مازالت «وفاء» تتذكر كيف كان شكل حياتها بزوجها الذي فقدته في حادث مروري مؤلم؛ لتتحول من زوجة رجل تحبه أنجبت منه ثلاث أطفال إلى أرملة مازالت في مقتبل العمر، ولكنها تشعر أنها ضائعة.. مشتتة.. حائرة بين قرارات صعبة في حياتها لا تعرف كيف تتخذ الخطوة المناسبة لتجعل منها قرارات حكيمة في الحياة.. اليوم وبعد مُضي أكثر من سنتين ونصف تقدم لخطبتها رجل مناسب، ولكنها أمام قرارين يصعب جداً اختيار أحدهما.. فهل تقبل بفرصة الزواج وهي المرأة التي مازالت تحتفظ بداخلها بأنثى مليئة بالحياة والإقبال مرتسم على ملامح وجهها المضيء؟، أم ترفض لتضحي من أجل أطفالها الذين يشكلون كل حياتها وقطعة من روحها؟.. وأي القرارين أكثر صواباً؟، ماذا سيحدث حينما تضحي من أجل أطفالها وتبقى دون زواج لتُربيهم حتى يشق كل واحد منهم طريقه في الحياة، وكيف سيصبح مصيرها في تلك المرحلة؟، وماهو حجم خسائرها ومكاسبها حينما تتزوج برجل آخر يختلف عن والدهم الذي فقدته بالموت؟، وماذا يمكن أن يقول عنها المجتمع؟.. أسئلة كثيرة ممزوجة بمخاوف بحجم عالمها المحيط. تواجه المرأة الأرملة أو المطلقة صراعاً كبيراً في حياتها بعد أن تفقد الرجل الذي كانت تتزوج به، خاصة عندما تكون قد أنجبت منه أبناء، فكثير منهن يفضلن التضحية من أجل أبنائهن، ويواصلن حياتهن بمفردهن لتربية أبنائهن وتقديم كافة التضحيات التي قد يقدّرها الأبناء لهن، وهناك من لا يُقدّرها؛ لأنه يرى أنها تدخل ضمن حقوق ومفهوم الواجبات، وتبقى المرأة بعاطفتها المُتسعة وبجروحها الكبيرة ومخاوفها تعيش حياتها برفقة أبناء تحبهم كثيراً، ولكنها تتطلع إلى أمل يُذكّرها دائماً بإنسانيتها وأنها مخلوق يحق له أن يعيش مشاعر الحياة بكل انفعالاتها.. وتُضحّي المرأة الأرملة أو المطلقة وتُقرر أن تُدير ظهرها للحياة وتبقى لدى أبنائها، ولكنها لا تستطيع أن تتجاهل حجم تلك التضحية التي لا تعرف كيف سيكون شكلها بعد سنوات، وكيف سيكون لونها إذا مابقت وحيدة. ننتظر مؤسسات مجتمعية متخصصة تكون لهن سنداً وعوناً أمام مجتمع نظراته لا ترحم أقدارهن أنانية الأبناء وترى «لمياء العتيبي» أن المرأة الحلقة الأضعف في المجتمع حينما تتحول إلى أرملة أو مطلقة، ولديها أبناء فإن المجتمع ينتقدها كثيراً حينما تطمح إلى الزواج أو إلى معاودة التجربة من جديد لأجل حياة جديدة، بخلاف الرجل الذي يحترم المجتمع زواجه؛ حتى إن كان الزواج الثاني على زوجته التي وقفت كثيراً بجانبه، مشيرةً إلى أن القرار لدى المرأة التي تفقد زوجها صعب جداً، فحينما تتأمل المرأة أنه قد تحصّل على فرصة ثانية مع رجل جيد قد يحب أبنائها ويتعاطف معهم ويتعامل معهم كما يتعامل مع أبنائه تجد أن الواقع خلاف ذلك، فالرجل لا ينسى أبداً أن هؤلاء الأبناء من زوج آخر، وأنهم ماضٍ لا يحب أن يتذكره، في الوقت الذي تقبل كثير من النساء الأرامل أو المطلقات أن يخضن تجربة زواج جديدة على أمل بقاء الأبناء معهن، تُصدم بواقع صعب لحياة قد يسُودها كثير من المشاكلات لوجود أبنائها، فتشعر بخيبة أمل وربما تتحول للمرة الثانية إلى مطلقة. وقالت إن الأبناء أنفسهم يرفضون ارتباط أمهم برجل آخر غير والدهم حتى إن كان متوفياً، فيجدون في هذه الأم حقوقاً كبيرة بالامتلاك ولا يحبون أن يشاركهم فيها أحد؛ فيرفضون رغبتها في الزواج وتضطر هنا المرأة أن تقبل بحُكم أبنائها، وتضحي من أجلهم تضحيةً قد لا تجد بعد سنوات من يتذكرها، داعيةً إلى ضرورة وجود تبنّي من قبل المجتمع لثقافة احترام حقوق المرأة، خصوصاً حينما تكون بإمكانات ضعيفة، فالإشكالية في مجتمع اعتاد أن ينتقد الأرملة أو المطلقة حينما تبقى دون زوج، وينتقدها أيضا حينما تتزوج وتترك أبناءها حتى تحولت الأرملة والمطلقة إلى أشبه ب»البيت الوقف» الذي لايجب أبداً أن يتصرف فيه، منوّهةً بأهمية أن يكون لدى المرأة حكمة في اتخاذ القرار الصائب والعادل في ذات الوقت، فمن الجميل أن تُقدم الأرملة التضحيات للأبناء، ولكن عليها قبل ذلك أن تُحدد ملامح حياتها بعيداً عن أي مؤثرات، فالمشكلة أن كثيراً من الأبناء يلتصقون بأمهم التي ضحت في الحياة من أجلهم وفضّلتهم على حياتها، ولكنهم حينما يكبُرون ينسون ذلك، وحتى مع تذكرهم فإن الحياة تأخذهم بانشغالاتها وظروفها الصعبة وتتحول الأم التي ضحت إلى شيء زائد عن الحاجة. تضحية كبيرة أما «نادية يوسف» فقد فقدت زوجها وهي في العشرين من عمرها، وفضّلت أن تعيش من أجل ابنتها التي وضعت كل آمال الحياة عليها، وعلى الرغم من محاولات أسرتها لدفعها إلى زواج ثانٍ تبدأ من خلاله في حياة جديدة وتنجب الأبناء، إلاّ أنها فضّلت أن تبقى لدى ابنتها ولا تتخلى عنها أبداً، وفي كل يوم تكبر فيه ابنتها ترى نفسها من خلالها حتى وصلت ابنتها اليوم لسن الزواج، وهي مازالت ترى فيها ذاتها ونصيبها في الحياة الذي ذهب دون أن يعود، مشيرة إلى أن ابنتها ستتزوج بعد أشهر وعلى الرغم من شعور الوحدة الذي أصبحت تخافه؛ إلاّ أنها سعيدة بأداء واجبها كأم تجاه ابنتها، ووصلت بها إلى مرحلة الأمان التي تحب أن تصل أي أم إليها مع أبنائها. وقالت إن التضحية كبيرة وثمنها باهظ جداً، فكثيراً ما شعرت بالحنين إلى حياة تعيشها برفقة زوج تشعر معه بالأمان، وكثيرا ما تاقت إلى أن تكبر أسرتها بوجود أبناء كثر يكونوا أخوة لابنتها، ولكنها كانت تخشى أن تخسر ابنتها، أو لا يتقبل من تتزوج به بابنتها الوحيدة؛ ففضلت التضحية التي ترى أنها لن تندم عليها أبداً. قيود صعبة وذكرت «سماهر علي» أنها تطلّقت من زوجها وهي أم لطفلين وقررت أن تسخّر حياتها لتربيتهما؛ إلاّ أنها عانت كثيراً من ضغوطات أسرتها ومن مجتمع محيط حاصرها باتهامات كثيرة لأنها مطلقة، حتى وصل الأمر سوءاً إلى أن تمنعها أسرتها من الخروج حتى للضروريات، وحينما قررّت أن تتخلص من سجنها وتفك قيودها، تزوجت بعد أن اشترطت على زوجها أن يقبل بطفليها معها في حياتهما الجديدة، ووافق الزوج؛ إلاّ أنها وجدت نفسها تتعرض لضغوطات كبيرة بعد الزواج من قبل طليقها الذي أصر على انتزاع أطفالها مع رفض الزوج الجديد لطفليها وإلحاحه أن يعودا لأبيهم حتى وصلت إلى مرحلة الطلاق الثاني بعد أن خشيت خروج طفليها فعادت إلى أسرتها مطلقة مرةً أخرى. وقالت إن المجتمع يفرض صعوبات ومآسي على المرأة حينما تفقد زوجها سواء أصبحت أرملة أو مطلقة، فتضحيات المرأة كبيرة والمجتمع والمقربين يزيدون من تلك المعاناة، في الوقت الذي قد يتزوج الرجل بعد وفاة زوجته أو طلاقها بأيام فيصفق المجتمع له ويعطيه كل الحق في ذلك دون انتقاد، حتى أصبحت التضحية أيضا لاخيار فيها للمرأة. خيار صعب وأكد «د.سعود الضحيان» - أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود - على أن النظام المجتمعي لا يعطي المرأة حقوقها بعد أن تتحول إلى أرملة أو مطلقة - خاصة المطلقة - حينما يكون لديها أطفال فإن إنصافها يصبح قليلاً، وتجد نفسها مجبرة أمام خيارين؛ إما أن تهب نفسها لأبنائها فلا تستطيع أن تربيهم، أو أن تقبل بالزواج الثاني؛ لأنها لا تستطيع أن تكفلهم، مبيناً أن الإشكالية تكمن في أن نظام الرعاية الاجتماعية لا يكفل هذه الحرية لاختيارات المرأة، فعلى سبيل المثال في بعض الدول الخليجية حينما تُطلّق المرأة ولديها أبناء يتم استقطاع النفقة من راتب الزوج دون الرجوع إليه، أما الوضع لدينا يختلف، فالمرأة عليها أن تدخل في قضايا ومحاكم، وتطول المشكلات. وقال إن المجتمع قد لا يرحم المرأة المُطلّقة؛ لأن المجتمع يرى أنها متسببة في ذلك الطلاق، بخلاف الأرملة التي يرى أن ذلك خارج عن إرادتها، فالمرأة هنا تجد نفسها بين نار المجتمع، ونار الحاجة والتربية؛ فتجد نفسها في موقف صعب جداً، مبيناً أنه لا يوجد مؤسسات مجتمع تعمل على تقديم الرعاية والدعم والمساعدة، وإذا وجدت فإنها تظهر بشكل محدود، ولذلك فإن وضع الأرملة أو المطلقة سيء جداً. وأضاف: «عدم وجود مؤسسات لرعاية الأرامل والمطلقات زاد من تفاقم المشكلة في المجتمع، فذلك النقصان يعكس الخلل الموجود في (وزارة الشؤون الاجتماعية) التي لم تحاول أن ترمم ذلك الخلل، فالمرأة ليس لديها نصير في ذلك الوضع، والمرأة الأرملة التي لديها أبناء وليس لديها مصدر معيشة فأين تذهب؟.. ستكون مضطرة أن تقبل بزواج ثانٍ حتى إن كان ذلك الزواج غير مناسباً، وتصبح تلك المرأة في مشكلة الزواج الثاني غير المناسب»، مشيراً إلى أن الحلول قليلة فيما يتعلق بإشكالية المرأة والمطلقة؛ فغالبية النساء الأرامل حينما يكون لديهن دخل مستقل، فإنهن يستغنين عن الزواج من أجل أبنائهن، أما غير العاملة فإنها تجد نفسها مضطرة لخيارات الزواج الذي لا يتفهمه المجتمع. ودعا إلى ضرورة إيجاد مجموعة كبيرة من المؤسسات المجتمعية التي تهتم بالمرأة المطلقة والأرملة، فنحن بحاجة إلى جهات لأبناء الأرملة أو المطلقة ومؤسسات في التواصل الاجتماعي، فجميع تلك المؤسسات أصبحت بحاجة ماسة إليها حتى نستطيع أن نحافظ على كيان المرأة وكيانها. قلب الأم يظل معلقاً بين مصيرها ومستقبل أبنائها بعد الطلاق أطفال ينتظرون والدتهم المطلقة في «قسم الشرطة»