لقد كانت الرحلة إلى الحج من أخطر الرحلات في حياة المسلم خارج الجزيرة العربية وداخلها لعدة أسباب من أهمها افتقاد الأمن وخطر الطريق وكثرة الأوبئة والأمراض ، ولذا كان في أغلب البلاد طقوس في وداع الحجاج لانقطاع التواصل معهم بعد ذلك فهي لحظات عاطفية جياشة ربما تعني اللقاء الأخير بين الأحباب، فكم من الحجاج مات في طريق ذهابه للحج! وكم مات منهم أثناء الحج! وكم مات منهم في طريق العودة!! سالم بن تويم الدوّاي منصور الخرقاوي لقد صوّر الشعر النبطي أثر رحلة الحج في نفوس المودِِّعين والمودَّعين لارتباطه بفراق الأحباب في قصائد عديدة لشعراء النبط، ولكننا سنكتفي ببعض النماذج التي استقيناها من الكتاب التاريخي الرائع (حملات الحج الكويتية على الإبل، ص82 ص85) فهذا الشاعر منصور الخرقاوي (19252005م)يصف مشاعره حينما حجت والدته في صيف حار مهلك ولم يستطع مرافقتها بسبب مرضه فيقول: من لعينٍ كلما تنشف تجم دمعها يشذى مثل عدٍّ رزين أمس أنا واليوم ماخذني العزم ودي أقعد عن وداع الراحلين حيث قلبي مني اليوم انقسم قسمتينٍ من يسار ومن يمين محدٍ قلبه من الدنيا سلم أحمد المحمود في شدّة ولين عاقني عن شوف بيتك والحرم عارضٍ ويايّ من مدة سنين ياخفي اللطف يا باري النسم الطف لحجّاج بيتك زايرين من سموم القيض من حرٍ بسم شرها وحرورها بأمرك يهين مشترين رضاك ياربي أمم وانت أعلم في قلوب الصادقين جمعهم يشدي لغيمٍ مرتكم للدعا حتى الجمل قلبه يلين العرب تسعى لها ويّا العجم كلهم من صوب وجهك قاصدين من يرى قبر النبي المحترم هل دمعه هوّله حق اليقين نسأل التاريخ خطك به رسم يارسول الله ياجد الحسين وبينما تشرح قصيدة الخرقاوي فراقه لأمه ، نجد الشاعر سالم بن تويم الدوّاي(19201997م) يسجل معاناة الأطفال من فراق والديهم في رحلة الحج فيقول: بأمان الله ياناسٍ من الديرة نوّوا يمشون ومخليينٍ عوايلهم رجا في رحمة الوالي مخليينٍ بعض جهّالهم يبكون يبون المغفرية يتعادل وزن الأعمالي صغير السن عقب أهله يبيّح خافي المكنون تشوف الدمع من عينه على الوجنات همّالي عساهم عقب غربتهم لأهلهم والوطن يلفون رجيته من كريمٍ مالنفعه جنس وأشكالي أما الشاعر حمود الناصر البدر(18701915م تقريباً) فيصور معاناته من فراق أحبابه بقصيدة رائعة منها قوله: أنا سعر بي سم ناب أزرق الداب ياوي قريص الداب مابه تطابيب ذهب الصبر مني وحتى العزا غاب مع من رحل وشفاه والنفع والطيب خلّي تنصى باب فتّّاح الأبواب قصّاد بيت الله جزيل المواهيب عانقت من عقبه شقى راس مرقاب واقنب من الفرقا كما يقنب الذيب