انتسبت قبل اسابيع الى احد المعاهد التدريبية، لازيد من خبرتي وعلمي لكي ألحق بركب الحضارة السريع والذي لا ينتظر احدا يتباطأ عنه، وكونت خلال هذه الدورة التدريبية زمالات وصحبة مع بعض المتدربات، وامسينا نجتمع خلال الفسح على فنجان من القهوة وشيء من الكعك والحلى البيتي، الى هنا والامر جميل، ولكن الذي راعني في حديثنا ان كثيرا منهن ان لم يكن كلهن بما فيهن انا، صرنا عالمات موسوعيات نفهم كل الفنون ونخبر كل التخصصات، فلا حدود لمعارفنا وعلومنا، قد يكون لطبيعة التكنولوجيا المعرفية التي سهلت المعلومة وقربت معانيها ورسمت تشاخيص وصورا لها عبر وسائل الاتصال من شبكة الانترنت وتطبيقات الاتصال والرسائل الهاتفية والمنتديات النسائية المتخصصة والقوالب الجاهزة المصبوبة بشكل انيق يساعد على الفهم والتبصر، اقول ربما كان لهذه الاشياء وغيرها دور في كون المجتمع بدأ يتحدث ويتكلم ويمدح ويذم ويفتي بنصف علم، وربما اثارة من علم لا تسمن ولا تغني لان مصادر هذا العلم رخيصة جدا فأحد مصادره قالوا ويقولون، وبئس مطية القوم قالوا، ومن مصادره كاتب مجهول الهوية والانتماء والدين ولا يعرف مستوى تعليمه ولا عقله ولا عمره، فربما كانت طفلة تشكو فراغا ومرضا نفسيا وتجيد الكذب وتتسلق سلم الشهرة بغرائبها وغشها للعباد، اقول من يدري، ومع كل هذا فاننا بسذاجتنا نفتخر عندما نتحدث عن موضوع معين ان نقول قد قرأته على النت، او ارسل إلي عن طريق الواتس اب، بزعم ان من اسند فقد احال ومن اسند فقد برئت عهدته ومن احال فقد برئ، والعجيب ان من يحدثك معلومة ثم يقوم بنسبتها الى الانترنت او الى بريد الكتروني او الى الدردشة الهاتفية المكتوبة يظن نفسه قد اتاك بحجة علمية كالصخر وكأنه يتكلم عن بحث علمي محكم من جامعة هارفرد او اكسفورد مثلا..!! كانت احدى المتدربات لا تتوقف عن الحديث الا لكي تأخذ نفسا ثم تكمل ابحارها في الحديث عن كل العلوم والمعارف والادبيات، تحدثت عن الطبخ ثم الازياء ثم الطب بنوعيه الشعبي والحديث، ثم قلبت المحطة واصبحت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشرنا بنار تحرق كل من كذب او افترى عليه، ولكننا نسينا او تناسينا فنحن نسعى للموسوعية في وقت يلهث الغرب والشرق نحو التخصصات الدقيقة لاعتقادهم ان حاطب الليل لا يفلح وان صاحب الصنعتين كذاب، اما صاحبتنا فقد استمرت بالحديث حتى اصبحت تفتي في الدين، ولكن للامانة كانت تحيل وتسند كلامها الى كلام قرأته على صفحات النت.!! كنت احاول ان اساعدها على نفسها بان تتوقف لتريح ذمتها وضميرها ومن ثم تريح رؤوسنا التي تصدعت من موسوعيتها الموهومة، حتى الفيتها دلفت الى تخصصي الذي افنيت زهرة شبابي في تعلمه وفهمه واستيعاب خبراته حتى حصلت على الشهادة العالمية في فنه، فاذا بها تهرف بما لا تعرف، وتعكس العلم وتقلبه، وتطبق مبدأ التوقع والظن والحدس ثم تفرضه فرضا، فتحدثت في سلوكيات الكبار والاطفال، وامراض النفس وعلومها، وعن الاصلاح الاسري، والتهذيب السلوكي، وكنت في البداية مكتفية بحك أنفي تارة وفرقعة اصابعي تارة اخرى، وعندما استفتحت عليها محاولة تصحيح اخطائها بطريقة تحفظ لها ماء وجهها واخبرتها باسمي الحقيقي وبتخصصي الدقيق، والله انها لم يرمش لها جفن ولم يتغير لون وجهها حتى بادرتني بالقول هذه معلومات استقيتها من موقع نفسي متخصص، وبالطبع بقية القصة معروفة فقد سألتها عن اسم الموقع، فقالت لي ( دبليو دبليو دبليو دوت.. حاجة، والله نسيتها!!)، ومن تحدث في غير فنه فقد جاء بالعجاب التي يضحك منها الناس، سامحوني اعزاء القراء فقد اخبرتكم انها كانت احداهن والحقيقة الصادمة انهن كلهن كذلك الا من رحم الله، ولعل هذا يذكرنا بحديث جميل اجعله مسك الختام عن المصطفى صلى الله عليه وسلم انه قال: (ان من احبكم الي، واقربكم مني مجلسا يوم القيامة، احاسنكم اخلاقا، وان من ابغضكم الي، وابعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون).. وعلى دروب الخير نلتقي.