كان يشعُر أنها المرأة التي يبحث عمن تُشابهها، في وعيها، في خُلقها، في تميزها ك»ربّة بيت».. كانت زوجة مختلفة في كل شيء، حتى أن ضيوفها يشعرون بلمساتها الأنثوية في زوايا منزلها الدافئ، ويُبهرون بضيافتها حتى أصبحت سمعتها في مستوى الأسرة تؤكد على أنها «امرأة مختلفة». لم يفكر «خالد» يوماً أن ينظر لزوجة ابن عمه سوى كأخت يحترمها كثيراً؛ لفرط الأدب والوعي والخلق الذي كانت تتصف به، لكنه في أعماقه كان دائماً يتمنى أن يظفر بزوجة كابنة عمه في صفاتها، حتى جاء اليوم الذي تطلقت فيه تلك المرأة من ابن عمه، حيث لم تشأ أقدار الحياة أن تدوم نعمة البقاء على ذلك البيت؛ فاختلفا ثم انفصلا، وبقي نموذج تلك الزوجة حلماً يراود «خالد» الذي كان أهله عندما يُلحّون عليه بالزواج يرددون على مسامعه «سوف نخطب لك زوجة مثل ابنة عمك». الطلاق بين الزوجين لا يعني مُلكية قرار أحدهما على الآخر إن مشاعر «خالد» وصدقها بوجود امرأة بكل ذلك الاختلاف كان يجعله يتساءل «هل يجد زوجة بكل ذلك القدر من المميزات؟»، لكنه كثيراً ما يخفي بداخله رغبة يخجل منها أو ربما يهرب منها، وهي رغبته في أن يتزوج طليقة ابن عمه، فتناثرت الأسئلة أمامه هل يصرح برغبته الدفينة لأسرته؟، وهل سيستطيع أن يتجاوزه رهبة الموقف مع ابن عمه؟، وهل سيقبل بذلك هو الآخر؟، وما أصعب القرارات التي تدفعها من حساب الخسارات. لم يكن «خالد» هو الرجل الوحيد الذي يواجه نقد المجتمع له بقراره بالزواج من طليقة أحد أقاربه، حيث تتزايد همسات المجتمع القريب منه، «لم يجد إلاّ هذه المطلقة لكي يتزوجها!»، و»هل خلت الدنيا من النساء!»، وغيرها من الأسئلة وسهام الانتقادات اللاذعة.. فهل تقبل بزواج طليقتك من قريبك؟، وهل تتقبل المرأة زواج طليقها من قريبة لها أو صديقه؟. ثقافة «ما لقى إلاّ هالبنت» أوقفت نصيبهن.. والبعض يخشى أن تنقل أسراره للآخر! انفصال بالتفاهم فاجأت «خلود عبدالله» طليقها أمام أسرتها، بعد أن عاشت معه أكثر من سنتين ونصف، ولم يستطيعا أن يستمرا في تلك الحياة؛ نتيجة اختلافاتهما الفكرية، والنفسية، وقرر الشريكان الانفصال بشكل متحضر، لكنها قبل أن تتطلق اقترحت على زوجها أن يتقدم لخطبة ابنة خالتها، حيث ترى أنها ستكون زوجة ملائمة جداً له، وأمام دهشة الأسرة والزوج، تقدم طليقها بعد الانفصال لابنة خالتها التي شعرت بالكثير من الحرج أمام «خلود» التي أصرت عليها أن الأمر سيّان بالنسبة لها، بل أكدت لها أن طليقها رجل جيد ولكن الظروف لم تشأ أن يستمرا. وشددت على أن الطلاق بين الزوجين لا يجب أن يكون بمثابة التخلص من شخص مع استمرار الملكية، فتلك هي المشكلة، حيث إن كثيراً من المتزوجين حينما يتطلقون يعتقدون أن لهم حقوقا في الطرف الآخر حتى بعد الطلاق، وأكثر ما يبرر ذلك عندما يتطلّق الزوجان، ويسمع الرجل أن طليقته ستتزوج من رجل آخر قد يغضب ويتألم، متمنية أن تتغير نظرة المجتمع خاصة والأُسر حول تلك الزيجات، حيث إنه يوجد عائلات عندما يُطلق ابنهم زوجته فإنهم يتحاملون عليها، ويرفضونها دون أسباب، حتى إن كانت تربطها بهم علاقة جيدة، فكيف إذا تعلّق الأمر باقترانها بأحد أفراد الأسرة ذاتها، مبينةً أن الوعي بحق الإنسان في الاختيار من أهم الأمور التي لابد أن تعمق في الواقع الاجتماعي. د.ناصر العود تحكيم العقل وترى «أم مشاري» أنه من الصعب أن يتزوج رجل من طليقة أحد أقاربه، حتى إن كانت تلك الزوجة مختلفة، فلابد أن يشعر الرجل أو حتى المرأة بالغيرة على ذلك القريب بعدم الاقتران بما كان يخصه يوماً، معتبرةً أن ذلك من شيم مكارم الأخلاق أن لايحاول أي فرد إيذاء مشاعر قريبه برغبته بالزواج من طليقته، حيث سيفتح ذلك باباً من الخلافات على مستوى الأسرة بسبب ذلك الزواج، مضيفةً:»الأسرة التي اعتادت على أن تزور بيت فلان من الناس وبوجود تلك الزوجة، سيزورنها ولكنها كزوجة لقريب في ذات الأسرة، وفي ذلك جرح للطرف الآخر لابد أن يُفكر به المُقدم على مثل ذلك القرار». وبيّنت أنه مشكلة أخرى قد تحدث وتتعلق بالأبناء، فإذا كانت تلك الزوجة المطلقة لديها أبناء، فإنها حينما تتزوج من ابن عم طليقها أو قريبه من المنتظر أن تنجب أبناء منه يكونوا أخوة للأبناء السابقين، وفي ذات الوقت أقرباء لهم من أب آخر، وربما يحدث ذلك شيء من الجرح لهم حينما يكبرون ويجدون أن أبيهم ابن عم أو قريب أب أخوتهم، وأن الأم مشتركة بين الحالتين، داعية إلى تحكيم العقل في الاختيارات، والتأمل فيها قبل الإقدام عليها، ففي النهاية الزواج علاقة مشتركة بين أسرتين، وليست علاقة فردية. مجتمع لا يرحم ولفتت «العنود يوسف» إلى أن المجتمع لا يرحم من تقبل بالزواج من رجل قد تزوج من قريبتها سابقا، كما حدث لها عندما تزوجت من زوج ابنة عمتها، حيث إنها منذ أن وافقت على ذلك الزواج وهي تشعر بضغوطات عائلية كبيرة، اضطرتها للتفكير بطلب الطلاق قبل أن تنقل إلى بيت ذلك الرجل، فقريباتها اتخذن منها موقفاً وقاطعنها واعتبرنها خائنةً للقرابة، فيما اتخذ أفراد أسرتها أيضاً موقفاً من والديها، بعد أن حدثت المشاجرات الكلامية بين الطرفين بسبب قبولهم لتزويج ذلك الرجل، كما أصبحت تصلها رسائل تحمل فحوى الغدر وقلّة الضمير وانعدام الإنسانية، فشعرت أنها محاصرة جداً بتلك الضغوطات، حتى قررت أن تنفصل عن ذلك الرجل قبل إتمام الزواج ، ولكن الزوج أصرّ على الزواج منها، واقتنع أخوتها أن تتزوج منها لخُلقه الرفيع. وقالت إنه يوجد قصور في التعاطي مع قضايا الزواج بصفة عامة في المجتمع، حيث لا يُنظر إلى الزواج على أنه مشروع حياتي كبير، ولابد فيه من التأمل والانسجام، وأن ما لا يصلح لك قد يصلُح لغيرك، بل إن النظرة السائدة اعتبار الزواج ارتباط بين أسرتين، وحينما يحدث الطلاق على الأسرة المتضررة أن تتأمر على الأسرة الأخرى، مما يحدث الظلم على كلا الطرفين، مضيفةً:»عندما تتوفى زوجة الرجل فإن المجتمع يصفق له ويعتبره مضحياً وإنساناً عظيماً ومثالياً حينما يتزوج بشقيقة زوجته، وكأن اشتراط الموت هو وسيلة لتقبل المجتمع بالزواج من قريب الشريك الآخر»، متسائلة عن سبب قبول ذلك النوع من الزيجات دون أن يكون هناك حالات من الوفيات تبرر الزواج الثاني من ذات الأسرة، حيث إن العبرة ليست من موت أحد الطرفين، بل في نجاح التجربة أو فشلها. الناحية النفسية ويرى «د.ناصر العود» -أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمستشار الأسري- أن الناحية النفسية لها أثر كبير في النظر إلى هذا الجانب، وتلك حالة عامة يشعر بها البعض في مواضع كثيرة، فحتى حينما يطلق رجل زوجته ويتزوجها صديقه فإن ذلك يشعره بالكثير من الدونية، ويشعر أنها وجدت في الشخص الآخر أشياء لم توجد فيه والعكس صحيح عندما تكون المرأة تطلقت، فيتزوج طليقها بصديقتها أو قريبة منها، مبيناً أن تلك المواقف تحدث نتيجة عوامل نفسية، وإلى عوامل أخرى ترتبط ب»نظرية الالتصاق» حيث إن الإنسان منذ طفولته يلتصق بأشخاص معينين في الحياة، وعندما يكبر ويحدث أن يتزوج ذلك القريب من طليقته فإنه يشعر بالدونية. نقل المعلومات وأكد «د.العود» على حساسية المجتمعات العربية أدق وأعمق، حيث يخشى المُطلق أن تتزوج طليقته من قريبه فتنقل عنه بعض المعلومات الدقيقة أو الخاصة للزوج الثاني؛ فيشعر بعدم الرغبة في إطلاع أحد عليها، مشيراً إلى أن الصعوبة تصبح أكبر بوجود أطفال حيث من الممكن أن يهددها زوجها الأول بسلب الأطفال إذا وافقت على الزواج من قريبه على الرغم من أن ذلك يناقض ما يحدث في بعض الحالات التي يقوم فيها الرجل بعد وفاة زوجته بالزواج من شقيقتها من أجل الأبناء، حتى إن كان ذلك الزواج مبنياً على المنفعة أكثر من العاطفة، موضحاً أن الرجل قد يشعر بالكثير من الرفض والغضب جُراء زواج طليقته من قريبه كابن عمه أو ابن خاله في حالة كان ذلك الزوج قد اتخذ قرار الطلاق بشكل متسرع وندم في داخله على ذلك القرار؛ فتكون الحسرة أكبر عندما يرى أن زوجته السابق ستصبح من نصيب أحد أقاربه. خلافات أُسرية وبيّن أن قضايا زواج المطلقات من أقارب الزوج السابق قد تسبب الكثير من الخلافات بداخل الأسرة، فمن الأفضل دائما أن تتزوج تلك المرأة برجل من خارج الأسرة وذلك ليس فقط على مستوى الزواج بمطلقة رجل من قريبه، بل حتى على مستوى الأسر التي يخطبها ابن العم فالأفضل أن تتزوج برجل من خارج الأسرة، مضيفاً:»كيف حينما تكون مطلقة من ابن عمها فمن غير المستحب أن تتزوج بابن عمها الآخر، لأن ذلك قد يحدث انشقاقاً بين الأسر»، مشيراً إلى أنه بشكل عام من غير العدل أن يتدخل الرجل المطلق بزوجته التي طلقها وتُقرر الزواج من قريب له؛ لأن ذلك يعود إليها وليس من حقه أن يقبل أو يرفض، كما أن ذلك الزواج هو حالة طبيعية لم تخرج عن الحدود الطبيعية حتى إن لم تقبلها بعض المجتمعات؛ إلاّ أن المشكلة في وجود الأبناء الذين يُمارس الضغط بهم على الزوجة؛ حتى ترفض ذلك الزواج، لافتاً أن ذلك النوع من الزيجات قد ينجح إذا توفرت عدة أسباب أهمها إذا حضر التفهم من قبل المُطلق لوضع الأبناء، وإذا وجد تفهم لدى الأسرة لذلك الطلاق بحيث يكون طلاقا صحيا وتمت المفاهمة عليه، وعلى إجراءاته، أما إذا تم الطلاق بخلافات كبيرة، فالأفضل تزويج الفتاة من خارج الأسرة إذا ما وُجد الرجل بمواصفات جيدة.