يبدو أن ما فات الكاتب جهاد فاضل ، مؤلف الكتاب الجديد "محمد عبد الوهاب: بين التقليد والتجديد"( شركة رياض الريس ، 2011)، وهو يخصص أكثر من قسم عن علاقة عبدالوهاب مغنياً وملحناً بالتجربة الشعرية لكل من أحمد شوقي والأخطل الصغير، علاقته مع شعراء أبولو الحاسمة في تجربته الغنائية. إذا كان قد حفظ للتاريخ المحاولة البسيطة عند عبدالوهاب الخروج على طرق تلحين القصيدة العربية آنذاك، عبد سلامة حجازي وأبو العلا محمد، في قصيدة" يا جارة الوادي" غير أنه استنسخها في لحن من ذات الفكرة اللحنية لا المقامية "ردت الروح". بينما سوف يحفظ التاريخ تسجيلاً فريداً لنور الهدى فترة السبعينيات، غير تسجيلات الحفلات المتعددة في بيروت ودمشق، لهذه القصيدة مخرجة الجذور الأصولية لهذا العمل من التجويد القرآني والموال البغدادي. بينما سوف يتفوق أحمد شوقي شاعراً بالعامية في مواويل وطقاطيق كتبها لعبدالوهاب إلا أنه ستبقى مناجاة " في الليل لما خلي" أعلى قيمة من كل ما لحنه من قصائد إذ تفوق رياض السنباطي عليه في القصائد الدينية التي وضع ألحانها لأم كلثوم. وفي حين زينت قصائد الأخطل الصغير، لفترة قصيرة، أعماله السينمائية، غير أن تفوق لحن محمد القصبجي لقصيدة" أسقنيها" لأسمهان أنهى فترة تعاونه معه. ولكن من غير المعقول عدم الالتفات إلى مسألة مجايلة محمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطي ولور دكاش بوصفهم ملحنين بالإضافة إلى الغناء باستثناء القصبجي لفريق شعراء أبولو الذي كانوا يغذون الغناء العربي بأغنيات وقصائد وأوبريتات. بدأ أحمد رامي بالكتابة فصحى وعامية، في كل القوالب الغنائية منها القصيدة (وهنا أتكلم عن القالب الموسيقي لا المصطلح الشعري) والطقاطيق والمناجيات لحن الكثير منها محمد القصبجي ورياض السنباطي وفريد الأطرش لأصوات أم كلثوم وأسمهان وليلى مراد كذلك عبد الوهاب يحفظ في أرشيفه قصائد لرامي، وهي:"تعالي نفن نفسينا غراماً 1924،أتعجل العمر1927،أخاف عليك من نجوى العيون 1927، أيها الراقدون تحت التراب 1935". إذا رصدنا خلال بداية الأربعينيات بداية انتشار قصائد شعراء أبولو كل من صالح جودت وأحمد فتحي وأحمد رامي وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل ثم بعض الشعراء الذين حلقوا قريباً منها ولكن في مسارات أخرى مثل محمود أبو الوفا وعزيز أباظة وكامل الشناوي وأحمد خميس. إذا كان رياض السنباطي افتتح أرشيفه في القصائد التعبيرية مع الشاعر أحمد فتحي (1913-1960) بقصيدة "فجر" لحناً وغناء ثم لحن" حديث عينين" لنفس الشاعر لأسمهان ثم عاد ولحن له "قصة الأمس" لأم كلثوم. كما أن المغنية والملحنة لور دكاش تركت أرشيفاً بديعاً ومجهولاً حين لحنت قصائد لكل من علي محمود طه " القمر العاشق" ولصالح جودت " ليلة الأحد". عبد الوهاب انطلق عبر مختارات من جماعة أبولو ومجايليهم من بعد أعماله مع أحمد رامي خلال العشرينيات التي كانت تمارين موفقة لدمج الألوان التعبيرية والدرامية في نصوص شعراء أبولو التي تحتفي بالحياة الجديدة ذات القوافي المرسلة الضاجة بالرنين المتنوع لأكثر الحالات الإنسانية الجديدة لإنسان القرن العشرين وعلاقته بالوجود والتاريخ والعالم، وهذا دفع عبد الوهاب إلى تقديم نماذج جديدة في القصيدة مع الكثير منهم، وإن كان لم يكثر من التعاون مع الشاعر الواحد بأكثر من عملين إلا باستثناء محمود حسن إسماعيل، وهو ما سيفعله عندما يكتفي من حركة الشعر الحر عندما يتعاون وكامل الشناوي ونزار قباني في قصائد عامودية باستثناء" لا تكذبي " للأول وللثاني"أسألك الرحيلا" ثم يقفز إلى فاروق جويدة بقصيدة عامودية . ولعل تذكر هذا الأرشيف منذ قصيدة " عندما يأتي المساء محمود أبو الوفا 1938، الجندول علي محمود طه 1939،الكرنك أحمد فتحي 1941، يا حبيبي أقبل الليل علي محمود طه 1942 (غناء نادرة)، كليوبترا علي محمود طه 1944،خطايا كامل الشناوي 1946، همسة حائرة عزيز أباظة 1946، يا رفيع التاج صالح جودت 1947، فلسطين علي محمود طه 1948، عابر محمود حسن إسماعيل 1952 ( غناء رؤوف ذهني)، القيثارة إبراهيم ناجي 1954، النهر الخالد محمود حسن إسماعيل 1954، دعاء الشرق محمود حسن إسماعيل 1954، الروابي الخضر أحمد خميس 1954، كان وهماًَ كامل الشناوي 1958 ( الوحدة بين مصر وسوريا)، لا تكذبي كامل الشناوي 1962 (غناء نجاة الصغيرة / عبد الحليم حافظ)، على باب مصر كامل الشناوي 1964، لست قلبي كامل الشناوي 1967 ( غناء عبد الحليم حافظ). في كل هذه القصائد الشعرية المتنوعة في مواضيعها يتناول تلحينها عبدالوهاب في قوالب وألوان مختلفة، مثل القصيدة الغنائية، والمناجاة التعبيرية والدرامية، والنشيد الحماسي والتعبيري. استطاع عبدالوهاب أن يعبر عن جيله ويصبح صوت شعراء أبولو أكثر من جيل أحمد شوقي الذي عبر عنه أساتذة عبد الوهاب في الغناء والتلحين. إذا كانت رفقة عبد الوهاب لشوقي تؤرخ لتأسيس الذائقة الشعرية وتمرينها فإن شعراء أبولو عبروا عن شخصية عبدالوهاب وجيله.