لم يعانِ جيل من المبدعين العرب في مصر مثلما عانى جيل ملحني ومغني وشعراء الربع الأخير من القرن الماضي لكونهم وقفوا على مرحلة انتقال حصدت فيها وفيات أسماء أتمت مرحلة الفوج الرومانسي في ظلال الخمسينيات والستينيات على أعقاب إحباطات عربية بمستويات ثقافية واجتماعية ودينية وسياسية. ومن هذه الأسماء الملحن محمد علي سليمان الذي لم يقاوم بل بقي في الظل عازف كمان في الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن بعد بداية غير موفقة مع المطربة شادية وبضعة ألحان لمطربة الإسكندرية أمل -زوجته ووالدة أنغام- ومثيله حسن أبو السعود عازف الأكورديون وعمار الشريعي عازف الكيبورد بينما نفد الشريعي سريعاً ولحق بنفسه فرسم خطاً لحنياً خاصاً به كذلك عمر خيرت ثم جمال سلامة اللذان حققا نجاحاً عد تطوراً مؤثراً في مسيرة الغناء بين تأليف الموسيقى التصويرية للسينما والتلفزيون وبدء مرحلة من الغناء ما بعد الرومانسية كما حدث بين سلامة وسميرة سعيد بينما واصل خيرت مسار الموسيقى التصويرية للسينما ثم نهض عمار الشريعي بأغنية الطفل في التلفزيون والكاسيت. وتأخر حضور كل من أبي السعود وسليمان في الأغنية نهاية الثمانينيات ومطالع التسعينيات بينما قطع كل من الشريعي وسلامة وخيرت شوطاً ترسخت فيه شخصية كل واحد ثقافياً على المستوى الإبداعي. ولم يستطع سليمان تجاوز تلك العقبة، بعد ثماني سنوات من العمل مع الفرقة الماسية، وتعثر عمله مع شادية والوعود الضائعة مع عبد الحليم حافظ وانفلات علاقته فنياً وعائلياً مع أخيه عماد عبد الحليم، إلا بوقوف زوجته أمل عن الغناء وحضور ابنته أنغام كأحد الأسماء الواعدة بل الكبيرة بين جيل سبقها بوقت غير قليل أن تكون من أنداده مثل: سوزان عطية ونادية مصطفى وإيمان الطوخي، وجيل تجاوزته بموهبة فارقة: سيمون وأنوشكا. وبعد مسيرة عمل بين سليمان وأنغام ما بين شريط: الركن البعيد الهادئ- 1987حتى أغنية: شنطة سفر 1994المنفردة في مجموعة غنائية مع أصوات عدة كمحمد منير وعلي الحجار، انفرط العقد ما بين الاثنين كملحن ومطربة واعدة حيث اختارت أنغام التنوع مع ملحنين آخرين بغير رؤى واتجاه لحني لا يخرجها من خطها الغنائي ولا يقضي على أسلوبها وإنما يتصاعد به، فكان مع أمير عبد المجيد عازف القانون الذي توهج معها بعد أن بقي لفترة طويلة يعمل عازفاً: وبقولك إيه - 1995كان أول عمل ثم بأعمال أخرى مع ملحنين آخرين.. استعرت النار في قلب سليمان الذي بدت له هذا الانقلاب موجعاً خالطاً بين سلطة الأب العائل والملحن المكتشف ودافعت الابنة البارة والمطربة المستقلة، وبقي الأب يجرح كبرياء أنغام متعدياً وقاسياً، حيث تطور الصراع بين الابنة والأب من جهة ومن أخرى الملحن والمطربة، إلى صراع عائلي عندما تزوج شابة على والدتها وتخلى عن الأم والابنة والابن خالد. مضت أنغام في طريقها تتصاعد، ولا أدل على ذلك من قفزها النوعي في مرحلة: سيدي وصالك - 1997المتنبئة لها السيدة وردة منذ سماعها أول مرة بشهرة وانتقال حال لأنغام لن يقف عند الأغنية المصرية بل تعداها لتساهم جادة بالغناء عربياً للهجات المتعددة في الخليج والجزيرة العربية كالكويتية والعراقية والسعودية- الحجازية والنجدية واليمنية. بقي الملحن سليمان وحيداً إلا من مرور عابر عليه حيث غنت له اثنتان ممن يحسبن على أطراف مسيرة الغناء في المرحلة الحالية: نوال الزغبي وليلى غفران.. واليوم يضطر أن يستجدي نانسي عجرم مثلما يضني زاهي وهبي نفسه ليصالحه على ابنته في برنامج خليك بالبيت حيث التقاه ولكن ليست المشكلة في الأب والملحن بل في قضية أن الابنة أهم من والدها مثلما المطربة أهم من الملحن، والدليل أنها تقدمت أكثر مما توقع مع سواه حيث مضت وبقي على أعتاب البداية..