في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، قالت الصين إنها ستفرض قواعد جديدة على حركة السفن في مناطق متنازع عليها من بحر الصين الجنوبي. ووفقاً لوسائل الإعلام الصينية، سيبدأ سريان هذه القواعد في الأول من كانون الثاني/ يناير 2013، وسوف يسمح للشرطة في إقليم هينان بجنوب الصين باعتلاء السفن الأجنبية التي "تدخل بطريقة غير مشروعة" المياه الصينية والسيطرة عليها، وتوجيه أوامر لها بتغيير مسارها أو التوقف عن الإبحار. وقالت وسائل الإعلام الصينية إن سلطات الجزيرة سوف تتصدى لأنشطة معينة، منها دخول المياه الإقليمية دون تصريح، والإضرار بمنشآت دفاع ساحلية، والمشاركة في أنشطة دعائية تهدد الأمن القومي. يشير مبدأ «إعادة التوازن الاستراتيجي»( strategic rebalancing )، الذي طرحته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومستشار الأمن القومي، توماس دونيلون، في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2011، إلى أن الحرب في العراق قد امتصت وقت وموارد الولاياتالمتحدة وتقرر، في السياق ذاته، أن ترسل الصين سفن مراقبة جديدة للانضمام إلى الأسطول المعني بتنظيم دوريات بحر الصين الجنوبي. وكانت الصين قد أعلنت، قبل سنوات، بأن بحر الصين الجنوبي يُمثل منطقة مصالح خاصة، الأمر الذي عنى ضمناً إعلان السيادة على كامل أجزائه. وفي المقابل، ترى كل من الفلبين وفيتنام وبروناي وماليزيا أحقيتها بالسيادة على أجزاء مختلفة من هذا البحر، تقع بالقرب من سواحلها. ويعتبر بحر الصين الجنوبي أقصر طريق بين المحيطين الهادي والهندي. وهو يضم بعض أكثر الممرات البحرية في العالم نشاطاً، إذ تعبره أكثر من نصف ناقلات النفط العالمية. ويُقدر المعهد الجيولوجي الأميركي الحد الأقصى لاحتياطيات النفط المؤكدة في بحر الصين الجنوبي ب 213 مليار برميل. ومن شأن مثل هذه الاحتياطيات، في حال اكتشافها، أن تغطي ما يزيد على 60 عاماً من الطلب الصيني، بمعدلاته الراهنة. كذلك، تكثر الأسماك في مياه بحر الصين الجنوبي، وغالباً ما يقوم حرس الحدود الصينيون بتفتيش صيادين من فيتنام والفلبين، فيما يواجه صيادون صينيون المعاملة نفسها من السلطات الفيتنامية والفلبينية. وتحتفظ الصين بحضور مستمر لعدد من قطعها الحربية في هذا البحر، كما سعت لمد نفوذها إلى المحيط الهندي عبر ميانمار. ويعيد الجدل الراهن حول السيادة الصينية على بحر الصين الجنوبي الأذهان إلى التوتر الأميركي - الصيني الذي حدث عام 1996، حيال الوضع في مضيق تايوان. وفي 23 تموز/ يوليو 2012، أعلنت بكين عن نيتها نشر قوات عسكرية في مدينة سانشا بجزر باراسيل، التي تتنازع على ملكيتها مع هانوي في بحر الصين الجنوبي. وحيث ينطبق الأمر ذاته على جزيرة سبارتليز جنوب باراسيل. وقال الصينيون إن الموقع العسكري "سيكون مسؤولاً عن التعبئة الدفاعية الوطنية، وأنشطة قوات الاحتياط على سانشا". وسبق أن أعلنت الصين، في حزيران/ يونيو من العام ذاته، عن تحويل مدينة سانشا إلى مركز إداري لجزر بارسيل وسبارتليز، ما أدى لاندلاع تظاهرات غاضبة في فيتنام. ومن النزاعات الأخرى الرئيسية في بحر الصين الجنوبي، ذلك القائم بين الفلبين والصين، والذي يدور حول مجموعة صغيرة من التكوينات الصخرية، تقع على بعد نحو 124 ميلاً بحرياً، قبالة جزيرة لوزون الفلبينية، بالقرب من قاعدة سابقة للبحرية الأميركية في خليج سوبيك. وقد هددت البحرية الصينية بمهاجمة سفينة أبحاث فلبينية في آذار/ مارس من العام 2011، ما دفع مانيلا إلى إرسال طائرات وسفن إلى المنطقة. وبعد ذلك، بدأ الرئيس الفلبيني، بينينو اكينو، في بناء علاقات أوثق مع واشنطن، كانت بمثابة الإشارة على عودة "محور" عسكري إلى آسيا. ومن ناحيتها، تتطلع الولاياتالمتحدة لإبرام اتفاقية استخدام مشترك لنحو ستة مطارات فلبينية مدنية، يُمكن الإفادة منها في إنزال المقاتلين، والنشر المؤقت للقوات، ونشر طائرات الاستطلاع. ومع اندلاع المواجهة الأخيرة بين السفن الفلبينية والصينية، سارعت الولاياتالمتحدة والفلبين لإعلان التزامهما باتفاقية الدفاع المشترك، الموقعة بين الجانبين، منذ خمسينيات القرن العشرين. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون: "نحن نعارض استخدام القوة أو التهديد بها، من جانب أي طرف، لتعزيز مطالبته". وأضافت "سنبقى على اتصال وثيق مع حلفائنا الفلبينيين". وجاءت تصريحات كلينتون في أعقاب اجتماع عقد في واشنطن، في 30 نيسان/ أبريل 2012، وضم إضافة إليها ووزير الدفاع ليون بانيتا، ونظيرهما عن الجانب الفلبيني، وزير الخارجية البرت ديل روزاريو، ووزير الدفاع فولتير كازمن. وحول ما إذا كانت الولاياتالمتحدة سوف تتدخل لمساعدة الفلبين إذا تعرضت لهجوم صيني في المنطقة المتنازع عليها، قال ديل روزاريو، مجيباً عن أحد الأسئلة: "لقد أعربت عن أنها ستحترم التزاماتها بموجب معاهدة الدفاع المشترك". وتلزم المعاهدة البلدين بالدفاع كل عن الآخر في حالة تعرضه لهجوم من طرف ثالث. وذلك على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف يُمكن تطبيق هذه المعاهدة في منطقة متنازع عليها. وفي الثالث والرابع من أيار/ مايو 2012، عقد في بكين ملتقى الحوار الإستراتيجي والاقتصادي بين الولاياتالمتحدة والصين. ومن بين قضايا عديدة، هيمنت الأزمة الناشبة مع الفلبين على أجواء ذلك الحوار. وكانت نقاشات متقدمة حول التعاون العسكري بين واشنطن ومانيلا قد بدأت منذ العام 2011، عندما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن استراتيجيتها الجديدة، القاضية بالتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويشير مبدأ "إعادة التوازن الاستراتيجي"( strategic rebalancing )، الذي طرحته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومستشار الأمن القومي، توماس دونيلون، في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2011، إلى أن الحرب في العراق قد امتصت وقت وموارد الولاياتالمتحدة من أجزاء أخرى من العالم، ما سمح للصين بتوسيع نفوذها في أنحاء كثيرة من منطقة المحيط الهادئ. وسبق أن بشرت كلينتون، بما أسمته "محور آسيا"، قائلة، في كلمة ألقتها في النادي الاقتصادي في نيويورك في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، إن "مركز جاذبية العالم الاستراتيجية والاقتصادية تتجه نحو الشرق". ومن ناحيته، قال وزير الدفاع، ليون بانيتا، في الكلمة التي قدم فيها الإستراتيجية الدفاعية الجديدة، في كانون الثاني/ يناير 2012: إن الإستراتيجية الجديدة تدعو لتشكيل قوة مسلحة يكون لديها حضور عالمي، وتؤكّد على المصالح الأمنية في منطقتي آسيا- المحيط الهادئ، والشرق الأوسط. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد محللون في واشنطن أن أي توسيع للوجود العسكري الأميركي في الفلبين، وهي مستعمرة أميركية سابقة، من شأنه إثارة موجة من الجدل. ويعتبر الحديث عن إمكانية عودة القواعد العسكرية الدائمة من الأمور الحساسة للغاية في الفلبين. وهو ما اعترف به وزير الدفاع الفلبيني في لقائه مع المسؤولين الأميركيين. وتنشر الولاياتالمتحدة نحو 600 جندي كوماندوس في جنوب الفلبين. وحسب ديل روساريو، من الممكن زيادة عدد القوات الأميركية في بلاده. وكذلك عدد الطائرات والسفن الزائرة ، ولكن الجانبين لم يبحثا في إقامة قواعد أميركية دائمة. وكان قد أعيد، في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، تصنيف الفلبين كحليف قوي في الحرب ضد الإرهاب. واستؤنفت حينها التدريبات العسكرية المشتركة، بعد انقطاع دام سنوات. وكانت الولاياتالمتحدة قد حصلت، في اتفاقيتها العسكرية مع الفلبين عام 1947، على حق الوصول إلى قاعدتين في الفلبين هما كلارك الجوية وسوبيك البحرية، وعدد من المرافق الأصغر حجماً. وكان للقاعدتين الدور الأهم في قدرة الولاياتالمتحدة على مراقبة بحر الصين الجنوبي. بيد أنه جرى التنازل عن قاعدة كلارك، بعد أن لحقت بها أضرار جراء انفجار بركاني، كما رفض مجلس الشيوخ الفلبيني اتفاقية تم التوصل إليها عبر مفاوضات جديدة. الأمر الذي أدى إلى انسحاب أميركي شامل من الفلبين في العام 1992. في تطوّر آخر، ذي صلة بالوضع السائد في بحر الصين الجنوبي، قال وزير الدفاع الأسترالي، ستيفن سميث، في 28 آذار/ مارس 2012، إن بلاده قد تسمح للولايات المتحدة بتسيير رحلات تجسس إلى جزر كوكوس النائية في المحيط الهندي، والعمل سوية على دعم المحور الأميركي - الآسيوي. وقالت مصادر أميركية إن البنتاغون يرغب في استخدام سلسلة جزر كوكوس المرجانية الاسترالية، الواقعة على بعد نحو حوالي 3000 كيلومتر، غرب أستراليا وجنوب أندونيسيا. ويأمل البنتاغون بأن يُشيّد في هذه الجزر قاعدة لطائرات الاستطلاع، تتيح له القدرة على مراقبة بحر الصين الجنوبي. وكان الرئيس أوباما قد أبرم اتفاقاً مع كانبيرا، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، قضى بالحصول على قاعدة تستوعب 2500 عنصر من مشاة البحرية الأميركية، بالقرب من مدينة داروين الشمالية، الواقعة على المحيط الهندي. وكانت الولاياتالمتحدة قد شرعت منذ سنوات، في إطار سياستها الآسيوية، في توثيق تحالفها مع أستراليا. كما أعلنت كلاً من تايلاند والفلبين حلفاء من الدرجة الأولى، وأبرمت اتفاقية تحالف إستراتيجي مع سنغافورا. ويُمكن القول على صعيد البيئة الدولية الراهنة لجنوب شرق آسيا، إنه على الرغم، من الحضور الجديد لكل من الصين والهند وروسيا، فإن الولاياتالمتحدة لا تزال تمثل القوة الدولية الأولى في هذه المنطقة، سواء بالمعيار الاستراتيجي، أو بمعيار الروابط والتفاعلات السياسية العامة. كذلك، يحتل المحيط الهندي عامة مكانة متقدمة في الحسابات الجيوستراتيجية للولايات المتحدة. وهي قد غدت أكبر قوة عسكرية في المحيط منذ ستينيات القرن العشرين، وتحديداً منذ العام 1965 تاريخ الانسحاب البريطاني منه، وحيث حل الأسطولان السادس والسابع محل القوة البريطانية. وقامت الولاياتالمتحدة في العام 1992 بنقل مقر قيادة الخدمات الخلفية للأسطول السابع إلى قاعدة بحرية في سنغافورا، لتعزز بذلك فرص السيطرة على الخطوط البحرية المهمة في جنوب شرقي آسيا، وخاصة في مضيق ملقا، الذي يُمثل مع مضيق هرمز، أهم مضايق المحيط الهندي.