يثبت للشريعي بما له من مهارات سنيدة مثل العزف على آلة العود كما ذكرت في الحلقة الأولى هو الانتماء إلى مدرسة العزف التي استنها محمد القصبجي وتابعها فريد الأطرش ورفيق نحاس وصولاً إلى الشريعي نفسه وأمير عبد المجيد وآخرين. تميزت ببداهة الارتجال والنقلات المقامية التدرجية، وحيوية الخيال والانفعال الدرامي. ولم يكن الشريعي وحده في الربع الأخير من القرن العشرين فهو كان مجايلاً لمجموعة من المواهب البارزة، والطابع التنافسي لم يمنعه من التقاطع مع تجارب والتنافر مع أخرى. بقدر ما يرتبط مع مجايليه من الملحنين في الظهور والنشاط الثقافي في فترة واحدة زمنياً مثل: عمر خيرت (1947)، وجمال سلامة (1945)، وحسن أبو السعود (1948-2007)، وهاني شنودة (1943)، ومحمد علي سليمان (1947) إلا أنه يتقاطع ثقافياً مع الشاعر سيد حجاب والشاعر عبدالرحمن الأبنودي والروائي والسيناريست أسامة أنور عكاشة والمخرج عاطف الطيب، وهو ما عزز ترابطه معهم في معظم الأعمال المشتركة. ثمة نقاط تقارب وتنافر بينه وبين مجايليه من الموسيقيين من حيث وضوح ذلك في مسيرة كل واحد منهم أولاً ثبات الشخصية المستقلة، بإدارة مشروع فرقة أو الاستقلال عازفاً ومؤلفاً موسيقياً مثل خيرت وسلامة وشنودة أي انكسار متلازمة العبد والسيد بين المطرب والملحن والاعتماد على "الموضوعية الغنائية". وثانياً التخصص في التأليف الموسيقي السينمائي، خارج تلك القطع الموسيقية ذات الوظيفة المحددة في سد فراغ الوقت بين البرامج التي تحولت إلى مقدمات للأغنية الطويلة -المنتهية مطلع الثمانينيات- والمرتبطة بالقوالب العثمانية (البشرف، اللونجا..)، وهي محاولة لامتداد مشروع الثلاثي إبراهيم حجاج (1916-1987) وعبد الحليم نويرة (1916-1985)، وفؤاد الظاهري (1916-1988) بالإضافة إلى مجايلة كل من أحمد فؤاد حسن عازف قانون وعمر خورشيد عازف جيتار وهاني مهنى عازف أورغ. وثالثاً تكريس الحالة الغنائية الدرامية التلفزيونية، وهو ما يخرج عن "الأغنية الفردية" المقحمة في سياق الفيلم السينمائي باستثناء أعمال من صلب الحدث الدرامي محمد القصبجي وفريد الأطرش ومحمد فوزي. ورابعاً تكريس الفروق المتشابكة بين شخصية الملحن عن شخصية العازف والموزع واستقلال كل واحدة رغم التشابك بينها كأدوار أو الجمع بينها كمهن مكملة لبعضها البعض. كل واحد من هؤلاء الملحنين ابتدأ عازفاً ثم اتجه إلى العمل في فرق موسيقية فالشريعي وشنودة على الأورج، وأبو السعود على الأكورديون، وخيرت على الدرامز ومحمد علي سليمان عازف كمان في فرقة الإذاعة غير أنه انطلق الشريعي مؤلفاً لموسيقى درامية في مسلسل إذاعي عن رواية توفيق الحكيم وإخراج حسين كمال بعنوان "عودة الروح" (1972) في حين عرف لاحقاً أبو السعود ملحناً اتجه خيرت لتعلم البيانو واختار شنودة تأسيس فرقة "المصريين" (1978) وغرس شكلاً غنائياً أسهم فيه في إعادة مكبوت الغناء المصري الهامشي من بورسعيد عمرو دياب والنوبة محمد منير، وهو ما سيؤثر لاحقاً في ظهور سيمون وأنوشكا.