توبتهم بأحسن القبول وفي هذا الشأن يقول الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت الذي سطر أجمل المشاعر الجياشة برجاء قبول التوبة الصادقة قبل فوات العمر: أتوب ثم أعود.. وأعود.. وأتوب ما هي عجيبه وأنت رب العجايب عن المهد لين اللحد وقتي محسوب ما ضاع شي.. وما بقى شي غايب يا رب مالي غير رحمتك مطلوب من لي سواك انجيت يا رب تايب